ديسمبر 27, 2024
Dr Fadhil Sharif

فاضل حسن شريف

عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله جل وعلا “قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا” (مريم 30) ” قال” عيسى عليه السلام “إني عبد الله” قدم إقراره بالعبودية ليبطل به قول من يدعي له الربوبية وكان الله سبحانه أنطقه بذلك لعلمه بما يقوله الغالون فيه ثم قال “آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا” أي: حكم لي بإتيان الكتاب والنبوة وقيل إن الله تعالى أكمل عقله في صغره وأرسله إلى عباده وكان نبيا مبعوثا إلى الناس في ذلك الوقت مكلفا عاقلا ولذلك كانت له تلك المعجزة عن الحسن والجبائي.  وقيل إنه كلمهم وهو ابن أربعين يوما عن وهب وقيل يوم ولد عن ابن عباس وأكثر المفسرين هو الظاهر وقيل إن معناه أني عبد الله سيؤتيني الكتاب و سيجعلني نبيا وكان ذلك معجزة لمريم عليها السلام على براءة ساحتها.

جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله جل وعلا “قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا” (مريم 30) شروع منه عليه السلام في الجواب ولم يتعرض لمشكلة الولادة التي كانوا يكرون بها على مريم عليها السلام لأن نطقه على صباه وهو آية معجزة وما أخبر به من الحقيقة لا يدع ريبا لمرتاب في أمره على أنه سلم في آخر كلامه على نفسه فشهد بذلك على نزاهته وأمنة من كل قذارة وخباثة ومن نزاهته طهارة مولده. وقد بدأ بقوله: “إني عبد الله” اعترافا بالعبودية لله ليبطل به غلو الغالين وتتم الحجة عليهم، كما ختمه بمثل ذلك إذ يقول: “وإن الله ربي وربكم فاعبدوه”. وفي قوله: “آتاني الكتاب” إخبار بإعطاء الكتاب والظاهر أنه الإنجيل، وفي قوله: “وجعلني نبيا” إعلام بنبوته، وقد تقدم في مباحث النبوة في الجزء الثاني من الكتاب الفرق بين النبوة والرسالة، فقد كان يومئذ نبيا فحسب ثم اختاره الله للرسالة، وظاهر الكلام أنه كان أوتي الكتاب والنبوة لا أن ذلك إخبار بما سيقع.

وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله جل وعلا “قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا” (مريم 30) أي سيجعلني نبيا فيما بعد، لأن الرضيع لا يكون قدوة للناس، وحجة عليهم، كيف وهو غير مسؤول عن أقواله وأفعاله فهل يكون مسؤولا عن تبليغ رسالات اللَّه إلى عباده ؟. وفيما سبق نقلنا عن الأناجيل ان عيسى بعث في سن الثلاثين، وإنما تكلم في المهد لتبرئة أمه من الزنا والفجور، لا لأنه نبي مرسل، انظر عيسى ونبوة الأطفال ج 3 ص 144.

عن صفات المسيح عليه السلام في القرآن الكريم يقول علي الشيخ في كتابه: لقد ذكر القرآن الكريم صفاتاً للمسيح عليه السلام رفع بها قدره، وبيّن فيها علو منزلته،هذه الصفات على قسمين: اكتسابية واختصاصية وهي: 1- عبد الله ونبي الله: قال تعالى: “قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً” (مريم 30). 2- رسول الله الى بني اسرائيل: قال تعالى: “وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَة مِن رَبِّكُمْ” (ال عمران 45). 3- احد الأنبياء الخمسة أولي العزم صاحب شرع: قال تعالى: “وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّين مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُوح وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِيثَاقاً غَلِيظاً” (الاحزاب 7). 4- صاحب كتاب سماوي وهو الانجيل: قال تعالى: “وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ” (المائدة 46). 5- كان شهيداً على الناس: قال تعالى: “وَإِن مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً” (النساء 109). 6- كان وجيهاً في الدنيا والاخرة ومن المقربين: قال تعالى: “إِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الْدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ” (ال عمران 45). 7- كان من الصالحين: قال تعالى: “وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ” (الانعام 85). 8- كان مباركاً اينما كان، وكان زكياً: قال تعالى: “إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لاَِهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً” (مريم 19). و قال تعالى: “وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَادُمْتُ حَيّاً” (مريم 31). 9- كان آية للناس ورحمة في الله: قال تعالى: “وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مقْضِيّاً” (مريم 21). 10- كان باراً بوالدته: قال تعالى: “وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً” (مريم 32). 11- كان ممن علمه الله الكتاب والحكمة: قال تعالى: “وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ” (ال عمران 48). 12- كان مبشراً برسول الله صلى الله عليه وآله: قال تعالى: “وَمُبَشِّرَاً بِرَسُول يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ” (الصف 6). فهذه جمل وصف الله هذا النبي والرسول الكريم.

جاء في كتاب لاهوت المسيح في المسيحية والإسلام دراسة مقارنة للكاتب علي الشيخ: بعثته عليه السلام:  قيل انه كان نبياً وهو طفل صغير، واستدلوا عليه بقوله تعالى: “قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً” (مريم 30). يقول العلامة الطباطبائي في تعليقه على الآية: (و ظاهر الكلام انه كان أوتي الكتاب و النبوة، لا أن ذلك اخبار بما سيقع). و عليه فصح أن يقال: انه عليه السلام كان نبياً في اول الامر كما قال “وَجَعَلَنِي نَبِيّاً” (مريم 30) ثم صار رسولاً كما قال تعالى “وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ” (ال عمران 49). و يؤكد القرآن أن الله تعالى أرسل المسيح عليه السلام الى بني اسرائيل، قال تعالى: “وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَة مِن رَبِّكُم” (ال عمران 49). و يؤكد القرآن على نزول الانجيل على المسيح عليه السلام، كما في قوله تعالى: “وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ” (المائدة 46).

وعندما جاءت مريم عليها السلام المخاض لا يوجد احد يساعدها على الولادة سوى الله أو الرب “فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا * فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا” (مريم 23-25)، وتكلمه في المهد لتبرئة امه العذراء عليها السلام “قالَ إِنّي عَبدُ اللَّـهِ آتانِيَ الكِتابَ وَجَعَلَني نَبِيًّا * وَجَعَلَني مُبارَكًا أَينَ ما كُنتُ وَأَوصاني بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوالِدَتي وَلَم يَجعَلني جَبّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَومَ وُلِدتُ وَيَومَ أَموتُ وَيَومَ أُبعَثُ حَيًّا” (مريم 30-33).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *