
مهدي قاسم
توجد في الدول التي تقوم على مؤسسات قانونية ودستورية راسخة و حقة ، طبعا ، تحت ظل الأنظمة التعددية الديمقراطية ، فتوجد مواد و فقرات قانونية مشرعة و خاصة بقوات حفظ الأمن التي تنظم الممارسات و الإجراءات لهذه القوات و التي يجب الالتزام بها بشكل صارم ، أثناء مواجهة مظاهرات و احتجاجات جماهيرية في الشوارع ، من ضمنها عدم استعمال الذخيرة النارية الحية ضد المتظاهرين أو إصابتهم بجروح بليغة وإحداث عوق جسدي ، أو القتل ، حتى في حالة تعرض هذه القوات لأعمال استفزازية أو خشنة ، طبعا ، إلا في حالة الدفاع عن النفس أثناء مواجهة تهديد حقيقي خطير جدا لحياة العنصر الأمني ..
و حتى عملية الإقدام على القتل في حالة الدفاع عن النفس المزعوم ، ستخضع لتحقيق مرّكز و مفصّل من قبل الادعاء العام العسكري ، مع الاستعانة بشهود عيان و خبراء عدل و تقنيات و غير ذلك ، للتأكد من صحة وجود خطر مهدد فعلا لحياة العنصر الأمني أو عدمه ..
و كتحصيل حاصل تحتوي هذه المواد القانونية الخاصة بإجراءات قوات حفظ النظام على سياقات و نصوص و فقرات أخرى مصنفة جنائيا ، تضع عناصر الأمن تحت طائلة القانون العقابي ــ كمذنب أو جانِ ــ في حالة إقدام على قتل متظاهر أو إصابته بجروح بالغة بل و حتى خفيفة ، و على نحو يكون هذا العنصر أو الآخر قد خرق بفعله الإجرائي هذه المواد القانونية ..
لهذا ، يكون العنصر التابع لقوات حفظ النظام على دراية كاملة ، بل و حذرا جدا من تبعات إجراءاته أثناء مواجهة التظاهرات ، لكي لا يتورط في ارتكاب جريمة من هذا القبيل و التي قد تترتب عليها عقوبة حبس لمدة طويلة ، فضلا عن عقوبة الطرد من الوظيفة في الوقت نفسه ..
ولكن يبدو من خلال ممارسات الاعتداء على المتظاهرين بشكل متكرر حالات ومناسبات عديدة من قبل عناصر قوات حفظ الأمن العراقية :
إن هذا التنظيم القانوني لإجراءات وممارسات قوات حفظ الأمن العراقية أما غير موجود أصلا ، أو موجود ولكن مجرد حبر على الورق فقط ، أم لم تجر ِ عملية تدريس و تلقين عناصر قوات حفظ الأمن بوجود هذه القوانين و الأنظمة الانضباطية لسلوكها و ممارساتها ، بالأحرى تعليمها بأهمية الالتزام بها بشدة في كل الأحوال و الظروف .
ولكن في بلد كالعراق ، حيث سلطة الفساد المشرعنة ، زائدا ” الفوضى الخلاقة ” القائمة على كل صعيد و ناحية ، مقرونة بدويلات المليشيات العميقة و أحزاب الدكاكين السياسية لتقسيم المناصب والمغانم ، نقول حتى لو وجُدت قوانين وضعية أو دستورية من هذا القبيل فأنها تيقى ــ مثلما أسلفنا ــ مجرد نصوص ، و حبرا على الورق فحسب ..