Dr Fadhil Sharif

فاضل حسن شريف

جاء في موقع العراق اليوم بتأريخ 2022/10/11: من يقلب أوراق زمن الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم على قصره، أعني ذلك الزمن الذي تولى فيه مقاليد الحكم بعد ثورة 14 تموز 1958 المجيدة، سيجده زمناً حافلاً بالأحداث والمواقف والمآثر الوطنية التي سجلها هذا الرجل العراقي حد النخاع، والوطني حد اللعنة، والملتزم الصارم بكل ما تعنيه هذه الكلمات من معان. سيجد الروح الانسانية السمحاء، والسمو الأخلاقي والترفع عن الصغائر، وعفة النفس، ونظافة اليد، ونقاء الضمير، وسيجده رجلاً لم يحقد قط، فحتى تلك الشرذمة الآثمة، من امثال البلطچي صدام حسين التكريتي ومن لف لفه من سقط المتاع، التي حاولت قتل الزعيم، شملها بعفوه وسماحته، وخط بقلمه الوضاء كلمات “عفا الله عما سلف”، ولكن شتان بين هذا الموقف الخالد، وموقف البعثيين الانجاس الذين ينطبق عليهم قول الشاعر العربي: ملكنا فكان العفو منا سجيةً * وملكتم فسال بالدمِ ابطحُ   وحسبنا هذا التفاوت بيننا * فكل اناء بالذي فيه ينضحُ. وبالعودة الى قصة الزعيم والسياب، نعني ذلك الشاعر الذي عاش البؤس بكل معانيه، والذي استغل البعثيون والقوميون مزاجه الصاخب المتقلب، وحرضوه ليكتب ما كتب ضد الحزب الشيوعي العراقي، الذي ساهم في بزوغ نجمه، وناصب الزعيم العداوة ايضاً، بلا سبب، ظناً منه أن الزعيم شيوعي او قريب من الشيوعيين، وراح يشتم الزعيم ويهجوه وو..الخ من المواقف السلبية. وحين مرض السياب واحتاج السفر الى خارج البلاد الى لندن أو الكويت، قُدمت أوراقه للزعيم عبد الكريم قاسم، ليوقعها بصفته رئيساً للدولة، وبدلاً من أن يستغل الزعيم هذا الموقف ليصفي حسابه معه، وافق على الفور، مع كتابة عبارة ساخرة برمزية عالية، أو”حسجة” كما يقال، فقد كتب ” قولوا لبدر  خلي يصبغ حذائه زين”، والمقصود هنا أن السياب كان حين يقوم بصبغ حذائه، يقول لصباغ الاحذية: اصبغ الزعيم. فتصوروا أي أخلاق وسمو يحمله هذا الشهيد العراقي الخالد، وأي أخلاق يحملها خصومه؟.

عفا الله عما سلف بحروفها وكلماتها وردت مرة واحدة في القرآن “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ” (المائدة 95) وملخصها ان من قتل الصيد قبل تحريمه فيعفو الله عما سلف. وهذه الحالة كانت تحدث في زمن الجاهلية وفي حينها لم ينزل شئ عن قتل الصيد خلال الإحرام. اما بعد نزول الاية المباركة فعليه أن يذبح مثل ذلك الصيد من بهيمة الأنعام وهي الإبل أو البقر أو الغنم، بعد أن يقدر ثمنها بحضور اثنان عدلان، وأن يهديه لفقراء الحرم، أو أن يشتري بقيمة مثله طعامًا يهديه لفقراء الحرم لكل مسكين او يصوم و يحدد ذلك الشرع، جزاءا لفعلته، واي شئ حصل من هذا الفعل قبل التحريم فإن الله تعالى قد عفا عنهم، ومن علم بنزول الحكم المحرم فان الله سينتقم منه والله عزيز ذو انتقام.  وبعد وضوح ذلك فليس على المؤمن ان يفسر”عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ” (المائدة 95) كما يحلو له بان يعفو عن المسلم بعد نزول هذه الاية عن حرمة الصيد او يطبقها على غير حرمة الصيد. 

تكملة للحلقة السابقة جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۚ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ۗ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ۚ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ” (المائدة 95) ثمّ يضيف أنّه ليس ضروريا أنّ تكون الكفارة بصورة أضحية، بل يمكن الاستعاضة عنها بواحد من اثنين آخرين: “أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ” و “أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً”. مع أنّ الآية لا تذكر عدد المساكين الذين يجب إطعامهم، ولا عدد الأيّام التي يجب أنّ تصام، فإن اقتران الاثنين معا من جهة، والتصريح بلزوم الموازنة في الصيام، يدل على أنّ المقصود ليس إطلاق عدد المساكين الذين يجب إطعامهم بحسب رغبتنا، بل المقصود تحديد ذلك بمقدار قيمة الأضحية. أمّا كيف يتمّ التوازن بين الصيام وإطعام المسكين، فيستفاد من بعض الرّوايات أنّ مقابل كلّ (مدّ) من الطعام (ما يعادل نحو 750 غراما من الحنطة وأمثالها) يصوم يوما واحدا، ويستفاد من روايات أخرى أنّه يصوم يوما واحدا في مقابل كلّ (مدّين) من الطعام، وهذا يعود في الواقع إلى أن الذي لا يستطيع صوم رمضان يكفّر عن كل يوم منه بمدّ واحد أو بمدّين اثنين من الطعام للمحتاجين (لمزيد من الاطلاع بهذا الخصوص انظر الكتب الفقهية). أمّا إذا ارتكب محرم صيدا فهل له أن يختار أيّا من هذه الكفارات الثلاث، أو أنّ عليه أن يختار بالترتيب واحدة منها، أي الذبيحة أوّلا، فإن لم يستطع فإطعام المسكين، فإنّ لم يستطع فالصيام، فالفقهاء مختلفون في هذا، ولكن ظاهر الآية يدل على حرية الاختيار.

عن قناة العالم: مسوح السعودية لن تزيدها إلا قبحاً رغد صدام سليلة الإجرام.. عفا عبد الكريم قاسم عن أبيها فجزاه بالقتل بتأريخ 15 فبراير 2021: في يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر من عام 1959 وفي تمام الساعة السادسة مساء ، تعرض رئيس الوزراء العراقي عبد الكريم قاسم إلى محاولة اغتيال في شارع الرشيد وسط بغداد، نقل على إثرها إلى المستشفى وقد جُرح أحد مرافقيه، بينما قُتل سائقه، وعندما تم تشكيل محكمة لمحاكمة عصابة القتلة، أطلق الزعيم قاسم جملته الشهيرة “عفا الله عما سلف”، وعفا بذلك عن العصابة وكان بينهم صدام حسين، والتي شكلت فيما بعد حزب البعث، الذي شارك في الاخير بقتل الزعيم قاسم في 9 شباط / فبراير من عام 1963 بطريقة وحشية وهو صائم. اغلب من أرخ لتاريخ العراق الحديث، لاسيما في فترة الانتقال من النظام الملكي الى الجمهوري، توقفوا كثيرا أمام عبارة “عفا الله عما سلف” للزعيم قاسم، حيث رأوا في تلك العبارة “خطأ” جسيما ارتكبه الزعيم قاسم بحقه وبحق العراق، فهذه العبارة هي التي أسقطته وادخلت العراق في حقبة ظلماء لم يخرج منها حتى الان، فالجهة التي عفا عنها الزعيم قاسم، هي مجموعة من الذئاب البشرية ومن أخطر العصابات الدموية والسادية التي مرت في تاريخ العراق وهي عصابة البعث. ما حذر منه من أرخ لتاريخ العراق، القدماء منهم والمعاصرون، وقع بالفعل، فصدام الذي اصاب الزعيم قاسم اصابات بالغة وقتل سائقه وجرح مرافقه، وعفا عنه الزعيم قاسم، إرتكب في عام 1982 مجزرة مروعة في منطقة الدجيل بذريعة تعرضه لمحاولة اغتيال، رغم انه لم يصب بإي اذى، إلا أنه أعدم نصف شباب الدجيل وجرف بساتينها وهدم بيوتها. هذا الخطأ القاتل الذي وقع به الزعيم العراقي عبدالكريم قاسم، وقع فيه النظام العراقي الجديد، بعد سقوط صنم بغداد عام 2003، فقد اكتفى النظام الجديد بمحاكمة رؤوس العصابة البعثية، صدام واشقائه ودائرته الضيقة جدا، وترك المئات من اشرس اعضاء هذه العصابة دون اي مساءلة إزاء الجرائم التي ارتكبها البعث الصدامي في العراق والتي لا تقل عن جرائم النازية في ألمانيا والفاشية في ايطاليا والصهيونية في فلسطين المحتلة، الى الحد الذي بات النظام الجديد يدفع رواتب تقاعد لأكثر من نصف مليون عضو في اجهزة صدام القمعية من استخبارات وحرس وطني وحرس خاص وفدائي صدام ومرافقيه، الذين كانوا اليد التي بطش بها صدام بالعراق، والذي حوله الى مقبرة جماعية، دُفن فيها مئات الآلاف احياء في صحارى وبراري العراق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *