السقوط الاخلاقي في المجتمع العراقي (القسم الاول)

سلمان رشيد الهلالي

السقوط الاخلاقي في المجتمع العراقي (القسم الاول)

قد يتفق اغلب العراقيين ن ان هناك نمطا اخلاقيا غريبا وفاسدا قد اجتاح المجتمع العراقي بعد السقوط عام 2003 يمكن ان نطلق عليه تسمية (السقوط الاخلاقي) , وهو ناتج بالاساس الى تخلخل منظومة القيم (values) في المجتمع بفعل الهزة او الصدمة التي اعقبت السقوط . فكلنا يعلم ان المجتمع العراقي تعرض خلال القرن الاخير الى ثلاث هزات او صدمات اجتماعية كبيرة وهى :

1 – صدمة الحداثة في مطلع القرن العشرين , وخاصة بعد الانقلاب العثماني عام 1908 او بعد الاحتلال البريطاني (1914-1917) وتأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 , حيث عملت على تخلخل القيم الاخلاقية التقليدية , وقد صور ذلك الرصافي احوال بغداد انذاك بالقول (ارى بغداد تسبح في الملاهي … وتعبث في الاوامر والنواهي) , فيما اطلق الشاعر الجواهري على ذلك الجيل الذي تسلم السلطة تسمية (ابناء السقوط) بالقول (موطني شقوت وابناء السقوط سعدوا) .

2 – هزة ثورة تموز 1958 التي خلخلت الكثير من القيم التقليدية في المجتمع وعززت انسياب الريف للمدينة , ومن ثم شكل بداية التريف الكبير للمدن في العراق , حتى وصفها رئيس الوزراء في العهد الملكي عبدالوهاب مرجان بانها (ثورة الريف ضد المدينة) . وتصاعد تاثير هذه الهزة في حقبة النظام البعثي الذي عمل على تدمير ممنهج للقيم الاخلاقية في المجمع العراقي , واحلال بدلا عنها (طبائع الاستبداد) من الخوف والنفاق والكراهية والحقد بين افراد المجتمع , سيما بعد سنوات الحروب والحصار والقمع .

3 – هزة السقوط عام 2003 وما اعقبها من انطلاق المكبوت النفسي والحرمان والاستلاب من مجتمع العبودية الذي كان تحت الحكم البعثي نحو التحرر وازاحة الخوف من الدولة , وهيمنة القيم المادية وانتشار النزعة الاستهلاكية اولا , والانفتاح الكبير في الاتصالات والموبايلات والفضائيات والانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ثانيا .

وعملت كل تلك الصدمات والهزات الاجتماعية – كما قلنا – الى خلخلة القيم الاجتماعية بصورة كبيرة وظاهرة عند الاجيال المعاصرة لها , الا ان هزة السقوط عام 2003 تشكل – ربما – الانعطافة الكبيرة في تخلخل القيم الاجتماعية الرئيسية , وتحول اساسي وجذري في منظومة القيم نحو مسار اخلاقي غريب . ليس بسبب التغيير والفساد الاخلاقي التقليدي نتيجة الانفتاح فحسب , بل بسبب عملية (الافساد) المتعمد والموجه من قوى اعلامية وطائفية (داخلية وخارجية) نحو القيم الاخلاقية في المجتمع , وتركيزها نحو الجيل الجديد بخاصة .

ان الهدف من تدمير القيم هو تدمير المجتمع , فالقيم هى الروابط الاخلاقية والدينية والعرفية والقانونية التي تحفظ المجتمع سماته وركائزه , وبدونها يتحول المجتمع الى غابة – او مكان للدعارة – او قطيع من الاوباش والحثالات , فهي مثل (الاسمنت) الذي يربط اساس وطابوق واجزاء البناء – او العمارة السكنية – فاذا كان هذا الاسمنت مغشوشا او ضعيفا , فان البناء حتما سينهار اجلا ام عاجلا . وهو مانشاهده الان من الانهيار الاجتماعي والتحلل الاخلاقي والانتشار الخفي والضمني لهذا السقوط , الذي اخذ بالتمدد الواسع , وربما بعد انقراض الاجيال الحالية التي مازالت تسير وفق القيم الاخلاقية التقليدية , فان (الطوفان قادم) لامحالة من السقوط عند الاجيال اللاحقة التي لم تعاصر تلك القيم .

كما ذكرنا ان هناك انتشار للفساد الاخلاقي بسبب الانفتاح المفاجىء بعد السقوط عام 2003 وتخلخل منظومة القيم الاجتماعية , وكان يسير بوتيرة بطيئة جدا بسبب عملية المقاومة التي مارستها المكابح والروادع الاجتماعية من قبيل الدين والدولة والعائلة والهوية وغيرها . الا ان عملية (الافساد) المتعمد والمنظم الذي تبلور من قبل قوى طائفية واعلامية خليجية وغيرها , كورقة جديدة للنيل من المجتمع العراقي بعد القضاء على داعش واسقاط اخر ورقة ارهابية عام 2017 , والعمل على نمط جديد من الحرب الناعمة او الشيعية – الشيعية , اخذ يسير بالتصاعد والتمدد والانتشار الاجتماعي الكبير , وكان عملهم تركز على اسقاط المكابح والروادع الاربعة وهى (الدين والدولة والعائلة والهوية) .(يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *