علاء عبد الطائي
في هذه الذكرى التي ترمز لأعلى لحظات الاكتمال الروحي والوصاية الفكرية نعيد قراءة واقعنا لا من موقع الامتياز المذهبي بل من زاوية المسؤولية التاريخية
من التمكين إلى التأسيس:
الشيعة بين مرجعية الدولة واستحقاقات الحرب الوجودية
في لحظة تاريخية دقيقة تقف القوى السياسية والفكرية الشيعية أمام مفترق طرق لا يشبه ما سبق من تحديات حيث بات واضحًا أن مرحلة “التمكين” التي تحققت بعد 2003 لم تعد كافية بل قد تصبح عبئًا إذا لم تُستكمل بمرجعية سياسية ناظمة قادرة على إدارة المكتسبات وتأطير الوعي الجمعي وتحويله من “هامش سياسي” إلى “مركز وطني فاعل”.
لقد جاء التمكين الشيعي في العراق كحصيلة ظرف إقليمي ودولي نادر لا كنتيجة نضج داخلي ذاتي وبينما ظنّ كثيرون أنه لحظة تتويج أظهر الزمن أنه كان فقط بداية لتحوّلات معقدة أبرزها انكشاف الحاجة إلى عقل سياسي موحّد يُمأسس المشروع الشيعي ويؤمِّن مستقبله وسط بحر متلاطم من التغييرات العالمية.
المحور الأول:
نظرية التمكين الشيعي – من لحظة القوة إلى لحظة التساؤل لقد بشّرت مرحلة ما بعد 2003 بإمكانية أن يصبح الشيعة فاعلين أساسيين في صياغة شكل الدولة الوطنية ليس فقط في العراق بل ضمن محور يمتد من طهران إلى الضاحية الجنوبية لكن هذا التمكين السياسي لم يقابله مشروع فكري أو عقد اجتماعي متماسك وظلت القوى الشيعية متنازعة بين الولاء العقائدي والارتباط الإقليمي والمصالح الحزبية ما أنتج تشوّهًا في بناء الدولة وانعدام الثقة من قبل الجماعات الأخرى اليوم وبعد عقدين من التجربة تنكشف ثغرات هذا التمكين:
-هل كان هدفًا بحد ذاته أم وسيلة؟ -وهل أدّى إلى ولادة “نظام شيعي”؟
– أم إلى إنتاج فراغ مرجعي في ظل
إنكفاء المرجعية الدينية وتصدع المرجعية السياسية
المحور الثاني:
الحاجة إلى مرجعية سياسية لا مذهبية مع تراكم التحديات يظهر السؤال الملحّ…
من يُمثل الشيعة سياسيًا؟
-النجف اختارت الحياد
-وقم تطرح نموذجًا دينيًا-سياسيًا لا يُمكن تعميمه
-فيما تقف الأحزاب في صراعات سلطة تتجاوز قدرة أي منها على تقديم مشروع جامع.
إن النخبة الشيعية مطالَبة اليوم بالخروج من ثنائية “الولاء أو التنازع” والتفكير في بناء مرجعية سياسية عقلانية غير حزبية تجمع بين الاستقلالية عن الخارج والانفتاح على الداخل وتطرح مقاربة مدنية للمجتمع والدولة دون التنازل عن الخصوصية العقائدية.
المحور الثالث:
العالم على أعتاب حرب وجودية فأين موقعنا؟
العالم يشهد تحولات هائلة…
-تفكك المنظومة الغربية صعود القوى الأوراسية
-احتدام الصراع في البحر الأحمر -وانكشاف بنية الدولة الوطنية في المشرق.
نحن لا نتجه إلى نزاع نفوذ بل إلى حرب وجودية – عنوانها بقاء الهويات والمشاريع.
في هذا السياق لم تعد المسألة هي “تمثيل الشيعة” بل قدرتهم على تحصين ذاتهم كهوية جماعية ومشروع سياسي مستقر قادر على الاستمرار في ظل التقلبات فالمعارك المقبلة لن تكون فقط بالسلاح بل بالأفكار بالمرجعيات وبالقدرة على إنتاج سرديات سياسية مقنعة.
بالنهاية التمكين الشيعي كان لحظة تأسيس لكنه لا يكفي لمواجهة التحديات المقبلة نحن بحاجة إلى الانتقال من “التمكين” إلى “التماسك” من الانقسام إلى القيادة ومن ردّ الفعل إلى بناء المبادرة.
وهنا لا يمكن التعويل على الخارج ولا على التوازنات الطائفية بل على وعي النخبة “السياسية والدينية والفكرية” التي تدرك أن مستقبل الشيعة لا يُبنى بالشعارات بل بالمؤسسات وبالإرادة الجامعة وبمشروع يوفّق بين الهوية والدولة بين الإيمان والسياسة بين العراق والمحور بين الذاكرة والمستقبل.
في ظل الانتخابات المقبلة فإن الفرصة ما زالت قائمة لإعادة تعريف المشروع الشيعي لا كامتياز مذهبي بل كمسؤولية وطنية كبرى أمام عراق على شفا تحوّل وإقليم على شفير صراع شامل.
علاء الطائي ||