رياض سعد
مرت على الاغلبية والامة العراقية ظروف صعبة و مختلفة ومزدوجة ومحن متتالية وتقلبات وازمات متوالية ؛ واحتلالات وحكومات قاسية , حتى حكومات الدولة العراقية الحديثة فعلت الافاعيل النكراء بالعراقيين الاصلاء ؛ وكانت احقر واقسى عليهم من الانكليز الخبثاء والاجانب الاعداء ؛ اذ لم تمثل تلك الحكومات الهجينة والطائفية والعميلة المجتمع العراقي ولم تنتمي للأغلبية ولا تربطها بالأمة العراقية أية رابطة وطنية عريقة , وقد شرعت تلك الحكومات الحاقدة القوانين الباطلة والغبية والتي لا تنسجم مع حياة الناس ولا تلبي طموحات وامال وهموم الجماهير ولا تحقق العيش الكريم ولا تصب في مصلحة المواطن ؛ فضلا عن الاجراءات البيروقراطية والقمعية والتعسفية والتي لا تتماشى مع حقوق الانسان وتتعارض مع كرامة المواطن والحياة الهانئة , وعليه صار لزاما ان تسقط الدولة العراقية وهي فاشلة بائسة عام 2003 كما ولدت أول مرة على يد الانكليز اللؤماء عام 1920 .
واستمرت دوامة العنف والازمات والوحشية والنكبات , فضلا عن العمليات الارهابية والتفجيرات والاغتيالات بعد عام 2003 ؛ وتفشت المحسوبية والفساد والرشوة , وانتشرت الجريمة المنظمة ومظاهر الجهل والتخلف والانفلات الامني , وراجت تجارة المخدرات والممنوعات والمحرمات , وساهمت وسائل الاعلام والحريات العامة والخاصة على التحلل الاخلاقي والتفكك الاسري والتشرذم المجتمعي , وارتفعت معدلات البطالة , حيث لم تترك ماكنة الاعلام الشريرة شيئا إلا وشوهته من تاريخ وثقافة وأخلاق ودين وهوية … ؛ فقد تمكنت تلك الماكنة الهجينة المعادية من التلاعب بالوعي الجماهيري وتزيف الحقائق وتدمير المجتمع وتخريب المنظومة الاخلاقية للأغلبية والامة العراقية ؛ وسارت الحكومات المنتخبة بسيرة الحكومات البائدة الغاشمة , وتسلل الطائفيون والعنصريون والانفصاليون والبعثيون والصداميون الى دوائر الدولة ومرافق واجهزة الحكومة الامنية ؛ فصار النهج البعثي الدموي والحقد الطائفي والعنصري والاجرام الصدامي حاضرا وبقوة في حياة المواطنين كأنه سنة سيئة لا تقبل التبديل والتغيير , وبالتالي وكتحصيل حاصل انتشرت السجون والمعتقلات , وامتلأت مراكز الشرطة بالنزلاء والسجناء ؛ وعادت الدولة الجديدة الى وحشيتها القديمة التي تعتمد على الجواسيس والبوليس السري والتعذيب والسجون وسوء المعاملة واهمال الوطن والمواطن , وتوريط المجتمع ثم محاسبته حسابا عسيرا ؛ وبما أننا اصحاب أول سجن في التاريخ ؛ سنكون سجناء اخر سجن في الكرة الارضية ايضا ؛ ولا اظن اننا سوف نحتفل في يوم من الايام كالهولنديين بأغلاق السجون في البلاد وتصفير الجريمة وتجفيف منابع الارهاب والعنف والقضاء على كافة الاسباب التي تؤدي للجرائم والجنح والمخالفات … ؛ لأننا مدمنون على العنف والقسوة والجهل والاجرام , ومولعون بالثأر والانتقام والفساد والرشوة , وغارقون في دياجير الانانية والنرجسية والطائفية والعنصرية والمناطقية والعشائرية ؛ لذلك كنا ولا زلنا نصنع العنف ونكرر الجريمة ونعيد الماسي والفواجع وندور في نفس الدوامة البائسة …!!
وعليه وبما قدرنا الاسود ومصيرنا البائس مرتبط بالسجون والمعتقلات والشرطة الفاسدين والمسؤولين الفاشلين والسجانين الجلادين وقساة الموظفين ؛ نطالب الحكومات العراقية والنخب السياسية ومنظمات حقوق الانسان المحلية والدولية بالتدخل الفوري ؛ لمراعاة حقوق السجين وتحسين ظروف السجن ؛ ومعاملة السجناء بالحسنى والانسانية , وتحويل السجون الى ورش انجاز ومكتبات ابداع ومصانع ومعامل ترفد السجين والمجتمع بالواردات والمنتجات الوطنية ؛ وبهذا تصير مقرات للتأهيل والتغيير الايجابي ؛ وليست اوكارا للتعذيب والتدمير ؛ وقاعات لقتل الابداع والانسانية والوطنية ؛ ومحطات توليد للمجرمين العتاة والخارجين عن القانون والمدمنين والمخربين .
ومما لاشك فيه ان الجريمة والمخالفة القانونية وايا كان نوعها هي وليدة المجتمع ؛ و قد أكد اصحاب النظرية الاقتصادية في علم الجريمة ؛ أن الجريمة وليدة بعض الظروف الاقتصادية وفي مقدمتها الفقر المتأتي من البطالة مثلاً وغيرها من الأحوال الاقتصادية السيئة … ؛ وقد استند أنصار هذه النظرية على بعض الإحصاءات التي قام بها الباحثون الاجتماعيون لبيان العلاقة بين الحالة الاقتصادية والجريمة، لاسيما لدى الأحداث المنحرفين، كما اعتمدوا أيضاً على البيانات العامة التي أشارت إلى كثرة حوادث الإجرام خلال الأزمات الاقتصادية ؛ ولعل هذه المقولة : ((عجبت لمن لم يجد قوت يومه ولم يخرج شاهرا سيفه )) وهي مقولة مشهورة سواء نُسبت لـ«علي بن أبي طالب» أو لـ«أبو ذر الغفاري» تؤكد هذه النظرية ؛ وتذهب هذه النظرية إلى : أن العوامل الاقتصادية في المجتمع هي الأساس وأن لها الأثر الأكبر في حياة الفرد والمجتمع من كافة الوجوه، ويرى أصحابها أن الجريمة في جوهرها نتيجة حتمية لاستغلال الطبقات العاملة، وأن العدالة الجنائية المطبقة في المجتمعات الرأسمالية هي من صالح الطبقة الرأسمالية، لذا فالشخص الضعيف اقتصادياً والذي يرى أن العدالة لم تنصفه في مجتمعه ولم تحقق إشباع لحاجاته وحاجات أسرته، فإنه يجد المبرر للاندفاع إلى الجريمة معتقداً أنه لم يرتكب خطأ بذلك.
وهناك اعتقاد آخر يتردد لدى الطبقات الفقيرة في المجتمعات الرأسمالية بصورة خاصة هو: “أن معظم الأثرياء في المجتمع تكونت ثرواتهم الضخمة نتيجة لاستغلال الفقراء، لذا قد يمد هؤلاء الفقراء أيديهم إلى ما في حوزة الأثرياء مبررين ذلك أنه ليس من حرج عليهم أن ينتزعوا شيئاً من ثرائهم الذي جمعوه على حسابهم ؛ وقد جاء عن حكيم العراق وحاكمه العادل الامام علي ما يؤكد هذا الاعتقاد ؛ اذ قال : (( إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ فِي أَمْوَالِ الاَغْنِيَاءِ أَقْوَاتَ الْفُقَرَاءِ، فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلاَّ بِمَا مَنَعَ بِهِ غَنِي، وَاللهُ تَعَالَى سَائِلُهُمْ عَنْ ذلك )) .
بينما يتشدق ابناء الفئة الهجينة وشذاذ الطائفة السنية وزبانية الانظمة الحاقدة وازلام النظام البعثي الصدامي البائد ؛ بشعارات طوباوية ويرددون عبارات سمجة هلامية كالببغاوات ابان حكمهم الاسود وايامهم العجاف ؛ من قبيل : (( الشريف شريف , والانسان يعيش بالفقر بكرامة , ولازم العراقي يتحمل الفقر وما ينحرف , والمبادئ اهم من كل شيء , والاخلاق والقانون والدين يمنع الانسان من ارتكاب الجنح والمخالفات والجرائم ؛ المجرم مجرم والظروف ماله اي علاقة بالموضوع هواي ناس فقراء بس ما تخالف القانون … الخ ؛ وعندما تدخل في كروباتهم الطائفية والمناطقية والعنصرية تصدم بكمية الحقارة الهائلة والانحطاط الاخلاقي والقسوة المفرطة تجاه ضحايا الاغلبية والامة العراقية في ذلك الزمن الاغبر ؛ اذ ينقل احد ابناء الفئة الهجينة حادثة وهو يضحك , اذ قال : في احد ايام الحصار , حاول احدهم فتح الباب من تحت , فقمت بضربه بالطبر بقوة , وقد قطعت اصابه و وقعت على الارض و ولى هاربا , وقد شاركه القهقهة أشباهه من حثالة المجتمع الهجين وسقط المتاع …!! ))
كان هؤلاء الاوباش والاوغاد يتمتعون بكافة الامتيازات الحكومية والحقوق ؛ فجلهم ضباط عسكريون وعناصر في الاجهزة الامنية القمعية واعضاء في الحزب الحاكم وموظفون في دوائر الدولة , وقد استولوا على الاراضي الزراعية الخصبة بمساعدة الحكومات الطائفية وقدمت لهم تلك الحكومات الهجينة مختلف القروض والاليات الزراعية والتسهيلات , ثم استولوا على المرافق والمعامل الصناعية , ثم استولوا على التجارة … الخ ؛ فضلا عن استغلالهم للضحايا العراقيين في الجيش والسجون والحياة العامة , من خلال اخذهم للرشوة واستغلال مناصبهم للإساءة لأبناء الاغلبية والامة العراقية ومصادرة ممتلكاتهم بشتى الاعذار والذرائع الباطلة ؛ فمع كل هذا الثراء الفاحش كانوا حرامية مرتشين فاسدين , حتى لقب المجرم الشاذ خيري طلفاح ب ( حرامي بغداد ) ومع ذلك يتكلمون بالشرف والنزاهة والاخلاق وتحمل الفقر …؟!
وقد كشفت الايام معدنهم الرديء للناس ؛ فبعد سقوط صنمهم الاكبر عام 2003 , باعوا انفسهم للأنظمة العربية والاقليمية والتنظيمات الارهابية والفصائل المسلحة الاجرامية لقاء حفنة من الدولارات ؛ حتى ان نساء البعض منهم قد امتلأت بهن الملاهي الليلية والكوفيات والمقاهي والصالونات ودور الدعارة , بل وبعن انفسهن للأجانب والغرباء بحجة جهاد النكاح , والبعض منهن دخلن عالم الاعلام والشوسيال ميديا لابتزاز الاخرين واغرائهم عن طريق الجنس … الخ ؛ حتى انهم القوا السلاح وتنازلوا عن الارهاب بعد ان اغدقتم الحكومة عليهم بالأموال الطائلة … ؛ فأين شعاراتهم الكاذبة وادعاءاتهم السابقة عندما كانوا يحكمون العراق وينبهون ثرواته ؛ ولماذا لم يصبروا على الفقر , علما انهم ليسوا فقراء ؛ فقد سرقوا العراق لمدة 83 عام وتمتعوا بخيراته وثرواته وحصلوا فيه على كافة الامتيازات والحصانات , الا ان شعارهم : (( لو العب لو اخرب الملعب ؛ والشبيه بشعار اهل الموصل : لو ملازم لو ما لازم … ؛ و بعبارة اوضح يريدون الجمل بما حمل … !! )) .
وهنالك اعتقاد سائد بين الفقراء وضحايا الازمات والتقلبات في بعض دول العالم الثالث ؛ مفاده : ان القوانين كخيوط العنكبوت تقع فيها الحشرات الصغيرة وتعصف بها الطيور الكبيرة ؛ فالأغنياء المترفون والمسؤولون والساسة الفاسدون يجدون سُبلاً للتخلص من العقوبات وتجاوز القوانين، بينما تفرض على الفقراء العقوبات عن المخالفات التي يرتكبونها… ؛ فكثير من أبناء الطبقات الكادحة والفقيرة والمسحوقة يعتقدون بأن القوانين لم توضع إلاّ لتطبق على الضعفاء والفقراء فقط … ؛ مما يدفع البعض لارتكاب الجرائم وعدم احترام القوانين .
فضلا عن ان التحولات الرأسمالية القاسية والمتزامنة مع الانشطة الاقتصادية المحرمة والممنوعة والخالية من الانسانية , وسوء استخدام السلطات , وتفشي الطائفية والرشوة والمحسوبيات , وغياب الحماية الحكومية للمواطنين , وانعدام التأمين المعاشي والاستقرار الاقتصادي ؛ تنتج تفاقم ظاهرة الطبقية والثراء غير المشروع , وارتفاع معدلات الفقر والبطالة ؛ مما يؤدي لاستغلال الإنسان لأخيه الإنسان , وصراع المواطن مع اخيه المواطن , وشيوع مشاعر العداوة والحقد والحسد والصراع من جانب الفقراء، والغرور والعلو والغطرسة والانانية من جانب الأغنياء ؛ كذلك جلب الربح وفائض الإنتاج الذي يؤدي إلى المنافسة والخسارة والفائدة غير المعقولة، وينتج عن ذلك مختلف أصناف الفسق والكذب والسرقة والعبودية وامتهان الحرفة واسترقاق العمالة، وجميع هذه العوامل وغيرها تلقي بظلالها السلبية على مختلف المؤسسات الاجتماعية لاسيما الأسرة والمدرسة، لذلك يرى “بونجيه” “أن كثافة السكان والعيش في ظروف غير صحية وانخفاض المستوى المعيشي وإهمال عناية الأطفال الصحية والتعليمية وغير ذلك من الظروف جميعها تقود إلى التفكك الأسري والتفسخ الأخلاقي وبالتالي تقود إلى الجريمة .
وذهب بعض علماء الاقتصاد الى أن الجريمة هي رد فعل عقلاني على النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي لم يعطي فرصاً عادلة لأفراد المجتمع، وعليه يقرر أن نظام العدالة الجنائية في ذلك المجتمع يخدم الأغنياء ويحمي مصالحهم وأن التمييز الطبقي لرجال الشرطة والمحاكم ضد الفقراء مسؤول عن جرائم العنف … ؛ و خلاصة القول : أن النظام الرأسمالي مسؤول إلى درجة كبيرة عن الجرائم التي تحدث في المجتمع بوصفة نظام غير عادل يخلق الأنانية والذاتية ويساهم في زيادة البطالة في المجتمع وزيادة في أعداد المهمشين والتفكك الأسري ويخلق السلوك العدائي بين الناس، وبمثل هذا المجتمع تصبح الجريمة متوقعة .
بالإضافة الى ان الظروف النفسية التي تثيرها الظروف الاجتماعية المحيطة بالطبقات الفقيرة، ومثل هذه الظروف قد تعمل على زيادة الاختلال العاطفي والشعور بعدم الطمأنينة ما قد يشجع على ارتكاب الجريمة ؛ فالمجتمع الذي تتواجد فيه جيوش جرارة من الايتام والارامل والمرضى والمعاقين والعاطلين والذين لا يحظون برعاية واهتمام الحكومة والمواطنين والمجتمع ؛ بل وقد يحيط البائسين والمساكين والمشردين من ابناءه بمشاعر الرفض والنبذ والاحتقار والعار ؛ ستكون النتيجة الطبيعة لتلك المقدمات انتشار الموبقات والجرائم والجنايات والمظالم والنكبات في ذلك المجتمع … ؛ فالحروب والصراعات و الضيق النفسي والتفكك الأسري والضغوط السياسية والاجتماعية ، والصراع الثقافي أو الحضاري او الديني او السياسي بين ابناء المجتمع الواحد انفسهم , وما إلى ذلك من العوامل الاخرى التي يمكن أن تتظافر في إحداث الجريمة ؛ وبذلك فإن العامل الاقتصادي وحده لا يقود إلى الجريمة بالرغم من أهميته في ذلك ؛ حسب رأي البعض … ؛ فضلا عن التحول الكبير الذي طرأ على المجتمع العراقي خلال العقود الاخيرة , فقد استهدفت منظومة القيم الاخلاقية والمثل الوطنية العريقة , اذ اشتدت الهجمات الشرسة ضد اخلاق وقيم ومبادئ وعقائد ابناء الاغلبية والامة العراقية ؛ واقترف الكثير من الساسة ورجال الدين وشيوخ العشائر والشخصيات الاجتماعية والثقافية والاعلامية والنخب ؛ الموبقات وسقطوا في وحل الرشوة والفساد والمحسوبيات , ومارسوا الخروقات ولم يحترموا القانون والمال العام والمصلحة الوطنية العامة ؛ مما دفع الناس لارتكاب المخالفات , وشجع المواطن على فعل الموبقات , وزاد من جرأة الاشخاص على خرق القوانين وعدم احترام الملكيات العامة والخاصة ؛ وعليه كلنا مسؤولون امام الله والوطن والتاريخ والضمير عن ما يحدث في بلادنا العزيزة ؛ فلكنا راع وكلنا مسؤول عن رعيته ؛ فضلا عن انتشار البرامج الاعلامية التي تمجد بالأغنياء والاثرياء والمشهورين وبغض النظر عن مصادر اموالهم او نوعية انشطتهم ؛ بالإضافة الى شيوع ظاهرة الاعلام الاستهلاكي الذي يدعو المواطنين ولاسيما الشباب للانخراط في التسوق والاستهلاك , وتشجيعهم على حياة اللهو واللعب والبذخ والجنس والليالي الحمراء والمقترنة بصرف الاموال وتبديد الاوقات ؛ وغياب الرموز الوطنية الاخلاقية والنزيهة والشريفة والعصامية والناجحة او عدم تسليط الاضواء عليها والاحتفاء بها .
نعم قد وقع الفأس في الرأس , واصبح من الصعب علينا الان وبعد خراب البصرة ؛ ان ندعو الى غلق السجون وتحويل المعتقلات الى مصانع ومكتبات ومؤسسات , او الاعلان عن خلو المجتمع العراقي من الجرائم والعنف , فهذا ضرب من الخيال حسب معطيات الواقع الحالي , ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله ؛ وعليه ندعو وللمرة الالف الحكومات المنتخبة والنخب والشخصيات الوطنية والسياسية ومنظمات حقوق الانسان ورجال القانون وحماة الوطن ؛ من تغيير السيرة واصلاح المسيرة فيما يخص تعامل موظفي الحكومة مع المواطنين ولاسيما عناصر وزارة الدفاع والداخلية والاجهزة الامنية وبالتحديد موظفي السجون ومراكز الشرطة والمحاكم ؛ والتعامل مع السجناء والمعتقلين والموقوفين وذويهم بالحسنى وبما يحقق النفع للوطن والمواطن ويدفع عنه الشر على المدى الطويل ؛ فالعنف لا يولد الاستقرار والسعادة والابداع ؛ لأنه مقرون بالخراب والدمار والبؤس والثأر , وقد لوحظت العديد من الخروقات والانتهاكات في تلك الدوائر والمؤسسات الامنية والعدلية ومنها على سبيل المثال وليس الحصر :
- 1-التعامل الجاف والقاسي مع المراجعين والمواطنين فضلا عن السجناء والموقوفين والمعتقلين ؛ والميل لاستخدام العقوبات البدنية كالضرب المبرح , والالفاظ البذيئة , والتصرفات العنيفة ؛ ولا غرو في ذلك فالكثير من الموظفين والشرطة والسجانين لم يدخلوا دورات اخلاقية او ورشات لحقوق الانسان ؛ بل ان البعض منهم مرضى نفسيين .
- 2-محاولة استغلال المراجعين والسجناء وذوي المعتقلين والموقوفين , بشتى طرق الاستغلال المادية والجنسية البشعة , وتفشي الرشوة بشكل مثير للدهشة والامتعاض في تلك الدوائر , والناس تتحدث عن ذلك وفي مجالسهم الخاصة بل وفي وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي وبصورة دائمة ؛ وعلى الرغم من حملات مكافحة الفساد المتكررة الا ان الوضع كما هو ان لم يزدد سوءا ؛ ( فالسمجة خايسة من راسها ) كما يقول المثل العراقي الشعبي , ودونكم التقارير التي تؤكد بيع المناصب , وبالتالي سيتعامل المدير مع الموظفين , والمسؤول مع من هم دونه ؛ بمنطق الخسارة والربح والتجارة والمصلحة الشخصية والفئوية والحزبية , ولا شأن له بحقوق الانسان والانسانية , ومصالح العراق والوطنية , ولا يأبه بالدين والمذهب والشعب والاخلاق , ولا يمتعض من الفساد والرشوة والظلم والجور وظواهر العنف والقسوة وغرف التعذيب الرهيبة ؛ بل يتعامل معها وكأنها حقا يجب ان يتبع و وضعا طبيعيا لا ضير فيه …!!
- 3-كل السجون ومراكز الاعتقال المؤقت والدائم , تفتقر الى ابسط مقومات الحياة , فلا رعاية صحية جيدة , ولا طعام جيد , ولا تهوية ولا تبريد ولا تدفئة , ولا اصلاح ولا تأهيل , ولا أمن ولا أمان ؛ فهي مكتظة بالسجناء والموقوفين , ومليئة بحوادث الاجرام والعنف والضرب المبرح والقسوة , فهي اشبه بالغابة ويشارك في الامر السجين والسجان معا ؛ ولعل قصص بيع الشباب والصبيان الحلوين واستغلالهم جنسيا , واستغلال ذوي السجناء ؛ اضحت أشهر من نار على علم ؛ فضلا عن ادخال الممنوعات كالمخدرات وغيرها للسجناء والموقوفين ؛ حتى شاع القول : (( الذي يدخل السجن وهو متعاطي يخرج منه وهو مدمن , والذي يدخله وهو مدمن يخرج وهو تاجر مخدرات , والذي يدخله وهو تاجر يخرج منه وهو صاحب شبكة نفوذ كبيرة وخطيرة … !! ) .
- 4-في الوقت الذي تدخل فيه الممنوعات الى السجون بكل بساطة وانسيابية ؛ يتشدد حراس السجون بإدخال الاطعمة والمستلزمات الضرورية للسجون , ويضربون طوقا على السجناء وذويهم , ويفرضون حصارا قاسيا عليهم , مما يؤدي الى حرمان السجناء من احتياجاتهم ؛ والسبب معروف من وراء تلك الاجراءات التعسفية الظالمة ؛ الا وهو بيع المواد والاطعمة والمستلزمات على السجناء بأسعار خيالية تفوق مثيلاتها بأضعاف مضاعفة ؛ مما يؤدي الى تكبد العوائل العراقية خسائر مادية فادحة تزيد من معاناتهم وآلامهم .
- 5-ظروف مواجهة السجناء وزيارة الموقوفين والمعتقلين من قبل ذويهم ؛ صعبة للغاية وغير انسانية , فالبعض يشترط زيارة الاب ام الام او الاخت او الاخ او الزوجة او الابناء فقط ؛ فما ذنب السجين الاعزب واليتيم , ولماذا لا يعوض بزيارة خاله او عمه او ابن عمه او صديقه ؟! , ولماذا لا تخصص اماكن نظيفة ومريحة تليق بالعوائل العراقية التي تأتي لزيارة ابناءها ؟! , فكأنما المسؤول الحكومي لا يكتفي بتعذيب السجين حتى يلحق ذويه معه , اذ تشعر بأن تلك الاجراءات الهدف منها الحاق الضرر بالمواطن والعوائل العراقية فضلا عن السجناء انفسهم , ونقلا عن احدى الامهات ؛ قالت : انها ذهبت بمعية طفلها الصغير , وكان الطفل يلعب في الساحة المكشوفة في السجن الذي يقع في مقر قيادة الشرطة بالقرب من مستشفى العلوية في بغداد ؛ واذ بأحد عناصر الشرطة القساة يصرخ بالأطفال موبخا , وقائلا لهم ( العنوا ابوكم شعدنه مدينة العاب ؟! ) وأردفت قائلة ان سماته تشبه سمات زبانية صدام ( نفس الجهرة القاسية والسمات الطائفية والعنصرية الحاقدة ) , وكأن التاريخ يأبى ان يبرح مكانه ويتقدم نحو الامام .. .
- 6-عدم احترام المراجع والمواطن فضلا عن السجين , والتعامل مع السجين بقسوة مفرطة وبغض النظر عن نوع تهمته او شخصيته او ملابسات القضية , والبوح بأسرار السجناء , والتلاعب بمشاعر الناس والسجناء وذويهم بمختلف الطرق الملتوية والخدع الشيطانية والحيل الماكرة , والتي تستهدف تحطيم نفسية المواطن واستغلاله ماديا او جنسيا .
- 7-تامر عناصر الاجهزة الامنية مع المحامين ضد السجين وذويه من اجل استغلالهم ماديا لأبعد الحدود ؛ بحيث اصبح لكل جنحة وجريمة سعر خاص ؛ فالمشاجرة سعرها معروف وكذلك تجارة المخدرات , والتعاطي … الخ ؛ وعدم البت بالقضايا واطالة الامد وعدم الفصل بين الخصوم بسرعة , وذلك لإطالة عذابات المواطنين واستغلالهم .
- هذا غيض من فيض , وما خفي كان اعظم ؛ والشيء بالشيء يذكر , في احد الايام استقليت سيارة اجرة للوصول الى احد الاماكن , وكان سائق السيارة شابا عشرينيا لم يبلغ الثلاثين بعد , مكفهرا عبوسا ممتعضا , وقد بدت عليه ملامح التعب والقهر والعذاب … الخ ؛ فسألته عن حاله ؛ فرد علي بحسرة وتنهد وحرقة , قائلا : انا من أهل الكوت , والوحيد لعائلتي , وكنت صبيا لم ابلغ الخامسة عشر عندما وقعت جريمة قتل بالقرب من دارنا , وقد اتهمت بها ظلما وزورا , واثناء التحقيق معي وبسبب قسوة التعذيب اعترفت بجريمة قتل لم ارتكبها , وصدر بحقي حكم السجن المؤبد , وبدأت رحلة العذاب المقيم , اذ سجنت في سجون الاحداث ورأيت العجب العجاب , بدءا من الاستغلال الجنسي مرورا بالتعذيب والقهر وصولا الى بيع الصبي السجين , فعندما يبلغ السجين الحدث سن البلوغ القانوني يتم تحويله فورا الى السجون الاخرى , فأن كان جميلا يتم بيعه في اثناء عملية التحويل , ويشتريه احد حيتان السجون لممارسة الجنس معه , ويكمل قائلا : عندما بلغت السن القانوني ارسلوني الى سجن الحوت , وشهدت فيه العجائب , فكل من يدخله لأول مرة يتعرض للضرب المبرح والتعذيب وبغض النظر عن جريمته او تهمته او شخصيته او وضعه الصحي , وقد رأيت الكثير من السجناء الذين يتوفاهم الاجل بسبب تلك الظروف القاهرة , وكان كل شيء يباع لنا او تتم مساومتنا عليه , واذا اخطأ احد السجناء ؛ تعرض كافة السجناء للعقوبة وبلا استثناء , وكان يباع لنا البرغي الصغير ب 25 الف , وذلك لاستخدامه في المشاجرات فيما بيننا من خلال الطعن به , وكنا بين الفينة والاخرى نربط بواسطة الجامعات الحديدية بالأسلاك الحديدية ولساعات طويلة وتحت اشعة الشمس اللاهبة ؛ كعقوبة جماعية بسبب قيام احدهم بمخالفة ما … الخ , وبعد انقضاء 12 عام من عمري , تم القاء القبض على القاتل الحقيقي وتبرئتي من التهمة , وبعد ان باع ابي بيتنا وسيارتنا وكل ما يملك بسبب اجور المحامين والرشاوى المقدمة للشرطة والفصل العشائري ؛ جاءت عشيرة المقتول لتدفع لنا 50 مليون فقط بينما هي أخذت منا 125 مليون ؛ وها انا امامك اعمل سائق تكسي , والسيارة ليست لي , ثم اردف قائلا : ان كل السجناء حاقدون على الدولة والمجتمع والناس , فهم طاقة مكبوتة مليئة بمشاعر الغضب والاستياء والانتقام والثأر …!!
- نعم عندما أنشئت الدول الاستعمارية وقوى الاستكبار حكومات العالم الثالث وانظمة الدول الفاشلة ؛ وضعت في نشأتها كل عوامل الخراب والدمار , فهي انظمة وظيفتها تعطيل حياة الناس والعمل بالبيروقراطية وانتهاج الدكتاتورية والميكافيلية , ومحاربة حقوق الانسان وحقوق المواطنة والانسانية , فالشر يبدأ من الاجهزة الامنية ويعود اليها في تلك الدول ؛ ولعل الشرطة في بعض الدول هي الوجه الاخر للجريمة , وما لم يتم تطهير الاجهزة الامنية من الفاسدين والمخربين والجلادين ؛ لا يتغير الوضع نحو الاحسن قط ؛ ونبقى ندور في نفس الحلقة المفرغة , وهنالك مقولة تنسب للفيلسوف اليوناني الشهير فيثاغورس تؤكد ما ذهبنا اليه ؛ فقد رأى في احد الايام شرطيا يضرب لص ضربا مبرحا ؛ فقال فيثاغورس : ايه حرامي السر يضرب حرامي العلانية …!!
- والعجيب ان ضحايا المجتمع من الذين اقترفوا جنح وجرائم جنائية يعاملون بكل تلك القسوة ؛ واغلبهم من ابناء الاغلبية العراقية المسحوقة المحرومة المغبونة , بينما يسرح ويمرح السجناء الارهابيون والذباحون ويعاملون معاملة جيدة , والسبب ان هنالك قوى وجهات دولية واقليمية ومحلية طائفية تقف خلفهم وتساندهم ؛ واما العراقيين الاصلاء الضحايا لا ناصر لهم ولا معين سوى الله , والى متى تستمر هذه القسمة الضيزى والمعادلة الغاشمة ؟!