
سلمان رشيد الهلالي
لسنا شروكية او معدان يا اخوان …
انتشرت في السنوات الاخيرة اراء واقوال عند بعض الكتاب والمثقفين من اهل الجنوب خاصة – والشيعة عامة – تذكر فيه بان على العراقيين ان لايخجلوا او يستنكفوا من القول عليهم بانهم (معدان او شروكية) , وانما عليهم ان يفتخروا بذلك , ردا على الاستهدافات والاتهامات والتشويهات التي تقوم بها الاوساط الاعلامية الطائفية البغيضة من احفاد الانكشارية في العراق . (الانكشارية هم اللقطاء الذين تربيهم الدولة العثمانية كجنود) وانا ارى ان هذا خطا كبير , فنحن لسنا معدان او شروكية .!!
فكلنا يعلم ان الجماعة الشيعية في العراق تعرضت الى اكبر عملية تشويه واتهام وتشهير بوطنيتهم واصولهم وعروبتهم واعراضهم في تاريخ العالم القديم والحديث والمعاصر من السلطات الطائفية والقومية والبعثية والقوي الدينية والاعلامية المتحالفة معها , واذا استعرضنا تلك المفردات والعبارات والاتهامات والطعون لاحتجنا الى قاموس شامل ومجلدات كبيرة منها (الشروكية , المعدان , الفرس , الهنود , الزط , اولاد المتعة , , الذيول , الخونة , العملاء , الشعوبيين , العجم والصفويين) واما صدام حسين في مقالاته الستة الشهيرة بجريدة الثورة عام 1991 بعنوان (ماذا حصل في اواخر عام 1990 وهذه الاشهر من عام 1991 ولماذا حصل الذي حصل) فقد تجاوز تلك المفردات باضافة سمة الطعن باعراض اهل الجنوب ووصفهم بالاباحية والانحلال وان نسائهم لاترتدي ملابس داخلية وغيرها , وهي عبارات لاتخرج الا من الافراد المنحطين وعديمي الشرف الذين يتهمون قطاعا واسعا من المجتمع باعراضهم وشرفهم لاغراض سياسية وطائفية حاقدة , واما سعد البزاز المصلاوي مسؤول قناة الشرقية (كواد عدي حسب وصف اهل بغداد) فلم يكتفي بتلك المفردات , فقد اضاف اخرى مثل العتاكة واهل الزوري وغيرها .
نتج عن ذلك الاستهداف الطويل الذي استمر قرون طويلة , وتصاعد بقوة خلال الاربعين عاما من الحكم القومي الناصري والبعثي بعد انقلاب عام 1963 وحتى السقوط عام 2003 نتائج سلبية خطيرة على الشخصية الشيعية واهل الجنوب بخاصة من قبيل الشعور بالنقص والدونية والاستلاب امام الاخر , مازالت اثاره واضحة وظاهرة بقوة عند جيلنا الذي عاصر تلك الحقبة , وخاصة عند النخبة المثقفة التي تعرف بالانتلجنسيا … وللاسف نقلوها للجيل الجديد الذي لم يعاصر تلك الحقبة البعثية من اولادهم واحفادهم وبمساعدة الاعلام الخليجي والفيس بوك واليوتوب وغيرها ..
وبدل ان يقوم الكتاب والمثقفين الشيعة من الرد على تلك الاتهامات والتشويهات والطعون باقسى منها – او مثلها على الاقل – خرج لنا قسم منهم لانشك بحرصهم ووعيهم وشجاعتهم بالرد على ذلك من خلال تبييض وتجميل قسم من تلك الاتهامات والمفردات , واعادة تاويلها وقراءتها بالقول ان الشروكية لاتحوي نمطا سلبيا , وانما العكس فهى تعطي دلالة تاريخية ايجابية , وانها وفدت من بقايا التراث الحضاري العراقي القديم من شيروكين (نشيد الارض) حسب وصف الكاتب علي السعدي , وغيرها من الانماط العليا – تعبير يونغ – التي انسابت من التاريخ القديم الى الحديث . فيما يرجعها البعض الى تاريخ لايتجاوز القرنين من الزمن , وانها بدات كدلالة مناطقية لوصف اهل الجنوب والاهوار خاصة , ثم تحولت الى صفة طبقية بعد هجرة أهل الجنوب لبغداد في الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي , وتطورت بعد انقلاب 1963 الى دلالة طائفية لتشمل كل الشيعة . ولانريد الدخول بموضوع الشروكية واصولها وتاريخها وتطورها , لاني فصلت ذلك في دراستي (المجتمع العراقي بين الشروكية والانكشارية) في موقع الحوار المتمدن , وهى باربع اقسام مطولة , ومن يريد الحصول عليها يمكن كتابة هذا العنوان بالغوغل ..
ما يهمنا بهذا الموضوع ونعترف به ان الشروكية اصبحت شتيمة ومنقصة ومفردة تحوي سمة سلبية شئنا ام ابينا , تبلورت ضمن نطاق تاريخي واجتماعي معين , ثم اصبحت تطلق على جميع اهل الجنوب والشيعة بعد انقلاب شباط 1963 – كما قلنا – وان اعادة تاويلها نحو سياق ايجابي من اجل الدفاع عن اهل الجنوب وغيرهم عملا غير مجدي او نافع .. فغير معقول ان مفردة جاءت من عهود التخلف والحرمان والجوع والماضي الكئيب , ثم نقوم باسقاطها على عصر مختلف كليا او محاولة تجميلها …
بل وصل الحال عند بعض الاخوة من الكتاب والمثقفين بتجميل وتاويل مفردة المعدان والقول اننا المعدان ملح الارض !!!!!! ماهذا الكلام ؟؟ !!! نحن لسنا معدان ياسادة ياكرام … نحن عاصرنا في جميع مراحل حياتنا ان المعدان اسم يطلق على جماعة صغيرة جدا من الناس يسكنون في اطراف المدينة , يربون الجاموس وتبيع نسائهم الحليب والقيمر والجبن في المدينة , وبما ان المجتمع ينظر اليهم باستعلاء , فقد اعتبرهم في اسفل السلم الاجتماعي , واخذت بالتالي كلمة المعدان تطلق على كل جماعة او انسان يتصرف بتخلف او تهور , او يقوم بعمل نشاز او غير حضاري … ولكن اما ان تاتي انت وتعمم المفردة علي اهل الجنوب بدعوى ان المعدان هم ملح الارض وانهم بقايا السومريين او العرب الاقحاح وغيرها , فهو تاويل غير صحيح او علمي ومتكلف , فالمعدان هم المعدان , واهل الجنوب هم الفلاحون والمزارعون سابقا , ويشكلون انذاك اكثر من 80 % من افراد المجتمع العراقي ..
فما هو الحل لهذا الاستهداف ؟؟
الحل هو الرد الشجاع والرجولي والبطولي على تلك الاصوات الطائفية والشتائم بمثلها . فمن يقول عنك شروكي فرد عليه بانك انكشاري , ومن يطلق تلك الصفات الاخرى التي ذكرناها سابقا من قبيل (الهنود واولاد المتعة والزط والصفويون والعجم والمعدان والعتاكة) فعندك قاموس اخر مثلهم ورد عليهم بانهم (بقايا المماليك والكولة مند والقوقازيين والكرج والجورجيين وجهاد النكاح والشركس والغجر وحريم السلطان) فهو الحل الوحيد لتحقيق التوازن والرد بالمثل , لان الحياة قائمة على التنازع والتغالب – كما يقول علي الوردي – وليس التعاطف والتنازل , واما القبول بتلك الاهانات ومحاولة اعادة تاويلها وتجميلها فهو عمل خاطىء وغير مجدي وينم عن ضعف وجبن وتهاون كبير ..
فماذا ينفع التجميل اذا كان الاخر يعتبرها مسبة ؟؟؟ !!!!
ولماذا تغضب اذا اطلقت عليك اذا كنت تعتبرها كلمة ايجابية ودلالة فخر واعتزاز ؟
والخلاصة : اهل الجنوب والشيعة ليسوا معدان او شروكية وانما اناس حضر ومتعلمين . واصبح اكثر من 70% منهم بعد السقوط ضمن الطبقة الوسطى والمثقفة واصحاب الشهادات الجامعية والعليا , وكل دول العلم مرت بمراحل من الفقر والتخلف والحرمان , وغير معقول ان يبقى تاريخنا متوقف عند تلك المرحلة ولانتجاوزها نحو افق افضل من التحضر والاعتزاز والفخر .