Dr Fadhil Sharif

فاضل حسن شريف

قوله تعالى “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ” (الانفال 24) روى العلاّمة الكشفي، المير محمد صالح الترمذي (الحنفي) قال: روى ابن مردويه في مناقبه عن الإمام محمد الباقر رضوان الله عليه أنّه قال: قوله تعالى: “اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ” (الانفال 24) نزلت في ولاية علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه. يعني: دعاكم لولاية علي بن أبي طالب، التي بها حياتكم الدينية، لأنّه من الالتزام بالإسلام. قوله جل جلاله “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ” (الانفال 27) روى الحاكم الحسكاني باسناده عن يونس بن بكّار عن أبيه عن أبي جعفر محمّد بن علي في قوله تعالى ذكره: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ” (الانفال 27) في آل محمّد “وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ” (الانفال 27).

جاء في كتاب أصول العقيدة للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: العقل منشأ المسؤولية دائم: ولا يجنون من عقلهم إلا تحمل المسؤولية واللوم والتقريع، ثم الندم عند الوصول للنهاية المرة حين لا ينفع الندم. وكلما كان الضرر أكبر وأفظع كان اللوم والتقريع والندم أشدّ وأعظم. ولو أنهم فقدوا العقل حقيقة لكان خيراً لهم، حيث لا مسؤولية، ولا لوم، ولا تقريع، ولا ندم. وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (استرشدوا العقل ترشدو، ولا تعصوه فتندموا). وفي حديث حمدان عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال: (صديق كل امرئ عقله، وعدوه جهله). وفي حديث عبد الله بن سنان قال: (سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهم السلام، فقلت: الملائكة أفضل أم بنو آدم؟ فقال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: إن الله ركب في الملائكة عقلاً بلا شهوة، وركب في البهائم شهوة بلا عقل، وركب في بني آدم كلتيهما. فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلب شهوته عقله فهو شرّ من البهائم). وتصديق ذلك في كتاب الله عزّ وجلّ حيث يقول: “إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الصُّمُّ البُكمُ الَّذِينَ لاَ يَعقِلُونَ” (الانفال 22). وحين يقول: “وَلَقَد ذَرَأنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِن الجِنِّ وَالإنسِ لَهُم قُلُوبٌ لاَ يَفقَهُونَ بِهَا وَلَهُم أعيُنٌ لاَ يُبصِرُونَ بِهَا وَلَهُم آذَانٌ لاَ يَسمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأنعَامِ بَل هُم أضَلُّ أُولَئِكَ هُم الغَافِلُونَ” (الاعراف 179). إلى غير ذلك.

قال الله عز وجل “وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَاب أَلِيم” (الانفال 32) روى السيد شهاب الدين أحمد عن سفيان بن عيينة (أنه سئل عن قول الله عزّوجل: “سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَاب وَاقِع” (المعارج 1) فيمن نزلت؟ فقال للسائل: سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك، حدثني جعفر بن محمّد عن آبائه رضي الله تعالى عنهم ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وبارك وسلّم لما كان بغدير خمّ، نادى الناس فاجتمعوا فأخذ بيد علي وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، فاتى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على ناقة له فنزل بالابطح عن ناقته واناخها فقال: يا محمّد امرتنا عن الله أن نشهد ان لا اله الاّ الله وانك رسول الله فقبلنا منك، وأمرتنا ان نصلي خمساً فقبلنا منك، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا، وأمرتنا ان نصوم شهراً فقبلنا وامرتنا بالحج فقبلنا، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمّك تفضله علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شيء منك أم من الله عزّوجل؟ فقال له النبي صلّى الله عليه وآله وبارك وسلّم: والذي لا اله الاّ هو، ان هذا من الله عزّوجل، فولّى الحارث بن النعمان، وهو يريد راحلته وهو يقول: اللّهم ان كان ما يقوله محمّد حقّاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو أتنا بعذاب اليم، فما وصل إلى راحلته حتى رماه الله عزّوجل بحجر فسقط على هامته، وخرج من دبره فقتله، وأنزل الله عزّوجل “سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَاب وَاقِع * لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ” (المعارج 1-2) رواه الزرندي وقال نقل الامام أبو اسحاق الثعلبي في تفسيره).

جاء في كتاب الإمام علي عليه السلام سيرة وتأريخ للسيد اسلام الموسوي: مضى نبيُّ الله صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله‌ وسلم في طريقه إلى بدر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وقيل بأقل من ذلك، منهم من المهاجرين واحد وثمانون، ومن الأنصار مائتان واثنان وثلاثون رجلاً، وكان معهم فرسان وسبعون بعيراً، فبعث عليَّاً عليه‌السلام وسعد بن أبي وقَّاص وبسبس بن عمرو يتجسَّسون له الأخبار، وقال (أرجو أن تجدوا الخبر عند القليب التي تلي هذا الضريب) فاندفعوا باتجاهه فوجدوا على القليب روايا قريش، فأسروا ثلاثة منهم، واستطاع الفرار رجل اسمه عجير فأخبر قريشاً، بخبر محمَّد صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم وأصحابه. وقبل أن يقع القتال أنزل الله على نبيِّه “وَإن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا” (الانفال 61) فوقف رسول الله صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم بين الطرفين يخاطب قريشاً بأُسلوب يلهب المشاعر (ارجعوا، فلأن يلي هذا الأمر منِّي غيركم أحبُّ إليَّ من أن تلوه أنتم). فأصاب كلامه مكاناً في نفس عتبة بن ربيعة، أحد قادتهم وأبطالهم، فقال لقريش: ما ردَّ هذا قومٌ قط وأفلحوا، يا معشر قريش أطيعوني اليوم واعصوني الدهر، إنَّ محمَّداً له آل وذمَّة وهو ابن عمِّكم فخلُّوه والعرب، فإن يك صادقاً فأنتم أعلى عيناً به، وإن يك كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمره. لكنَّ أبا جهل أبى الا القتال، ووصف موقف عتبة بالجبن والخوف، وظلَّ يلاحق عتبة حتَّى استفزَّه. ودفع رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم رايته إلى عليٍّ، وكان عمره يوم ذاك 25 سنة، وبرز عتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة بن ربيعة، ودعوا المسلمين إلى البراز، فبرز إليهم ثلاثة من فتيان الأنصار: وهم من بني عفراء: معاذ ومعوذ وعوف، فلمَّا وقفوا في مقابل عتبة وأخيه وولده، ترفَّعوا عن مقاتلتهم، وطلب عتبة من النبيِّ صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم أن يرسل له الأكفَّاء من قريش. فالتفت نبيُّ الله صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم إلى بني عمومته، وأحبَّ أن تكون الشوكة ببني عمِّه وقومه وقال (قم يا عبيدة بن الحارث، قم يا حمزة بن عبدالمطَّلب، قم يا عليَّ بن أبي طالب) فقاموا مسرعين، يهرولون بين الجيشين على أقدامهم، بقلوب ثابتة، عامرة بالإيمان، ووقفوا أمام القوم، فقال عتبة: تكلَّموا نعرفكم، وكان عليهم البيض، فقال حمزة: أنا حمزة بن عبدالمطَّلب: أسد الله، وأسد رسوله، فقال عتبة: كُفءٌ كريم، وأنا أسد الحلفاء، من هذا معك؟ قال: عليُّ بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث، قال: كُفآن كريمان. فبرز عبيدة بن الحارث وكان عمره سبعين سنة إلى عتبة بن ربيعة وقيل شيبة فضربه على رأسه وضرب عتبة عبيدة على ساقه فقطعها، وسقطا معاً، وحمل عليٌّ عليه‌ السلام على الوليد وكانا أصغر القوم سنَّاً فضربه عليُّ بن أبي طالب عليه ‌السلام على حبل عاتقه، فخرج السيف من أبطه، وحمل حمزة على شيبة فتضاربا بالسيف حتى انثلما، فاعتنق كلُّ واحد صاحبه، وكان حمزة أطول من شيبة، فصاح المسلمون: يا علي، أما ترى الكلب قد بهر عمَّك، فأقبل عليهما، فقال عليٌّ (طأطأ رأسك يا عم ) فأدخل حمزة رأسه في صدر شيبة، فضربه الإمام على عنقه فقطعها، ثُمَّ كرَّ عليٌّ عليه ‌السلام وحمزة على عتبة فأجهزا عليه، وحملا عبيدة فألقياه بين يدي ابن عمِّه الرسول، فاستعبر وقال (ألستُ شهيداً يا رسول الله؟) قال (نعم).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *