فاضل حسن شريف
في سلسلة المقالات هذه سيتم التطرق الى آيات قرآنية وردت في كتاب نشأة التشيع والشيعة للسيد محمد باقر الصدر قدس سره خلال فقراته: كلمة الشيعة أو التشيع، ولادة التشيع، الحرص على الدعوة، الشورى، الصحابة، المؤلفة قلوبهم، المنافقون والمندسون، الرسالات، علاقة أمير المؤمنين بخاتم الأنبياء، إعداد الأمة وتهيئتها، آيات بحق علي عليه السلام ومدخليته بالمعرفة القرآنية، نشأة التشيع والشيعة، أحداث مؤسفة.
جاء في كتاب نشأة التشيع والشيعة للسيد محمد باقر الصدر: إعداد الامة وتهيئتها لتولي علي عليه السلام الخلافة: لقد بدأت عملية إعداد الامة وتربيتها لقبول واستقبال خلافة علي عليه السلام، وقيادته للمسيرة الاسلاميد بعد النبي صلى الله عليه وآله، منذ وقت مبكر، فعندها أمر النبي الاكرم بالانذار والتبليغ كما في قوله تعالى: “فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين” (الحجر 94) قال الطبري: وكان قبل ذلك في السنين الثلاث من مبعثه الى أن أمر باظهار الدعاء إلى الله، مستسرا مخفيا أمره صلى الله عليه وآله، وأنزل عليه: “وانذر عشيرتك الاقربين” (الشعراء 214) ثم أخرج الطبري رواية عن عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب، قال: (لما نزلت هذه الاية علي رسول الله صلى الله عليه وآله “وانذر عشيرتك الاقربين” (الشعراء 214) دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال لي يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الاقربين، فضقت بذلك ذرعا، وعرفت أني متى أباديهم بهذا الامر أرى منهم ما أكره فصمت عليه حتى جاءني جبريل، فقال يا محمد إلا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك، فاصنع لنا صاعا من طعام واجعل عليه رجل شاة، وأملا لنا عسا من لبن ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى اكلمهم وابلغهم ما امرت به، ففعلت ما امرني به ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب والحمزة والعباس وأبو لهب) وتكررت المحاولة فلما أكلوا وشربوا قال الطبري: (فتكلم رسول الله فقال: يا بني عبد المطلب إني والله ما اعلم شابا في العرب جاء قومه بافضل ما جئتكم به إني جئتكم بخير الدنيا والاخرة، وقد امرني الله تعالى أن ادعوكم إليه فايكم يؤازرني على هذا الامر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم. قال: فأحجم القوم عنها جميعا، فقلت وأني لاحدثم سنا، وارمضهم عينا أنا يا بني الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي ثم قال: إن هذا اخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا قال أي علي عليه السلام فقام القوم يضحكون، ويقولون لابي طالب قد امرك أن تسمع لابنك وتطيع). ومن هذه الرواية يتضح لنا أن أول عملية لإعداد الذهنية من أجل قبول علي، وصيا وخليفة، قد تمت في الوسط الخاص، (عشيرة النبي المقربين) وكان ذلك جنبا إلى جنب مع التبشير برسالته والإعلان عن نبوته وبعثته صلوات الله وسلامه عليه. ثم اتخذت عملية إعداد الأمة منحى آخر: فقد بدا القرآن يتنزل تباعا، وبدا علي يقاتل دونه مع رسول الله وبدأت الايات القرآنية تنزل أيضا في الاشادة بفضل علي عليه السلام وبفضائله، لأجل نفس الهدف. وقد أخرج ابن عساكر على ما نقله السيوطي: (أنه ما نزل في أحد من كتاب الله كما نزل في علي) وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس أيضا أنه نزلت في علي ثلاثمائة آية. ونورد هنا بعض الآيات التي ذكر غير واحد أنها نزلت في علي، وتدخل في هذا الاطار اي تؤشر حقيقة أعداء الامة وتربيتها في هذا الاتجاه: أ – جاء قوله تعالى: “إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا” (مريم 96) أخرج غير واحد من الحفاظ بأسانيد مختلفة أنها نزلت في علي، لان ما من مسلم إلا ولعلي في قلبه محبة).
ويستطرد آية الله السيد محمد باقر الصدر مبينا إعداد الامة وتهيئتها لتولي علي عليه السلام الخلافة: فعن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي بن أبي طالب يا علي قل اللهم اجعل لي عندك عهدا، واجعل لي في صدور المؤمنين مودة. فأنزل الله: “إن الذين آمنوا” قال: نزلت في علي. ب – قوله تعالى: “هذان خصمان اختصموا في ربهم” (الحج 19). عن علي عليه السلام قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة، قال قيس: وفيهم نزلت “هذان خصمان اختصموا في ربهم” (الحج 19) قال: (هم الذين بارزوا يوم بدر علي وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة). ج – قوله تعالى: “ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال” (الأحزاب 25). روى غير واحد أن عبد الله ابن مسعود كان يقرأ هذه الاية هكذا: (وكفى الله المؤمنين القتال) بعلي بن أبي طالب. د – قوله تعالى “يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين” (التوبة 119). ذكر غير واحد من الحفاظ والمحدثين عن ابن عباس قال: هو علي بن ابي طالب عليه السلام خاصة. ه – قوله تعالى: “والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا” (الأحزاب 58). وورد بعدة: طرق أنها نزلت في علي، وذلك أن نفرا من المنافقين كانوا يوذونه ويكذبون عليه (49). إن مما يؤكد أن هذه الايات قد جاءت ونزلت لبيان منزلة علي عليه السلام وعظمة شخصيته، ودوره الكبير في حياة الرسالة والرسول، وأن المؤمنين يلزمهم وعي هذه الحقائق والاتقياد إليها، مما يؤكد ذلك هو ما جاء من الأحاديث النبوية في تثبيت هذه المعاني. فقد روى الصحابي سعد بن أبي وقاص قال: أمرني معاوية أن أسب أبا التراب، فقلت: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله فلن أسبه، لان تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، قد خلفه رسول الله في بعض مغازيه فقال علي: يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان، فسمعت رسول الله يقول: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبوة بعدي وسمعته يقول يوم خيبر: لاعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، قال: فتطاولنا لها فقال: ادعو لي عليا فاتي به ارمد فبصق في عينه، ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه، ولما نزلت هذه الاية: “فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين” (آل عمران 61) دعا رسول الله عليا وفاطمة وحسنا وحسينا، وقال: اللهم هؤلاء أهلي (رواه مسلم والترمذي). إن هذه الرواية علي طولها التي رواها سعد تؤكد امورا منها: أ – نزول آية المباهلة، وهي الآية المذكورة في نص الرواية في حديث المنزلة سبق تخريجه، راجع الجامع للاصول / ج 3 ص 3323 رواه الشيخان والترمذي، على علي وزوجته البتول وولديهما الحسن والحسين عليهم السلام. ب – توكد أن هؤلاء هم أهل البيت دون سواهم. وبالتالي نفهم أنهم هم المقصودون في آية التطهير التي هي قوله تعالى: “إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا” (الأحزاب 33) وفي آية التطهير هذه يتبين لنا نزاهة علي وأمانته، وسمو ذاته وطهارته، بل عصمته. ومن هنا يبدأ الاستحقاق لان يحتل علي مقام الخلافة والولاية وقيادة المسيرة، قال الراغب الأصفهاني: (لا يصلح لخلافة الله ولا يكمل لعبادته وعمرة أرضه إلا من كان طاهر النفس قد أزيل رجسها ونجسها، فللنفس نجاسة كما أن للبدن نجاسة، لكن نجاسة البدن قد تدرك بالبصر ونجاسة النفس لا تدرك إلا بالبصيرة… وإنما لم يصلح لخلافة الله إلا من كان طاهر النفس لأن الخلافة هي الاقتداء به تعالى علي الطاقة البشرية، ومن لم يكن طاهر القول والفعل فكل إناء بالذي فيه يرشح).
ويستمر الشهيد السيد الصدر قدس سره في سرد بعض الآيات القرآنية التي نزلت بحق علي عليه السلام قائلا: يتبين لنامن ذلك أن القرآن الكريم بعد أن أشاد بفضل علي وبفضائله، ارتقى به إلى منزلة التزكية المطلقة (التطهير) ثم صعد به إلى منزلة علي غاية من الاهمية إذ جعل نفس علي كنفس النبي محمد صلى الله عليه وآله كما هو صريح آية المباهلة. وتاسيسا على ذلك، أكد النبي صلى الله عليه وآله مرارا وكرارا قائلا: (على مني وأنا من علي) وعندما حاول بعض الناس الشكوى من علي بغية التشويش على مقامه هذا ومنزلته، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ما تريدون من علي؟ رددها، ثم قال (إن عليا مني وأنا منه). ومن أجل قطع الطريق أمام المشككين بهذه المنزلة الرفيعة التي أنزل الله تعالى فيها عليا، ولترسيخ وتأكيد ولايته وخلافته بعد النبي، في كل ما يهم المسلمين من أجل ذلك، جاء قوله تعالى: “إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون” (المائدة 55) فقد ذكر الزمخشري أن هذه الاية المباركة نزلت في علي عليه السلام حين سأله سائل، وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه. ولازالة الالتباس، وقطعا لدابر اي تأويل في المراد بالولي العصمة من آية التطهير / الأصول العامة للفقة المقارن / محمد تقي الحكيم / ص 174. وتشخيصه في مثل هذه الموارد صرح النبي صلى الله عليه وآله في أكثر من مناسبة قائلا: (إن عليا مني، وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي) ولتاكيد ولاية علي، ودوره الهام بالنسبة إلى الرسالة الاسلامية قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (علي مني أنا من علي ولا يؤدي عني – أي بصفته نبيا رسولاإلا أنا وعلي) ثم رسخ هذا المفهوم عمليا جهارا نهارا في قصة تبليغ سورة براءة، كما أخرج هذه الرواية الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن أبي بكر الصديق أنه قال: (إن النبي بعثه ببراءة إلى أهل مكة، فسار ثلاثا ثم قال لعلي: الحقة، فرد علي أبا بكر وبلغها، فلما قدم أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وآله قال: يا رسول الله حدث في شئ قال: ما وجدت فيك إلا خيرا، لكنني امرت أن لا يبلغ إلا أن أو رجل مني) وفي الكشاف: روي أن أبا بكر لما كان ببعض الطريق أي لتبليغ سورة براءة هبط جبرائيل عليه السلام، فقال: يا محمد: لا يبلغن رسالتك إلا رجل منك، فارسل عليا.