تدمير العراق.. من تشرشل إلى بلير

غاريكاي شينغو

بعد سبع سنوات من التحقيقات، ألقى تقرير تشيلكوت باللوم على توني بلير بسبب دوره في غزو العراق عام 2003. وهذا لا يدعو للدهشة، حيث إن قادة بريطانيا كانوا يدمرون العراق على مدى أكثر من قرن. وبريطانيا استخدمت قوتها العسكرية ومهارتها التجارية من أجل إخضاع العراق والسيطرة على موارده طوال فترة تزيد على مئة سنة.

ونستون تشرشل هو الذي أوجد العراق. فمع نهاية الحرب العالمية الأولى، فرضت بريطانيا وفرنسا سيطرتهما على الشرق الأوسط وتقاسمتا المنطقة على أنقاض الإمبراطورية العثمانية. ونظم تشرشل مؤتمر القاهرة عام 1912 بهدف رسم حدود الانتداب البريطاني في الشرق الأوسط. وبعد أن أعطى تشرشل الأردن إلى الأمير عبد الله، اقتطع شريحة كبيرة من الصحراء وأعطاها إلى الأمير فيصل، شقيق الأمير عبد الله، لكي تصبح العراق.

ويتذكر المؤرخ مايكل ر. بورك أن الخط المنعرج الطويل لحدود الأردن الشرقية مع السعودية قد أطلق عليه اسم «فواق تشرشل» أو «عطسة تشرشل»، لأن تشرشل رسم خط الحدود بشكل غير مدروس بعد أن أتخم نفسه بغداء عامر.
وسياسة تشرشل الإمبراطورية تسببت بقرن من عدم الاستقرار في العراق من خلال جمعها معاً ثلاث مجموعات عرقية متنازعة. تشرشل جمع معاً الولايات العثمانية الثلاث: البصرة ذات الأغلبية الشيعية، وبغداد السنية، والموصل ذات الأغلبية الكردية.
وبريطانيا أنشأت نظاماً استعمارياً في العراق. وبينما كانت بريطانيا تكثف قمعها في العراق، وحدت انتفاضة في مايو/أيار 1920 السنة والشيعة ضد بريطانيا. وكان تشرشل هو الوزير المسؤول عن العراق، فعمل على مدى عقد لقمع الثورة بوحشية، مما أسفر عن مقتل 9000 عراقي على الأقل.
وأمر تشرشل بحملة مزدوجة قام خلالها الجنود البريطانيون بحرق القرى، فيما كانت الغارات الجوية المكثفة والعشوائية تهدف إلى ترويع وترهيب السكان. وكان سلاح الجو البريطاني يقصف الأهداف العسكرية والمناطق المدنية على السواء. وطبقت بريطانيا سياسة قتل وإصابة النساء والأطفال من أجل إخضاع السكان.

وأمر تشرشل باستخدام أسلحة كيماوية ضد عراقيين أبرياء. وفي 1919، قال: «أنا لا أرى أي مشكلة في استخدام الغاز. أنا أؤيد بقوة استخدام الغاز السام ضد عشائر غير متحضرة… هذا ينشر الخوف والرهبة».

وبعد نحو 100 سنة من استخدام تشرشل التكنولوجيا الجوية لإرهاب العراق الجامح، بدأت حكومة توني بلير ترسل طائرات بلا طيار لزرع الموت وترهيب السكان في بغداد وولاية هلمند في أفغانستان.

وقد احتفظ سلاح الجو البريطاني بسيطرته على العراق خلال العقدين اللذين سبقا الحرب العالمية الثانية، وذلك حتى بعد استقلال العراق عام 1932.
وعلاقة بريطانيا مع العراق كانت دائماً تتمحور حول مسألة البترول. وتشرشل رأى في العراق بوابة مهمة إلى الهند، المستعمرة البريطانية، وفي البترول شريان حياة البحرية الإمبراطورية البريطانية. وأنشأت بريطانيا «شركة نفط العراق» ( آي بي سي ) كأداة لاستغلال بترول العراق. كما أن شركة «بريتيش بتروليوم» ( بي بي ) شاركت بقوة في نهب بترول العراق.
واستمرت السيطرة البريطانية إلى أن ثارت الجماهير العراقية ضد النفوذ البريطاني عام 1958. وفي مرحلة تالية، في عام 1963، استولى حزب البعث العراقي على السلطة، وشكل ذلك بداية صعود صدام حسين، الذي بقي لسنوات على علاقة جيدة مع كل من بريطانيا والولايات المتحدة.
وفي 2003، كشفت صحيفة «الغارديان» البريطانية أن بريطانيا ساعدت العراق لبناء مصنع كيماويات في 1985، وأن هذا المصنع الذي أطلق عليه اسم «الفالوجة 2» استخدم على الأرجح لإنتاج أسلحة كيماوية عراقية.
وعلاقة بريطانيا مع صدام حسين أخذت تسوء منذ أن أمم الزعيم العراقي شركة نفط العراق عام 1972. ونتيجة للتأميم، أخذت عوائد بترول العراق تذهب مباشرة إلى الخزينة العراقية. ومع فورة أسعار البترول في 1973، أصبح العراق يحصل على مداخيل هائلة، حيث ارتفعت عوائد بتروله من 500 مليون دولار في 1972 إلى أكثر من 26 مليار دولار في 1980.
وخلال التسعينات، دعمت بريطانيا فرض عقوبات اقتصادية خانقة على العراق. وقدرت الأمم المتحدة أن 1،7 مليون عراقي ماتوا نتيجة لهذه العقوبات، كان بينهم 500 ألف طفل.
وحسب بريطانيا والولايات المتحدة، كان العراق تهديداً نووياً، ودولة إرهابية لها صلات بتنظيم «القاعدة». ولكن كل ذلك كان هراء. ومنذ الغزو الأمريكي – البريطاني للعراق في 2003، قتل مئات آلاف العراقيين وشرد أكثر من مليون آخرين. وادعى الأمريكيون والبريطانيون أن العراق يشكل تهديداً نووياً… العراق دولة إرهابية…. العراق على صلة ب «القاعدة»…. وكل ذلك كان هراء.
وقد اعترف توني بلير في مقابلة أجرتها معه حديثاً شبكة «سي إن إن» بأن غزو العراق لعب دوراً في ظهور تنظيم «داعش» الإرهابي، واعتذر عن «بعض الأخطاء في التخطيط للحرب» ضد العراق في 2003.

لقد اعتاد التاريخ أن يكرر نفسه في بعض الأحيان، ولو بشكل مختلف. والتاريخ يمكن أن يسجل أن العراق هو أكبر فشل للسياسة الخارجية البريطانية.
باحث في جامعة هارفارد – موقع «كاونتر بانش»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *