نزار حيدر
عندما أَخبرَ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) أَصحابهُ بقولهِ {وإِنِّي واللَّه لأَظُنُّ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ سَيُدَالُونَ مِنْكُمْ} أَي أَنَّهم سينتصرُونَ عليكُم وستُهزَمُونَ! ثمَّ عدَّدَ لهُم الأَسباب المُوجِبةِ لهذهِ القِراءةِ، فهل كانَ يتمنَّى أَن ينهزِمَ جيشهُ وينتصِر جيشَ العدوِّ؟! هل كانَ يريدُ أَن يدُبَّ اليأسُ في صفوفهِم؟! هل كانَ يحاولُ أَن يهزِمَ [أَصحابهُ] نفسيّاً؟! هل كانَ يُقدِّم لعدوِّهِ خِدمةً مجَّانيَّةً بمثلِ هذا الكلامِ الذي يعتبرَهُ البعض أَنَّهُ [مُثبِّطٌ] أَو أَنَّهُ دعايةٌ بالمجَّانِ للعدُوِّ؟! بالتَّأكيد ليسَ كُلَّ ذلكَ أَبداً!.
إِنَّهُ لم يفعل أَكثر من أَنَّهُ (ع) أَخبرهُم بالمُخرَجاتِ المُتوَقَّعةِ بناءً على مُقدِّماتٍ يراها بأُمِّ عينَيهِ ويلمسَها لمسَ اليَدِ، هدفهُ تحذيرهُم وتنبيههُم قبلَ فواتِ الأَوانِ! وهذا هو الفرقُ بينَ الحريصِ الذي [يقُولُ] والآخرِ الذي [يكتُم]!.
لم يشأ (ع) أَن يخدعهُم ويُضلِّلهُم في زمنِ التحدِّي والبلاءِ! فيُطبطِبُ على ظهُورهِم ويمدحهُم بما لم يفعلُوهُ ويُسمِعهُم كلاماً تطربُ لهُ آذانهُم! ففي زمنِ التحدِّي فإِنَّ الحقائق المُرَّة هي الوسيلةُ إِلى النَّجاةِ!.
فيا أَيُّها الذُّيُولُ والبوَّاقةُ والجهَلةُ ولاحسُوا قِصاع المسؤُول الفاسد والفاشِل، إِفهمُوا كلامي وحاولُوا استيعابهُ قبلَ فواتِ الأَوانِ فالظُّرُوفُ خطيرةٌ والقادِمُ أَعظمُ وأَشدُّ والحديثُ يقُولُ {مَن حذَّركَ كمَن بشَّركَ}.
لا تصغُوا إِلى نظريَّةِ [نجحَت العمليَّة وماتَ المريض] فقديماً قيلَ [إِمشِ وراءَ الذي يُبكيكَ ولا تمشِ وراءَ الذي يُضحِكُكَ] فالثَّاني يضحكُ عليكَ وأَنتَ تضحكُ! الأَمرُ الذي يحتاجُ إِلى فصلِ المشاعرِ عنِ العقلِ!.
لا تنشغِلُوا بالتَّفتيشِ في النَّوايا ودعُوا عنكُم أُسلوب السَّب والشَّتم والتُّهم والقذْف والخَوض بالأَعراضِ والطَّعنِ ضدَّ كُلَّ مَن يحذِّركُم!.
وبدلاً من ذلكَ أُصغُوا إِليهِ وافهمُوهُ واستوعِبُوا معلوماتهِ وتحليلاتهِ وتحذيراتهِ ثمَّ اشكرُوهُ إِذا كانَ تحذيرهُ في محلِّهِ واضربُوهُ عَرض الحائطِ إِذا كانَ غَيرَ ذلك!.
وصدقَ الله تعالى الذي قالَ في مُحكَمِ كتابهِ الكريمِ {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}.
٢٠٢٥/٤/٦