
فاضل حسن شريف
كفالة اليتامى من التجارة المعنوية الرابحة كما قال الله سبحانه “وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ” (البقرة 83)، و “وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ” (البقرة 177)، و “يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ” (البقرة 215)، و “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ” (البقرة 220). وبالعكس فالتعامل السيء مع اليتامى واكل اموالهم يعتبر تجارة خاسرة “إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا” (النساء 10)، و “وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا” (النساء 2)، و “وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ” (الأنعام 152)، و “وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ” (الاسراء 134)، و “كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ” (الفجر 17)، و “فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ” (الضحى 9). قال الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة) وأشار باصبعيه السبابة والوسطى.
عن التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: قوله سبحانه “يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ” ﴿البقرة 215﴾ قوله: “يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ”. الآية. وعن ابن عباس قال: كان عمرو بن الجموح شيخا كبيرا وعنده مال كثير فقال يا رسول الله: بماذا نتصدق، وعلى من ننفق؟ فنزلت الآية. والمعنى: يسألك أصحابك يا محمد أى شيء ينفقونه من أصناف الأموال؟ قل لهم: ما أنفقتم من أموالكم فاجعلوه للوالدين قبل غيرهما ليكون أداء لحق تربيتهما ووفاء لبعض حقوقهما، وللأقربين وفاء لحق القرابة والرحم ولليتامى لأنهم فقدوا الأب الحانى الذي يسد عوزهم، والمساكين لفقرهم واحتياجهم، وابن السبيل لأنه كالفقير لغيبة ماله وانقطاعه عن بلده. قال الإمام الرازي: فهذا هو الترتيب الصحيح الذي رتبه الله تعالى في كيفية الإنفاق. ثم لما فصل هذا التفصيل الحسن الكامل أردفه بعد ذلك بالإجمال فقال: “وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ” ﴿البقرة 215﴾ أى: وكل ما فعلمتوه من خير إما مع هؤلاء المذكورين وإما مع غيرهم حسبة لله وطلبا لجزيل ثوابه وهربا من أليم عقابه فإن الله به عليم فيجازيكم احسن الجزاء عليه. وظاهر الآية كما يقول الآلوسى أن السؤال عن المنفق فأجاب ببيان المصرف صريحا، لأنه أهم لأن اعتداد النفقة باعتباره. وأشار سبحانه إجمالا إلى بيان المنفق فإن قوله مِنْ خَيْرٍ يتضمن كونه حلالا إذ لا يسمى ما عداه خيرا، وإنما تعرض لذلك أى لبيان المنفق عليه وليس في السؤال ما يقتضيه، لأن السؤال للتعلم لا للجدل، وحق المعلم فيه أن يكون كطبيب رفيق يتحرى ما فيه الشفاء، طلبه المريض أم لم يطلبه. ولما كانت حاجتهم إلى من ينفق عليه كحاجتهم إلى ما ينفق بين الأمرين، (وهذا كمن به صفراء فاستأذن طبيبا، في أكل العسل فقال له: كله مع الخل). فالكلام إذا من أسلوب الحكيم. ويحتمل أن يكون في الكلام أى في كلام السائلين ذكر المصرف أيضا كما في سؤال عمرو بن الجموح إلا أنه لم يذكره في الآية للإيجاز في النظم تعويلا على الجواب، فتكون الآية جوابا لأمرين مسئول عنهما. والاقتصار في بيان المنفق على الإجمال من غير تعرض للتفصيل كما في بيان المصرف للإشارة إلى كون الثاني أهم. وهل تخرج الآية بذلك عن كونها من أسلوب الحكيم أولا؟ قولان أشهرهما الثاني. ولم يتعرض سبحانه هنا لبقية المحتاجين كالسائلين والغارمين إما اكتفاء بذكرهم في مواضع أخرى، وإما بناء على دخولهم تحت عموم قوله تعالى: في آخر الآية “وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ” ﴿البقرة 215﴾ فإنه شامل لكل خير واقع في أى مصرف كان. قال الجمل و (ذا) اسم موصول بمعنى الذي والعائد محذوف، و (ما) على أصلها من الاستفهام ولذلك لم يعمل فيها يسألونك، وهي مبتدأ وذا خبره، والجملة محلها النصب بيسألون. والمعنى يسألونك أي الشيء الذي ينفقونه. وقوله: “وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ” ﴿البقرة 215﴾ تذييل قصد به الحض على فعل الخير، لأن المؤمن عند ما يشعر بأن الله يرى عمله ويجازيه عليه بما يستحقه، يشجعه ذلك على الاستمرار في عمل الخير. وإذا كان بعضنا يكثر من عمل الخير عند ما يعلم أن شخصا ذا جاه يسره هذا العمل، فكيف يكون الحال عند ما يعلم المؤمن التقى أن الذي يرى عمله ويكافئه عليه هو الله الذي لا تخفى عليه خافية، والذي يعطي من يشاء بغير حساب. قال بعض العلماء: وقد اختلف في هذه الآية. فقيل إنها منسوخة بآية الزكاة وهي قوله تعالى: “إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ” وقيل وهو الأولى إنها غير منسوخة، وهي لبيان صدقة التطوع فإنه متى أمكن الجمع فلا نسخ.
جاء في كتاب التكافل الاجتماعي في مدرسة اهل البيت عليهم السلام للمؤلف عباس ذهيبات: التعاون والإحسان: في الإسلام رصيد معرفي ضخم يدعو إلى قيم التعاون والإحسان في أكثر من اتجاه وعلى أكثر من صعيد، الأمر الذي يرسي أساس التكافل ويعمّق من مساره، فالقرآن وهو المصدر المعرفي الأساسي يحثّ في آيات عديدة على التعاون، يقول في هذا الصدد: “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى” (المائدة 2). وقال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: (من مشى في عون أخيه ومنفعته، فله ثواب المجاهدين في سبيل الله). تجدر الإشارة إلى أن الإنسان خلق وحده ضعيفاً لا يقدر على شيء إلاّ إذا توفرت له ظروف التعاون مع غيره، والقليل إلى القليل كثير، والضعيف إذا ساند الضعيف قوى، فالحياة الاجتماعية ما هي إلا تعاون أفراد المجتمع في سبيل توفير الطمأنينة النفسية لأفراده الذين يقعون تحت تأثير الحاجة أو الفزع أو القلق أو الاضطراب أو العجز عن تهيئة الامكانيات التي تعيد الطمأنينة النفسية إليهم، من هنا تظل الحاجة إلى التعاون ماسة عبر الزمن. يروي إسحاق بن عمّار أنّه سمع الإمام الصادق عليه السلام يقول: (يأتي على الناس زمان من سأل الناس عاش، ومن سكت مات، قلت: فما أصنع إنّ أدركت ذلك الزمان؟ قال: تعينهم بما عندك، فإن لم تجد فبجاهك). فالدعوة إلى التعاون إذن لازمة مهما تغير الزمان، وتعاقبت الأجيال، وتغيرت العادات والتقاليد واختلفت الظروف. أما الإحسان فهو قيمة عليا تؤدي إلى تنمية روح التكافل، وتطلق الفرد من عقال الأنا أو (الذات) إلى مدارات إجتماعية رحبة، وتجعله متضامناً مع إخوته وأبناء جنسه. وحقيقة الإحسان: هي التطوع بأعمال الخير التي لم يلزم بها الشارع المقدس. إن الإنسان المحسن هو الذي يمارس العطاء المالي، أو يبذل جهوداً إضافية في خدمة الناس، والقرآن يحثّ على ذلك بقوله:”إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى” (النحل 90) فنجد العطاء هنا مقروناً بالإحسان، ونجد دائرة القرابة هي الأقرب من حيث الاستحقاق. ويقول الإمام علي عليه السلام: (رأس الإيمان الإحسان إلى الناس).
عن كتاب معارف الصحيفة السجادية للمؤلف علاء الحسون: دعانا الله تعالى إلى تجارة مربحة، وفتح لنا أبواب رحمته، فزاد في الثمن وأعطى الزيادة. فقال تعالى: “مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَاوَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا” (الانعام 160). وقال تعالى: “مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّة أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَة مِّئَةُ حَبَّة وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء” (البقرة 261). وقال تعالى: “مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة ” (البقرة 245) وغيرها من الآيات القرآنية الدالّة على أنّه تعالى يضاعف الحسنات. ولم يقصد الباري عزّ وجلّ من هذه الزيادة وإعطاء الثواب الكثير على العمل القليل إلاّ تقديم الربح للعباد في تجارتهم معه ومنحهم الفوز والسعادة حين القدوم عليه كما جاء في الصحيفة السجادية (اللّهم أنت الذي زدت في السوم على نفسك لعبادك، تريد ربحهم في متاجرتهم لك، وفوزهم بالوفادة عليك والزيادة منك، فقلت تبارك اسمك وتعاليت وما أنزلت من نظائرهنّ في القرآن من تضاعيف الحسنات). السوم يعني الثمن، والوفادة أي القدوم. يزيد الله في حسنات العبد ويضاعفها عشر أمثالها لتنمو وتزدهر وتكون ذات عاقبة جيّدة. ويتجاوز الله تعالى عن سيّئات العبد حتّى يعفو عنها ويمحو أثرها وكأنّ العبد لم يدنو منها أبداً. يقول الإمام السجاد عليه السلام في صحيفته (يا من يثمر الحسنة حتّى ينمّيها ويتجاوز عن السيئة حتّى يعفيها)، و (يا من يثمر الحسنة حتّى ينمّيها ويتجاوز عن السيئة حتّى يعفيها).
جاء في شبكة المعارف الاسلامية الثقافية عن أسس التكافل الاجتماعي ومبدأ الأخوة الإيمانية: لم تنبت فكرة التكافل بلا جذور، ولم تنطلق من فراغ، وإنّما سبقتها ومهدت لها وأسهمت في فاعليتها وديمومتها مجموعة من الأسس والمبادئ العامة، كانت بمثابة البنىٰ التحتية التي عملت على بلورة فكرة التكافل وإرساء قواعدها، وفي طليعة هذه الأسس والمبادئ: مبدأ الأخوّة الإيمانية: عمل الإسلام على بناء وتدعيم علاقات طيبة بين الناس تقوم على أساس الأخوّة والألفة، وإذا كان علم الاجتماع معنياً أولاً وقبل كل شيء بالظواهر الاجتماعية، فإن ظاهرة الأخوّة التي أوجدها الإسلام بين أفراده تستحق الدراسة والتأمل، فقد كان العرب ـ في الجاهلية ـ على شفا حفرة من نار الخلاف والاختلاف والتمزق والتقاتل، ولكنهم بعد أن ارتضعوا من لبان ثقافة الإسلام أصبحوا أمة متحدة، مرهوبة الجانب تمتلك أسباب التمدّن والرّقي. فقد أحدثت مبادئ الإسلام وخاصة مبدأ الأخوة إنعطافاً اجتماعياً حاداً في أنماط تفكير وسلوك الغالبية الغالبة من المسلمين، حيث كان الإنسان الجاهلي قبل الإسلام منكفئاً على ذاته، ومتقوقعاً داخل أسوار نفسه، فغدا بفضل الإسلام إنساناً إجتماعياً يشعر بمعاناة إخوته، ويمدّ يده العون لهم، ويشاركهم في مكاره الدهر. هذه النقلة الحضارية يشير إليها القرآن بصورة جلّية، في قوله عز من قائل: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا” (آل عمران 103). وكان للسُنة النبوية الأثر البالغ في تدعيم وترسيخ مبدأ التكافل من خلال تأكيدها على مبدأ الأخوة وما يستلزمه من التزامات إجتماعية كقضاء حوائج الإخوان وإعانتهم، قال رسول الله صلىاللهعليهوآله: (من سعىٰ في حاجة أخيه المؤمنين، فكأنّما عبد الله تسعة آلاف سنة، صائماً نهاره، قائماً ليلة). وقال صلىاللهعليهوآله: (من قضى لأخيه المؤمن حاجةً، كان كمن عبد الله دهره).