معايير انتماء الجماعات الثورية للنهضة الحسينية

علي المؤمن

منذ قيام نهضة الإمام الحسين وحتى الآن، اندلعت ثورات وانتفاضات وحراكات كثيرة، تزعم انتماءها للحسين واقتفاء أهداف نهضته ومسارها وسلوكياتها، إلّا أنّ هذا الزعم لا يعني – من وجهة النظر العقدية الفقهية الإسلامية – أن هذه الحراكات تنتمي فعلاً لنهضة الحسين وعاشورائه.

نعم، قد تتشبه هذه الحراكات بواحدة أو اثنتين من سلوكيات نهضة الحسين، كالجانب الثوري أو التضحوي أو المظهري الشعاراتي، ولكن هذا التشبه الأحادي لا يعني أنها حركة حسينية، لأن نهضة الحسين نهضة عقدية فقهية دينية شاملة، وليست مجرد ثورة مظلومين ضد ظالمين وفاسدين، ولا حركة عسكرية لاستعادة الدولة، ولا انتفاضة اجتماعية للدفاع عن الدين، ولا تظاهرات جماهيرية سياسية ضد جماعات منافسة؛ فهذه الأبعاد ربما يدخل بعضها في إطار أهداف نهضة الإمام الحسين، لكنها ليست النهضة الحسينية بكلياتها، لأن منطلق النهضة الحسينية هو التكليف الديني الشرعي، وليس التنافس السياسي.

وبالتالي، ينبغي الوقوف عند معايير الانتماء لنهضة الإمام الحسين وتمثُّل أهدافها ومساراتها، في النظرية والتطبيق، للتعرف على مصاديق النهضات والحراكات التي تنتمي إليها انتماءً كاملاً، وليس انتماءً جزئياً وأحادياً، ولا انتماءً مزعوماً، لأن الزعم وحده لا يكفي، بل الأصل هو تطابق الحراك مع معايير النهضة الأربعة التالية:

1- قيادة النهضة:

من البديهي أن تتوافر في قيادة الحركة التي تنتمي لنهضة الإمام الحسين شروط القيادة الشرعية بالمعنى الديني، أي أن تتوافر فيها المواصفات التالية:

أ- أن يكون قائد النهضة إماماً معصوماً، أو يكون عمله ممضياً من الإمام المعصوم، أو يكون نائباً للإمام المعصوم، وهو الفقيه المتصدي أو المرجع الأعلى الجامع لشرائط الاجتهاد والعدالة والكفاءة، أو تكون شخصية قائد الحركة وعمله ممضيين من الفقيه المتصدي، أو من المرجع الأعلى، أو من فقيه آخر مقبول من الفقيه المتصدي أو المرجع الأعلى؛ لكي لا تتعارض توجهات القائد مع الخط العام للنظام الاجتماعي الشيعي، لأن الحراك النهضوي الثوري يرتبط ارتباطاً مباشراً بالنظام العام، وتترتب عليه تضحيات ودماء وفوضى تلقائية، وهذا النظام يدخل دخولاً مباشراً في صلاحيات الفقيه المتصدي، سواء من خلال ولاية الحسبة أو ولاية الحكم، ولا يستطيع أي فقيه أو عالم دين أن يتصرف بقضايا النظام العام وفق تشخيصه الخاص، وإلّا عمّت الفوضى وضُربت مصالح الناس، وبات لكل فقيه وعالم دين رؤيته الخاصة في تشخيص المصلحة العامة.

وفي عصرنا الحاضر، هناك فقيهان متصديان للنظام العام، أحدهما السيد الخامنئي في إيران، والآخر السيد السيستاني في العراق، وينبغي لكل قيادة تدّعي الانتماء لنهضة الإمام الحسين أن تكون ممضية من أحدهما أو من فقيه جامع للشرائط مقبول من أحدهما. وبالتالي، فكل قائد يقول إنّ نهضته حسينية، لكنه لا يكون مجتهداً متصدياً جامعاً لشرائط الفقاهة والعدالة والكفاءة، أو لا يكون لديه وكالة رسمية معلنة بالتحرك من المرجع الأعلى أو الفقيه المتصدي، فإنه يتحمل المسؤولية الشرعية عن الدماء والأموال والأضرار والمفاسد التي تنجم عن حراكه، حتى وإن كانت نواياه سليمة وصالحة، وكانت أهدافه خيِّرة.

ب- أن تتماهى قيادة الحركة بشخصية الإمام الحسين في المواصفات الشخصية (عدا العصمة)، وأهمها:

أولاً: صفة العلم الشرعي، بمستوى القدرة على تشخيص الحرام والحلال في القضايا العامة أو الميدانية التي لا تتحمل الرجوع الآني إلى الفقيه المتصدي.

ثانياً: صفة العدالة والتقوى والنزاهة والصلاح النفسي والعقلي والقلبي والسلوكي، أي أن يكون هو نفسه عادلاً صالحاً، قبل أن يدعو الناس للصلاح والإصلاح، أي أن الميدان الأول للقائد هو نفسه: ((ميدانكم الأول أنفسكم))، لا أن يدعو الناس إلى الإصلاح وينسى نفسه: ((أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم))، وأن لا يكون القائد قد ارتكب موبقة وكبيرة، كالكذب والسرقة والفتنة والنميمة وشرب الخمر وعقوق الوالدين والقتل والعدوان وغيرها، وأن لا يكون قد ترك فرضاً أو عبادة.

ثالثاً: صفة الكفاءة، أي أن يكون كفوءاً في تشخيص مصلحة الأمة، ويكون واعياً بالمصالح والمفاسد، ولديه القدرة على القيادة والإدارة والتدبير. ولعل الميدان الأول لحقيقة تمتعه بهذه الصفة هو جماعته الخاصة، ثم أنصاره، ليكون جمهوره متشبهاً بأصحاب الحسين من ناحية الخطاب والتدين والوعي والصلاح، وليس من ناحية الطاعة وحسب. علماً أن تشخيص تطابق معايير صفة الكفاءة على القائد لا يكون من قبل جماعته الخاصة وأنصاره، بل من حكماء الأمة والمرجعية المتصدية؛ لأن جماعته الخاصة منحازة له أساساً، حقاً وباطلاً، وتابعة له في سلبياته وإيجابياته.

وليس المعيار فقط أن يكون قائد الحركة شيعياً أو يضع عمامة سوداء أو بيضاء على رأسه، أو يصرخ على مدار الساعة بأنه حسيني ويسير على خطى الحسين، إنما المعيار في حسينية القائد أن يتمتع بالصفات أعلاه؛ فالأصل هو توافر الشروط بوضوح ودون مواربة، وليس الزعم والادعاء؛ فرئيس نظام البعث صدام حسين ــ مثلاً ــ كان يقول أيضاً: ((أنا ابن الحسين وأحارب أعدائي بسيف جدي الحسين))، ولا يختلف الأمر لو كان صدام شيعياً ومن أسرة علوية؛ فكيف يمكن لصدام وأمثاله أن يكون حسينياً وهو متشبه بعقيدة يزيد وسلوكه؟ وهل يمكن لشارب الخمر وقاتل النفس البريئة والذي لا يمارس العبادات، وغير المؤمن وغير المتقي أن يكون حسينياً وحركته حسينياً؟

إن الذي يقود أيّ حركة نهضوية لها علاقة بإقامة دولة إسلامية أو بإصلاح الأمة، سيتسبّب في إراقة الدماء وفي صرف الأموال الشرعية؛ فإذا لم يكن هو المرجع الأعلى، فينبغي أن يكون حراكه وتصرفه في الأموال ممضياً من المرجع الأعلى. ففي العصر الحاضر، قاد الإمام الخميني بنفسه حراك الإصلاح والنهضة والثورة، بوصفه مرجعاً دينياً متصدياً، وكان تحرك وكلائه ومعتمديه ممضياً منه.

وهكذا بالنسبة لحراك السيد محمد باقر الصدر؛ بل إنه قبل تبوّء موقع المرجعية، كان يتداول كل ما يرتبط بأفكاره السياسية وحراكه العام مع المرجعين السيد محسن الحكيم والسيد أبي القاسم الخوئي؛ لكي يكون حراكه مقبولاً وممضياً من قبل المرجعية العليا. وكذلك كان يفعل السيد موسى الصدر أيضاً؛ لأن حراكه كانت تترتب عليه دماء وأموال شرعية؛ ففضلاً عن كونه وكيلاً للمراجع السيد حسين البروجردي ثم السيد محسن الحكيم ثم السيد الخوئي والإمام الخميني، فإنه كان يستجيز المرجعية في الموضوعات التي تحتاج إلى إمضاء المرجع.

2- نظرية النهضة وغاياتها وأهدافها:

الحركة التي لا تتمسك بنظرية نهضة الإمام الحسين ومنطلقاتها وغاياتها وأهدافها، لا يمكن أن تكون حركة حسينية، أي أن الحركة المتشبهة بنهضة الإمام الحسين ينبغي أن تتمسك بالقواعد الشرعية العقدية الفقهية (القرآنية والسننية) في بنيتها النظرية، وتنطلق من موقف شرعي ديني محض، بوصفها حركة عقدية فقهية سياسية شاملة، غايتها إعادة الواقع الإسلامي إلى عهد الرسالة والإمامة، وهدفها إصلاح الأمة والتحول في الدولة، وصولاً إلى الغاية النهائية المتمثلة بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية. ويتضمن ذلك دون شك، أهداف مواجهة الطغاة والفاسدين والظالمين، وكذلك تطبيق العدالة الاجتماعية والدفاع عن المحرومين والفقراء، ولكنها أهداف في إطار الغايات الدينية الأساسية للنهضة.

وبالتالي، فإن كل حراك لا تكون غاياته تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية عبر الإطاحة بدولة الظلم والفساد وإقامة الدولة الإسلامية الحقيقية؛ فهو ليس حراكاً حسينياً، بل حراكاً سياسياً.

3- وسائل النهضة وسلوكها:

ينبغي أن تكون وسائل أيّ حركة تزعم الانتماء لنهضة الإمام الحسين وسلوكياته، متطابقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، ومع أخلاقيات الإمام الحسين ونهضته وأصحابه؛ فلا تتضمن استباحةً لدماء الناس وأموالهم، ولا تجاوزاً على مصالحهم، وأن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بالتي هي أحسن، وبالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، دون أي عدوان وتهديد وإكراه.

كما تكون علاقات الحركة وتحالفاتها سليمة ونقية، ولا تتعارض مع ثوابت الشريعة ومصلحة النظام الاجتماعي الديني الشيعي. في حين أن الحراك الذي يزعم الانتماء للحسين، ويستقوي بالعلاقة مع أطراف منحرفة عقدياً وفكرياً وفاسدة أخلاقياً وسياسياً، ويدير ظهره للأطراف المتماهية معه عقدياً، ويدعمه الإعلام اليزيدي؛ فهو حراك لا ينتمي بأي شكل من الأشكال إلى النهضة الحسينية.

وبالتالي، فإن أي حركة لا تتوافر فيها الشروط المعيارية الثلاثة السالفة مجتمعةً، أي القيادة والنظرية والسلوك؛ فهو حراك سياسي محض، ولا يمكن تصنيفه عقدياً وفقهياً في إطار نهضة الإمام الحسين.