فاضل حسن شريف
د. فاضل حسن شريف
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله عز وعلا “وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ ۗ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ” ﴿هود 8﴾ اللام في صدر الآية للقسم ولذلك أكد الجواب أعني قوله: “ليقولن” باللام والنون والمعنى: وأقسم لئن أخرنا عن هؤلاء الكفار ما يستحقونه من العذاب قالوا مستهزءين: ما الذي يحبس هذا العذاب الموعود عنا ولما ذا لا ينزل علينا ولا يحل بنا. وفي هذا إشارة أو دلالة على أنهم سمعوا من كلامه تعالى أومن كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يوعدهم بعذاب لا محيص منه وإن الله أخر ذلك تأخيرا رحمة لهم فاستهزءوا به وسخروا منه بقولهم:”ما يحبسه” ويؤيده قوله تعالى عقيب ذلك: “ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم” إلخ. وبهذا يتأيد أن السورة سورة هود نزلت بعد سورة يونس لمكان قوله تعالى فيها: “ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط” إلى آخر الآيات. وقوله: “إلى أمة معدودة” الأمة الحين والوقت كما في قوله تعالى: “وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة” (يوسف 45) أي بعد حين ووقت. وربما أمكن أن يراد بالأمة الجماعة فقد وعد الله سبحانه أن يؤيد هذا الدين بقوم صالحين لا يؤثرون على دينه شيئا ويمكن عند ذلك للمؤمنين دينهم الذي ارتضى لهم قال: “فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم” (المائدة 54)، وقال: “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا” (النور 55)، وهذا وجه لا بأس به. وقيل: إن المراد بالأمة الجماعة وهم قوم يأتي الله بهم بعد هؤلاء فيصرون على الكفر فيعذبهم بعذاب الاستئصال كما فعل بقوم نوح، أو هم قوم يأتون بعد هؤلاء فيصرون على معصية الله فتقوم عليهم القيامة. والوجهان سخيفان لبنائهما على كون المعذبين غير هؤلاء المستهزئين من الكفار وظاهر قوله تعالى: “ألا يوم يأتيهم” إلخ، إن المعذبين هم المستهزئون بقولهم: “ما يحبسه”. وقوله: “أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ” بمنزلة الجواب عن قولهم: “ما يحبسه” الواقع موقع الاستهزاء فإنه في معنى الرد على ما أوعدوا به من العذاب، ومحصله أن هذا العذاب الذي يهددنا لوكان حقا لم يكن لحبسه سبب فإنا كافرون غير عادلين عن الكفر ولا تاركين له فتأخر نزول العذاب من غير موجب لتأخره بل مع الموجب لتعجيله كاشف عن كونه من قبيل الوعد الكاذب. فأجاب الله عن ذلك بأنه سيأتيهم ولا يصرفه يومئذ عنهم صارف ويحيق بهم هذا العذاب الذي كانوا به يستهزءون. وبما تقدم يظهر أن هذا العذاب الذي يهددون به عذاب دنيوي سيحيق بهم وينزل عليهم دون عذاب الآخرة، وعلى هذا فهذه الآية والتي قبلها يذكر كل منهما شيئا من ما تهوس به الكفار بجهالتهم فالآية السابقة تذكر أنهم إذا ذكر لهم البعث وأنذروا بعذاب يوم القيامة قالوا: إن هذا إلا سحر مبين، وهذه الآية تذكر أن الله إذا أخر عنهم العذاب إلى أمة وأخبروا بذلك قالوا مستهزءين: ما يحبسه.
عن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله عز وعلا “وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ ” أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ” (هود 8) “ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى” مجيء “أمة” أوقات “معدودة ليقولن” استهزاء، “ما يحبسه” ما يمنعه من النزول قال تعالى: “ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا” مدفوعا “عنهم وحاق” نزل “بهم ما كانوا به يستهزئون” من العذاب.
وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله عز وعلا “وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ ۗ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ” ﴿هود 8﴾ “ولَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ” أي مدة مقدرة “لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ”؟ وما الذي منع من وقوع العذاب علينا الآن ان كان حقا “أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ” العذاب “لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ” لأن بأسه تعالى لا يرد عن القوم المجرمين “وحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ” أي ينزل بهم العذاب جزاء استخفافهم به، وعدم خوفهم من اللَّه وغضبه. وأشد الذنوب ما استخف به صاحبه، كما قال الإمام علي عليه السلام. ومن أقواله: ان أحسن الناس ظنا باللَّه أشدهم خوفا منه.
جاء في باب الايات المؤلة بقيام القائم عليه السلام: تفسير القمي “وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ” (هود 8) قَالَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا إِلَى خُرُوجِ الْقَائِمِ عليه السلام فَنَرُدُّهُمْ وَ نُعَذِّبُهُمْ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَنْ يَقُولُوا لِمَ لَا يَقُومُ الْقَائِمُ وَ لَا يَخْرُجُ عَلَى حَدِّ الِاسْتِهْزَاءِ فَقَالَ اللَّهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ. أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سَيْفِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ وَ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ عليه السلام عَنْ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ “وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ” قَالَ الْأُمَّةُ الْمَعْدُودَةُ أَصْحَابُ الْقَائِمِ الثَّلَاثُمِائَةِ وَ الْبِضْعَةَ عَشَرَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ الْأُمَّةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَلَى وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ فَمِنْهُ الْمَذْهَبُ وَ هُوَ قَوْلُهُ “كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً” أَيْ عَلَى مَذْهَبٍ وَاحِدٍ وَ مِنْهُ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ وَ هُوَ قَوْلُهُ “وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ” أَيْ جَمَاعَةً وَ مِنْهُ الْوَاحِدُ قَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ أُمَّةً وَ هُوَ قَوْلُهُ “إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً”