يناير 26, 2025
8f6df7fd-142a-40db-af63-2bac680839ec

عزيز الخزرجي

الوجه الآخر لقصة يوسف(ع) :

الدرس ألبليغ و السّر الخافي لقصة يوسف؛ حول معنى (العشق الحقيقيّ و فرقه عن العشق المجازيّ) بطلة القصة عاشقة صابرة بإسم زليخا التي ملكت إمبراطورية عظيمة و جيشاً عرمراً .. و محنتها تتلخص في أنها لم تلتقي بمعشوقها بعد وقوع الحادثة المشينة داخل قصرها, بل و إنها هدرت ماء وجهها و صارحت العالم كله بصدق و بلا أقنعة أو حياء فضيحتها, لأنها كانت تبحث عن عشقها الحقيقيّ عن طريق ذاتها و عقلها الباطن بعد ما إنقطعت عن الأصل و إبتُليت بأكبر فرعون على الأرض, عندما هبطت على الأرض, و إبتليت بهذه الدنيا اللعينة وسط أناس يعبدون الدولار و الشهوات و الأصنام التي لا تعد و لا تحصى اليوم بعد ما كانت محصورة على (اللات و العزى و سواع و يعوق و نسرا), حقا إنها نهاية الدّنيا, خصوصا بعد ما باتت الاحزاب التي تدعي إسم الله و حزب الله و دعوة الله و الدِّين للأسف يفعلون ما لا يرضاه حتى الكفار و المعاندين شرقا و غرباً,!! و إلّا هل هناك مَنْ له القليل من آلعقل و يصدق بأن تلك الأحزاب خربوا عباد الله و سرقوهم بل مزقوا حياة الشباب بتجارة المخدرات و الكبتاكون لتسديد أجور “جهادهم” ضد العدو !؟

أية دنيا زائفه ؟

و أي مجاهدين!؟

و أية شعوب منحطة فكرياً و دينياً و ثقافياً إنسلخت عن حقيقتها .. حتى باتت تتبرع بقوت أطفالها لدعم أؤلئك الفاسدين المنافقين بإسم الله!؟

إنهم أناس قد يعرف بعضهم كل شيئ إلا الحُب و فرقه عن العشق و هكذا الصدق و فرقه عن الكذب الذي يفقد صاحبه النزاهة و الأمانة و الوفاء لمجرد ما يتناول من أول لقمة حرام !؟

لقد مررت بأكثر بلاد العالم و قطعت الفيافي و طالعتُ ما طالعت من القصص, لكن بقيت قصّة يوسف من أحسن القصص, لذلك تأملت ملياً و بنظرة عرفانيّة حقيقة تلك القصة و أبعادها, حتى أخرجتُ منها بحدود 25 درساً(بحثاً) حرّيٌّ بكلّ عالمٍ و باحث و عاشق من مراجعتها والوقوف عندها.

إنّها حقا أحسن القصص و أجملها و أكثرها عمقاً و عبراً و معارف تؤدي إلى وصل الأنسان بآلله من دون الدولار الذي يعبده الناس اليوم .. بل و يصبحوا عبيداً لمن يتفضل عليهم بذلك !

دعوني أذكّركم ببحث واحد من تلك آلقصة تتعلّق بآلسيدة زليخا.. تلك المرأة الملكة زوجة العزيز التي أحبّت يوسف (ع) حباً مَلَكَ قلبها و وجودها بحيث ضحت بكل شيئ بآلمنصب و المكانة و السمعة وووو ….، حتى كان ذكره – ذكر يوسف – لا يفارقها، و صورته على الدوام لا تغيب عن مخيلتها.

لكنها حين أدركتْ أنّ حُبّ يوسف كان حجاباً بينها و بين الله، قلبت ذلك الحُبّ إلى حبٍّ لله وحده, بعدما إتّخذت جانباً من قصرها تعبد الله تعالى تاركة كل شيئ في الحياة، حتى أصبحت تعبد الله بعشقٍ يفوق عشقها ليوسف و للمُلك و المال و المنصب.

رُوِيَ أنّها لما بلغت من العمر عتيًّا، و كانت قد فقدت كلّ شيء و تركت ما كانت عليها من الفخامة و الحشم و الخدم, و رفضت حتى مقابلة يوسف يوم زارها في غرفتها المعزولة لأنها كانت مشغولة بعبادة الله فعظم الأمر في نفس يوسف و في النهاية رجع خائباً لقصره، و حدث أن رأتْ زليخا يوسف في موكبه الفخم و قد بات ملكاً لمصر و توابعها، فقابلته و هي في طريقها قائلة :

.””الحمد لله الذي جعل الملوك عبيدًا بمعصيتهم، و جعل العبيد ملوكاً بطاعتهم

فسألها يُوسف: “كيف حالك يا زليخا؟

فأجابته بعيونٍ مطمئنة، و قلبٍ ممتلئ بحُب الله و عشقه:

[يا يُوسف، لا تسلني عن حُبّ آلدّنيا و ما فيها، فقد نزع الله حتى حُبّك من قلبي، و ملأه بحُبهِ].

أيّها الإخوة.. هل أدركتم سرّ هذا التحوّل من العشق المجازي – المادي – الدّولاري المحدود, إلى العشق الحقيقيّ الذي وحده يُغنينا؟

اليوم و في زمننا هذا رأيتُ العجب العُجاب!؟

رأيت كيف ينافق المؤمن و يستغيب و يلوي عنقه لأجل منصب و مرتب و جاه!؟

رأيت كيف يذل المؤمن الرخيص نفسه أمام الطغاة لأجل الدّولار و المنصب والمال الحرام!؟

شهدتُ بنفسي كيف إنّ البعض مِمّن يدّعي الدِّين و الجّهاد و الصلاة و التأريخ و التعبد لله؛ رأيتهم كيف يحنون رؤوسهم و يذلون أنفسهم للحصول على منصب مسؤول أو مدير أو وزير ليجمع الأموال الحرام بكلّ ذلّة و خيانة لأهل الحقّ و على حساب الحقّ و قوت الفقراء!؟

رأيتُ و ياليتني لم أرَ الكثير مِمّن تصوّر أنه صار قائداً و وزيراً أو رئيساً فأصيب بآلخيلاء وثارت شهواته ليتكبّر ويفخر بأمواله الحرام!؟

زليخا التي كانتْ ترى يُوسف أجمل الخلق و كانت ملكة مصر و زوجة فرعونها، رأت في نهاية المطاف؛ أنّ حُبّ الله أجمل من كلّ جمالٍ تراه العين؛ لهُ لذّة خاصّة لا يتحسّسها حتى المؤمنون التقليديون .. إلا العاشق المُتيم.

لقد علّمنا العرفاء عبر التأريخ؛ دروساً عظيمة كآلسّلطان بايزيد وشمس التبريزي والسّهروردي وإبن سينا وقبلهم الخضر(ع) و بعده أئمتنا والكثير ممّن عاصرناهم كباقر الصدر الذي نجهل حقيقته و تأريخه بسبب طُلاب الدّنيا الذين داسوا على قيمه و وقفوا ضد نهجه.

فمتى يفهم الناس و العراقيون خصوصاً و منهم المسؤوليين؛ هذه الحقائق التي حدثت قبل مئات و آلاف السنين و للآن لم يقرؤوا و لم يفهموا ولم يعووا تلك الملاحم الكونية العظيمة لتطبيقها, فبدون نهجهم سيتحول الجميع إلى هارون و نبوخذنصر والحجاج وقارون!؟

كم من الزمان نحتاج لندرك أبعاد و أسرار تلك القصص العرفانية الربانيّة, لنُعلّم أبنائنا و أحفادنا على ذلك!

وهل ما أحاط بنا من المآسي و المحن و الفوارق الطبقية و الحقوقية و آلأجتماعية؛ هو بسبب عزوفنا و الناس عن القراءة و التفكّر, و لهوثنا على جمع المال و لقمة الحرام بكل وسيلة ممكنة؛ و واسطة ؛ و نفاق ؛ و تملّق و كذب .. و فوق ذلك في النهاية يُواجهون الذل و الهوان و الهزائم تاركين كلّ شيئ ليرجعوا لله كما أتوا عراة و هم محمّلين بأعباء ما إقترفوا من الظلم !؟

فتوبوا لله أيها الناس توبة نصوحة لتفلحوا قبل الموت الذي سيُلاقيكم, فآلملك يومئذ لله يحكم بينهم فآلذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم.

العارف الحكيم ألمُعاصر؛ عزيز حميد الخزرجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *