ديسمبر 29, 2024
kamil-suleyman-629x400

الكاتب : كامل سلمان

جميع الثروات والمعادن الطبيعية الموجودة تحت الأرض وفوق الأرض في أي بلد بالعالم تعتبر أموالاً للشعب لا يجوز التصرف بها من قبل الحكومة إلا بما يخدم عموم أبناء الشعب ، هذا الشيء معمول به في معظم دول العالم وخاصة الدول المتقدمة ، ففي الدول المتقدمة أموال وإيرادات الثروات الطبيعية تذهب للمشاريع الحيوية الكبرى التي يمكن أن يستفيد منها جميع الناس بلا استثناء ، فليست هنالك رواتب تعطى لأي موظف أو مسؤول في الدولة من هذه الأموال ، فرواتب موظفي الوزارات وحتى منتسبي قوى الأمن الداخلي والدفاع وكذلك صرفيات المدارس تقوم الوزارات بتسديدها عن طريق الاكتفاء الذاتي للوزارات إضافة إلى أموال جباية الضرائب التي يدفعها المواطن للدولة ، و القانون لا يسمح التلاعب بأموال الثروات الطبيعية إلا بما يخدم جميع المواطنين بشكل مباشر أو غير مباشر ، فما يحدث في مجتمعاتنا من دفع رواتب موظفي الدولة ومسؤوليها وقوى الأمن من إيرادات الثروات الطبيعية التي يتم تصديرها وبيعها في الأسواق العالمية وتحديداً النفط هي سرقة علنية لأموال الشعب وحتى الراتب الذي يتسلمه الموظف أو العسكري هي أموال مسروقة من اموال الشعب ، المسألة ليست فتوى مني فهذا قانون تتعامل به الدول المحترمة المعتبرة وهذه الدول لم تقرر تعاملها مع ثروات الشعب بهذا الشكل نتيجة فتوى دينية أو اجتهاد شخصي ، فمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان هي التي أوصلت قرارات تلك الدول أن تتعامل مع الثروات الطبيعية بهذه الكيفية ، في تلك الدول الوزارات التي لا تستطيع تسديد رواتب موظفيها لعدم قدرتها على خلق الاكتفاء الذاتي تضطر إلى تقليص عدد موظفيها ، الوزارات دائماً لها منافذ عديدة في الحصول على الأموال من خلال الرسوم والنشاطات الإعلامية والبرامج المختلفة والتصنيع احياناً في الحصول على الأموال لتسديد رواتب موظفيها وتغطية نفقاتها التطويرية والعمرانية ، ويستثنى من ذلك قوى الأمن الداخلي والدفاع والمدارس فهذه الجهات تكون أحياناً عاجزة عن تغطية نفقاتها من الأكتفاء الذاتي فتلجأ إلى دعم الدولة لها والدولة قد سمحت لهذه الجهات بالحصول على نسب كبيرة من أموال الضرائب التي يدفعها المواطن لسد النقص في صرفياتها ، فيصبح المعلم والشرطي والجندي موظفين يعملون لحساب المواطن ( دافع الضرائب ) لذلك فالمواطن في هذه الدول يستطيع محاسبة الشرطي أو المعلم أو الموظف إذا أقتنع بأنه مقصر في عمله ، أما الأموال التي تأتي من الثروات الطبيعية فتذهب لبناء السدود ومشاريع الطاقة والطرق والجسور والمشاريع الاستراتيجية التي تخدم جميع الأجيال والمشاريع الإنمائية ، وأيضاً يحق للدولة أن تستثمر أموال الثروات الطبيعية في الدفاع عن البلد في حالة تعرضه للعدوان وكذلك مواجهة الكوارث الطبيعية . هذه الحقائق قد لا يعرفها معظم الناس وحتى مسؤولي الدولة عندنا لا يعرفونها ولا يعرفون بأن رواتبهم هي سرقات من أموال الشعب وبالمفهوم الديني هي أموال حرام . . إذا كان راتب المسؤول والموظف والعسكري بالأساس سرقة لأموال الشعب فماذا سنقول عن السرقات الإضافية وماذا نقول عن التكاسل والتقاعس في اداء العمل مع المال الحرام ؟ وللعلم حتى الأرض هي ملك الشعب ولا يحق للحاكم والمسؤول التصرف بها و توزيع قطع من الأراضي لأي كان فهذه سرقة إضافية ، لم نسمع في أي بلد ذات نظام محترم دستورياً أن الحاكم قام بتوزيع قطع أراض للموظفين أو المسؤولين فهذه جريمة تضاف لجرائم السرقات من أموال الشعب ، فعندما تتعرض اراضي البلد لتهديد خارجي فأن المواطن بفضل حسه الوطني وشعوره بأن الأرض أرضه والثروات ثرواته يسارع في الدفاع عن أرض الوطن كأنه يدافع عن بيته ، فما حال المواطن الذي يدافع عن الأرض والثروات التي أصبحت حصة لغيره ؟ من المؤسف جداً أن تجد قادة بلداننا و وجهاءها ورجال الدين فيها والمشرعين القانونين يغضون الطرف عن هذه الحقائق ، هل يعلم هؤلاء لماذا بلداننا تتعرض بسهولة للأحتلال الخارجي ؟بسبب عدم وجود الارتباط الحقيقي بين المواطن والحكومة التي تسرق أمواله من جهة و بين المواطن والأرض والثروات من جهة ثانية لعدم استفادته منها ، فالمواطن في البلدان التي تحترم كيانه وحقوقه في الأرض وفي الثروات عندما يتعرض بلده للاعتداء الخارجي لا ينتظر فتوى دينية ولا ينتظر تجنيداً أجبارياً للدفاع عن الوطن ولا ينتظر الشحن الحماسي بالأناشيد الوطنية والخطب الجماهيرية فهو جندي بالفطرة مشبع بحبه للوطن ، هكذا هي العلاقة بين الحكومات وشعوبها ينتج عنه حب الوطن كحب الإنسان لنفسه و لبيته وعياله من خلال العدل واحترام الحقوق لا بالتهليل الإعلامي والحشد الديني والروايات المنقولة . الفارق كبير جداً ومن المخجل المقارنة بين هذا وذاك ، فهو فارق زمني وفارق ثقافي واخلاقي وعقلي قبل كل شيء ، المجتمعات العادلة هي مجتمعات أخلاقية ثقافية علمية إنسانية راقية تجاه مواطنيها ، أما المجتمعات المنهوبة والمسروقة حقها فهي مجتمعات تنقصها الأخلاق المجتمعية وتنقصها كل شيء وتبقى ناقصة للأبد حتى تحين الساعة التي تتغير فيها الأفكار والاخلاق والعقول . فعندما نقول نحن مجتمع القيم والأخلاق والدين فهذا كلام جميل نظرياً ولفظياً ، أما عملياً فهو خداع للنفس وتخدير لها للأسف .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *