
رياض سعد
السياسة المصرية تجاه العراق , تعتمد على استراتيجيّة التوريط , فضلا عن ممارسة شتى انواع الحيل للاستيلاء على الثروات والمقدرات الوطنية , والاستفادة من العراق جهد الامكان ؛ ومن الواضح ان مصر تتصرف طبقا لما تقتضيه المصلحة المصرية فقط ؛ فهي لا تأبه للدول العربية ولا تستشير الانظمة السياسية في القضايا الوطنية والمصيرية , ولعل اتفاقية كامب ديفيد من اوضح الشواهد على ما ذكرناه , وعندها قال السادات : ان مصر هي الامة العربية , اذ لم يكتف بغدر العرب وخيانتهم بل اختزل الامة العربية بمصر والمصريين فحسب ؛ ولكن عندما تهجم الدواهي والخطوب على المصريين , وتحاصر مصر بالأعداء والتحديات الاجنبية , تهرع الى الامة العربية وتطلب المساعدة من كل هب ودب , وتستجدي الدعم العربي وغيره كعادتها , وهذا من حقهم ويدل على حرصهم على بلادهم , الا اننا لسنا حطب للنار المصرية ولا قرابين فداء لمصر او غيرها من الدول العربية والاسلامية ؛ فقد يفرح المصري بنوائب العراقي , وقد تعود مشاكل العراق بالفائدة على مصر … .
وبعد التهديدات الإسرائيلية والامريكية لمصر , ومطالبة الرئيس الامريكي ترامب بإسكان الغزاويين وتوطين الفلسطينيين في سيناء المصرية , ضاقت الارض بما رحبت بوجه المصريين , وهم الان كالغرقى يحاولون التشبث بالقشة من اجل النجاة من امواج البحر المتلاطمة , وبينما يعمل ساسة العراق الاذكياء على دفع التداعيات السلبية التي نتجت عن محور المقاومة والقضية الفلسطينية والحرب الاخيرة في غزة ولبنان وسقوط سوريا , تعمل مصر على جر العراق الى هذه المعمعة والنار المستعرة مرة اخرى ؛ فقد أكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي على التنسيق مع العراق فيما يخص رفض تهجير الفلسطينيين وتنسيق الجهود بين البلدين فيما يخص التهديدات الامريكية والاسرائيلية … ؛ وعلق المحلل السياسي سعدون الساعدي , على اللقاء بين الجانبين , قائلا : (( إن الزيارة جاءت في وقت تشهد المنطقة والعالم أزمة كبيرة، وتزامنت مع تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، مما دفع الطرفين العراقي والمصري إلى مناقشة هذه القضية والاتفاق على رفض الطرح الأميركي )) .
وهذا يعني ان المصريين يريدون توريط العراق بأمر اكبر من حجمنا الحالي , وليست لنا فيه ناقة ولا جمل , فهم كعادتهم يريدون منا ( ان نتملطخ بدم المجاتيل ) كما يقول المثل الشعبي العراقي , اذ لم يكتف الوفد المصري بمطالبة العراق بالنفط وقتح اسواق العراق امام العمالة المصرية والصادرات المصرية في مجالات المواد الغذائية، والأدوية، والمنتجات الصناعية , و زيادة فرص الاستثمار المصري في العراق، خاصة في قطاعات البناء والبنية التحتية … ؛ بل راح يطلب من العراق الوقوف بوجه الامريكان والصهاينة وافشال مخططاتهم الرامية الى تسكين اهالي غزة في سيناء المصرية , وكأن سيناء مدينة عراقية …!!
والتنسيق بين مصر والعراق في هذا الجانب ؛ قد يعني توريط العراق باستقبال الفلسطينيين وقد يعني مواجهة الصهاينة والامريكان , وقد يعني تقديم الاموال العراقية لبناء غزة او بناء مدن سكنية للفلسطينيين في الاردن ومصر او غيرهما ؛ وكل هذه الاحتمالات لا تصب في صالح العراق والاغلبية والامة العراقية قط ؛ ولعل من المقدمات التمهيدية لهذه السياسات العدوانية , تمكين الشركات المصرية من الاستحواذ على عقود العمل والاستثمارات في المحافظات والمناطق السنية في العراق , وهذا الامر ينذر بالخطر , فالمخابرات المصرية سوف تنسق مع الخلايا النائمة الطائفية والتكفيرية , ثم تعمل على اقناع اهل السنة في الانبار وغيرها بضرورة استقبال الفلسطينيين لزيادة اعداد السنة في العراق واحداث التغييرات الديموغرافية ؛ او العمل على زيادة النفوذ السني والعربي لمواجهة النفوذ الشيعي والايراني في العراق ؛ ثم تضييق الخناق على الاغلبية العراقية والحاق افدح الاضرار بها ؛ وفي السياق نفسه ، يمكن تفسير تنامي نفوذ السعودية والإمارات وقطر، وحتى تركيا، ضمن البيئة السنيّة العراقية .
والمفروض بالسياسي العراقي الوطني المحنك , عدم تقديم العون الى مصر حاليا , بل والضغط عليها , وتفكيك منظومتها السياسية , وتغيير نظامها السياسي , واغراقها بالمشاكل , وذلك للأسباب التالية :
- الكل يعرف عداوة مصر للعراق ومنافسة المصريين للعراقيين , ومحاولة مصر الدائمة لتعزيز سيطرتها ونفوذها في المنطقة والعالم العربي , وازاحتها تصب في مصلحة العراق وتعطي للعراق دورا رئيسيا ومحوريا في المنطقة والعالم العربي .
- قوة مصر تعني تهديد العراق والتدخل في شؤونه الداخلية , ومن منا لا يتذكر ما فعله المصريون بحق العراق والعراقيين ؛ بدءا باغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم ومرورا بالتحكم بالطرطور الطائفي عبد السلام عارف وتأسيس مليشيا الحرس القومي الاجرامية وانتهاءا بدعم السفاح صدام والبعث واغراق العراق بالعمالة المصرية ثم الاشتراك في العمليات الارهابية ضد الاغلبية والامة العراقية ومعاداة التجربة الديمقراطية الجديدة ؛ وعليه يعتبر اضعاف مصر مطلبا سياسيا عراقيا يصب في صالح العراق والعراقيين .
- تعتبر هذه الفرصة تاريخية بالنسبة للعراق , في تقليم اظافر مصر وبتر اذرعها الاخطبوطية في المنطقة والعالم العربي فضلا عن العراق , وفك ارتباط العراق بها والى الابد , والتخلص من تبعات تلك العلاقة المنكوسة المشوهة والتي لم يجن شيئا منها العراق سوى الويلات والاستغلال والخسائر والمؤامرات والنكبات والسلبيات .
- مصر تتعامل مع العراق بمنطق القومية والطائفية , والسياسة المصرية قائمة على استغلال سنة العراق والحاق الضرر بالأغلبية والامة العراقية , وعليه يجب على ساسة العراق الوطنيين , العمل تفكيك هذه المنظومة المصرية المنكوسة واستبدالها باخرى لا تكن العداء للعراق والاغلبية والامة العراقية ولا تحشر انفها في الشؤون الوطنية .
وفي الختام , لعل سائل يسأل : ماذا يستفيد العراق من مصر ؟
على الصعيد الاقتصادي : مصر نفسها تعاني من الازمات الاقتصادية , وشركاتها متهمة بالفساد وسوء العمل ورداءة التنفيذ , ولا تنافس الشركات العالمية او الاقليمية ؛ بل ان عروض الدول الاخرى في الاعمار والتنمية أقل تكلفة وأكثر جودة، مثل الصين وروسيا وكوريا الجنوبية وغيرها، والتي لا تخفى إمكاناتها الهائلة وخبراتها المتطورة والمتنوعة ؛ والبعض يتهم الغرب بالضغط على العراق من اجل ابرام الاتفاقيات مع مصر والاعراض عن تلك الدول المتطورة .
على الصعيد السياسي : تستند سياسة مصر على اسس منكوسة ومعادية تجاه العراق ؛ فهي تعمل بالضد من الاغلبية والامة العراقية , وعليه لا يستفيد العراق شيئا من مصر على الصعيد السياسي الداخلي والخارجي ؛ فمصر تدور في فلك السياسة الخليجية ولا تخرج عنها , بسبب الدعم الخليجي ؛ ولكن من الممكن الاستفادة من مصر على الصعيد السياسي اذا تم استخدامها للوقوف بوجه التوغل والنفوذ التركي وغيره في العراق والمنطقة , ودعم التجربة الديمقراطية الجديدة , ومناصرة الحكومة العراقية في المحافل الدولية وعلى صعيد القرارات الداخلية , وفتح صفحة جديدة مع الشيعة والاغلبية العراقية وتقديم الدعم المعنوي والاعلامي لهم , واستبعاد الحركات التكفيرية والطائفية من المشهد المصري العام وقطع علاقات مصر معها في العراق , وهذه الامور لا تتحقق الا في حالتين : الاولى استقلال السياسة الخارجية المصرية والنأي بها عن التأثيرات الغربية والخليجية ؛ الثانية : تغيير النظام السياسي والعقلية السياسية المصرية .
سلمت اناملك…يا وطني يا شريف.
دمت سالما…وان شاء الله يتحقق ما تطرح..
تحياتي