د. رفاه معين دياب
د. رفاه معين دياب
(أكاديمية وباحثة من لبنان وأستاذة في جامعة فينيسيا)
امتاز المفكر والباحث والكاتب والإعلامي والسياسي الدكتور علي المؤمن بحسن إدارة مشروعه البحثي والفكري، وبثقافته العالية؛ إذ اختار التخصص بالفكر السياسي الإسلامي المعاصر، كما امتاز بسعة الاطلاع في مؤلفاته، إضافة إلى ولعه بالقصة والشعر والرسم والخط.
ولد السيد الدكتور المؤمن في مدينة النجف الأشرف في 30 نيسان 1964، في كنف أسرة دينية علمية عريقة، هي أسرة السادة (آل الغريفي)، وتحديداً فرعها النجفي العراقي المعروف بـ (آل المؤمن)، نشأ وترعرع في مدينته النجف في عمق الأجواء الدينية والجهادية والعلمية التي عاشتها أسرته خلال (400) عام من سيرتها.
التكوين الثقافي والحركي:
انتمى منذ العام 1978 إلى التيار الإسلامي النهضوي الذي تعبِّر عنه مدرسة السيد محمد باقر الصدر ومدرسة الإمام الخميني، وتعلّم فيه، ثم انتمى في العام اللاحق إلى الحركة الإسلامية العراقية (حزب الدعوة الإسلامية) بعمر مبكر، وهو في الخامسة عشر من عمره، وبقي على تواصل معها، برغم خروجه من التنظيم في العام 1999؛ فكتب عن قضاياها وهمومها، إلى جانب العمل المعارض للنظام البعثي عبر وسائل مختلفة.
وفي المهجر؛ ابتداءً من الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد العام 1980؛ تفرغ للعمل المعارض للنظام البائد في إطار الحركة الإسلامية؛ فكان ناشطاً صحفياً وإعلامياً وجهادياً وتنظيمياً، ثم تفرّغ للعمل الثقافي والبحثي بعد العام 1991. وهي الفترة التي أخذ يتنقل فيها بين أكثر من بلد، كان بينها لبنان، الذي أقام فيه.
في مجال الدراسة، حصل على درجات علمية مرموقة، تجمع بين الأطر الدينية والعلمية؛ فقد درس في الحوزة العلمية في قم، وأكمل مرحلة السطوح في الفقه والأصول، كما تابع دراسته ليحصل على درجة الماجستير من الجامعة العالمية الإسلامية في لندن عام 2003، ثم الدكتوراه في القانون الدستوري الإسلامي من الجامعة نفسها في العام 2017، وكان عنوان أطروحته «التقنين الدستوري الوضعي للفقه السياسي الإسلامي»، وهي أطروحة معمّقة نالت استحسان الأكاديميين والمتخصصين، وعقد لمناقشتها عدد من الندوات العلمية.
ظهرت موهبة الكتابة لدى الدكتور المؤمن منذ نعومة أظافره، وكأنّها فطرة نقية مع نزعة قوية نحو التعبير. بدأ شغفه بالكتابة يتجلّى في بيت مثقف يملك مكتبة مليئة بالكتب والمجلات، حيث كان يقضي الساعات بين صفحاتها مستمتعاً بعبق المعرفة. وكانت أولى محاولاته في الكتابة عبارة عن نشرة ورقية يومية باسم (العائلة)، وهي كانت تعنى بأخبار عائلته وبيته كتبها بخط يده، وأصدر منها (10) أعداد، وكان حينها في الصف الثالث المتوسط.
لم يتوقف شغف الكتابة عند هذا الحد، بل امتدّ إلى المرحلة الثانوية، حيث كتب بحثاً عن الشاعر الكبير أحمد شوقي في مادة اللغة العربية في الثانوية، كما كتب بحثاً في مادة الكيمياء عن الأحجار الكريمة، وفاز كلاهما أفضل بحثين في مادتي الأدب العربي والكيمياء في الثانوية، مظهراً بذلك براعة في مختلف المجالات الأدبية والعلمية.
ومنذ العام 1981، بدأ علي المؤمن مشواره المهني الاحترافي في العمل الصحفي النضالي مع الحركة الإسلامية في العراق، حيث عمل محرراً ومراسلاً في (جريدة الجهاد). ولاحقاً، برع في موقع رئاسة تحرير عدد من المجلات الفكرية والثقافية في إيران ولبنان، من أبرزها: «مجلة التوحيد» (1991- 1996)، «مجلة الكوثر» (1993- 1994)، سلسلة «كتاب التوحيد» (1993- 1997)، مجلة «اتجاهات مستقبلية» (1999- 2000)، مجلة «المستقبلية» (2000ـ 2004)، مجلة «شؤون مشرقية» (2007ـ 2008)، سلسلة «كتاب مشرقيات» (2008)، ومجلة «الصورة والصدى» (2012ـ 2013).
كما تولى المؤمن مهام إدارة في عدد من المؤسسات الثقافية والفكرية منها: «مؤسسة التوحيد للنشر الثقافي» (1994ـ 1996)، «المركز الإسلامي للدراسات المستقبلية» (1999ـ 2004)، «المجموعة الدولية للدراسات والإعلام» (2009ـ2011) التي تضم: «مركز القناة للتنمية الإعلامية» (2007ـ 2011)، «وكالة أنباء شرق برس» (2007ـ 2011)، «وكالة أنباء التضامن» (2010ـ 2011)، «معهد التدريب الإعلامي والإداري» (2008ـ 2010)، و«مركز دراسات المشرق العربي» (2007- حتى الآن). وبعد توقفه المؤقت عن العمل في العام 2014، عاد المؤمن ليستأنف إسهاماته الأكاديمية والفكرية في «مركز دراسات المشرق العربي» في لبنان، مما عزز من بصمته في مجالات التأليف والنشر.
الآثار المطبوعة:
يعد الدكتور علي المؤمن أحد الباحثين البارزين في مجال التجديد الفكري الإسلامي والفكر السياسي الإسلامي والقانون الدستوري والسياسي، إضافة إلى كونه مؤسس حقل علم الاجتماع الديني الشيعي، وهو ما جعله مادة للدراسة والنقاش في عشرات الندوات الفكرية والحلقات البحثية والدراسات والمقالات، في أكثر بلد، وقد تم إصدار أكثر من كتاب لتناول نظريته ومنهجيته وأفكاره في مجال الاجتماع الديني الشيعي، وهو ما يشير بوضوح إلى مكانته الفكرية المرموقة في البلدان العربية والإسلامية.
ألّف الدكتور علي المؤمن (34) كتاباً حتى العام 2024، بالإضافة إلى مشاركته في تأليف وإعداد كثير من الكتب، وكذلك كتابة ما يقارب (500) دراسة ومقال، نشرت في مختلف الدوريات العربية وغير العربية. وقد تُرجم بعض أعماله إلى لغات أجنبية. ومن أهم مؤلفاته المطبوعة:
1- «سنوات الجمر: مسيرة الحركة الإسلامية في العراق»، 1993.
2- «المسألة الطائفية في الإسلام»، 1994.
3- «النظام العالمي الجديد: التشكّل والمستقبل»، 1994.
4- «نظام الإدارة الحكومية في الإسلام» (ترجمة)، 1996.
5- «ثقافة عاشوراء وسنن التاريخ»، 1999.
6- «الإسلام والتجديد: رؤى في الفكر الإسلامي المعاصر»، 2000.
7- «الغزو الطائفي في مواجهة المشروع الحضاري الإسلامي»، 2002.
8- «الفقه والسياسة: تطور الفقه السياسي الإسلامي»، 2003.
9- «النظام السياسي الإسلامي الحديث وخيارات الثيوقراطية والديمقراطية والشورى» (رسالة ماجستير)، 2003.
10- «من المذهبية الى الطائفية»، 2006.
11- «آيديولوجيا العدوان في الفكر الصهيوني»، 2007.
12- «صدمة التاريخ: العراق من حكم السلطة الى حكم المعارضة»، 2010.
13- «عروس الفرات» (رواية)، 2016.
14- «جدليات الدعوة: حزب الدعوة الإسلامية وجدليات الاجتماع الديني والسياسي»، 2016.
15- «أسلمة المستقبل: محاولة علمية للامساك بالمستقبل الإسلامي»، 2017.
16- «المستقبلية الإسلامية: نحو منهجية علمية لبناء غد أفضل»، 2017.
17- «من المعاصرة الى المستقبلية: الفكر الإسلامي واستدعاءات المستقبل»، 2017.
18- «تجديد الشريعة: قابلية معارف الشريعة الإسلامية على التحول»، 2017.
19- «القرن العشرون: مائة عام من العنف»، 2017.
20- «التقنين الدستوري الوضعي للفقه السياسي الإسلامي» (أطروحة دكتوراه)، 2018.
21- «الاجتماع الديني الشيعي: ثوابت التأسيس ومتغيرات الواقع»، 2021.
22- «مقاربات في الفكر والثقافة والأدب»، 2022.
23- «مدخل الى القانون الدستوري الإسلامي»، 2023.
24- «القانون الدستوري والنظام السياسي في إيران»، 2023.
25- «الفكر الإسلامي المستقبلي: مقاربات في المنهجية»، 2023.
26- «المنظومة الطائفية: من الآيديولوجيات التأسيسية للمسلمين الى الغزو الطائفي الحديث»، 2024.
الحضور الفكري والثقافي الدولي:
في مسيرة مهنية حافلة بالإنجازات والتفاني، برز الدكتور علي المؤمن كواحد من أهم الأصوات الفاعلة في الواقع الإسلامي. وقد عمل في المؤسسات البحثية والأكاديمية والإعلامية والثقافية والسياسية، وجاب بلداناً متعددة، مشاركاً في المؤتمرات الدولية ومتابعًا للتطورات العالمية. امتاز بشغفه الكبير بالقراءة والكتابة، مما صقل مهاراته الفكرية وأثراها. ومنذ العام 1982، والدكتور علي المؤمن يلقي المحاضرات السياسية والفكرية والثقافية والجماهيرية، ولا يزال يمارسها بكثافة في العديد من دول العالم. وخاض العديد من المناظرات السياسية والثقافية على شاشات التلفاز في سوريا ولبنان وإيران والعراق وبلدان أخرى، منذ العام 1995. كما كرّس الدكتور علي المؤمن وقته للتحليل والتنظير في المجالات الفكرية والسياسية والتنظيمية، مجسّداً بذلك رؤيته العميقة وفهمه الواسع للتحديات المعاصرة.
وقد كوّن علاقات عامة وخاصة مع مختلف الجماعات والتيارات، وبادر إلى تشكيل المجموعات الثقافية والإعلامية والفكرية. وقد مارس ذلك في أكثر من بلد منذ العام 1983، وله علاقات سياسية وثقافية مع كثير من البلدان العربية والإسلامية، لا سيما لبنان وسوريا وإيران وتركيا والسودان ومصر، بالإضافة إلى علاقات في السعودية والكويت والجزائر وليبيا وماليزيا وتونس وإندونيسيا وروسيا.
وبدأ ممارسة مكثفة في مجال الإدارة العامة والإدارة الإعلامية، والإدارة السياسية، منذ العام 1985، وله مسار طويل في هذا المضمار من خلال إدارته أو تأسيسه لعدد من المؤسسات العامة والخاصة.
وشارك السيد المؤمن في أكثر من (150) مؤتمراً وندوة ونشاطاً ثقافياً وفكرياً في البلدان العربية والإسلاميّة، مما يجعله واحداً من أبرز الشخصيات الثقافية والفكرية في المنطقة.
وقد تنوعت مشاركاته بين لبنان، سوريا، الأردن، الكويت، الإمارات، السعودية، السودان، إيران، العراق، تركيا، ليبيا، الجزائر، مصر، ماليزيا، إندونيسيا، تايلند وروسيا. قدّم في هذه الفعاليات العديد من المحاضرات والخطب التي تناولت مختلف القضايا الدينية، السياسية، الفكرية، والثقافية، مما أثرى تلك المناسبات بحضوره المميز وأفكاره التي لاقت استحسان المشاركين والمتابعين من الأكاديميين والمفكرين العلماء.
مصادر سيرة الدكتور علي المؤمن:
منذ العام 1991 وحتى العام 2024، كتب في سيرة الدكتور علي المؤمن أكثر من ثلاثة ضروب، وتحديدًا في الغزارة والعمق والموسوعية، وقد حظي بإنتاج غزير من الكتب والدراسات والمقالات والاشهادات الشخصية والفكرية؛ إذ توالت الإصدارات والكتابات، حتى تجاوزت عدد أوراقه الفكرية والكتابية المئات. ونكتفي هنا بذكر أهم الكتب التي راجعها المتخصصون وعدّوها مرجعًا علميًا في مجال دراسات سيرة السيد المؤمن وفكره وآرائه:
1- علي الغريفي، «آل الغريفي: أعلام ورجالات»، مؤسسة العلامة حسين الغريفي، 1999.
2- عبد الرضا فرهود، «النجف الأشرف: أدباؤها.. كتابها.. مؤرخوها»، دار الهدى، النجف الأشرف، 2007.
3- رشيد سعيد القسام، «الشموس الذهبية للعشائر والأسر النجفية»، ج 1، النجف الأشرف، 2009.
4- محمد زكي إبراهيم، «شخصيات ومواقف»، دار الكتاب العربي، بغداد، 2009.
5- رضا النسابة الغريفي، «ذرية إبراهيم المجاب»، بغداد، 2014.
6- رشيد سعيد القسام، «موسوعة أعلام وعلماء النجف الأشرف»، مطبعة النبراس، النجف الأشرف، 2014.
7- د. صباح نوري المرزوك، «التحف من تراجم أعلام وعلماء الكوفة والنجف»، ج 3، مؤسسة مسجد السهلة، النجف الأشرف، 2016.
8- صباح غميس الحمداني، «الأصدقاء من العلماء والأدباء»، دار الفرات، الحلة، 2018.
9- عطية منشد الرميض، «الأيادي البيضاء»، دار الفرات، الحلة، 2019.
10- حميد الحريزي، «صفحات من تاريخ الفن الروائي»، ج 2، دار القهوة، الأهواز، 2020.
11- وائل محيسن النائلي، «المظاهر السردية في رواية عروس الفرات» (رسالة ماجستير)، جامعة الأديان، 2022.
12- د. ميثم حاتم (إعداد)، ومشاركة (12) أكاديمياً وباحثاً «رواية القمع: عروس الفرات للدكتور علي المؤمن أنموذجاً»، دار روافد، بيروت، 2023.
13- د. أمل الأسدي (إعداد)، ومشاركة (19) أكاديمياً وباحثاً، «علي المؤمن ومشروعه الفكري في الاجتماع الديني الشيعي»، دار روافد، بيروت، 2023.
14- د. علي الفكيكي (إعداد)، ومشاركة (50) عالم دين وأكاديمي وباحث وكاتب، «علي المؤمن وجهوده البحثية في إعادة كتابة تاريخ العراق السياسي المعاصر»، دار روافد، بيروت، 2024.
15- د. رفاه معين دياب (إعداد)، ومشاركة (43) من علماء الدين والأكاديميين والباحثين، «علي المؤمن: قراءات في آثاره ومشروعه الفكري»، دار روافد، بيروت، 2024.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) المقال مستل من كتاب «علی المؤمن: قراءات في آثاره ومشروعه الفكري» إعداد الباحثة والأكاديمية اللبنانية الدكتورة رفاه معين دياب، ومشاركة أكثر من (40) مفكراً وباحثاً.