خلينه واحد مثلك يحجي ويانا بدون ما نحاسبه..!

عباس سرحان

لم يكن محافظ البصرة موفقًا في ردّه على المواطن البصري الذي أوقفه خلال جولته وسأله بأدب: “ماذا حققتم خلال سبع سنوات؟”

لم تكن نبرة المواطن هجومية أو مستفزة، بل عبّرت عن شكوى مشروعة تعكس ما يعانيه أهالي البصرة من نقصٍ في المياه الصالحة للشرب، وتفاقم نسب التلوث، وتردي الخدمات الصحية والمعيشية.

لكن المحافظ، أسعد العيداني، لم يحسن التعامل مع الموقف؛ إذ قابل السؤال باستهزاء، قائلاً: “إنجازاتنا أننا جعلنا واحدًا مثلك يتحدث معنا دون أن نسيء إليه.”
عبارة تحمل استخفافًا لا يليق بمن يتبوأ منصبًا يخوّله خدمة الناس، لا التعالي عليهم. وحتى إن كان تحت ضغط الواقع المزري، فإن ردّه افتقر إلى اللياقة، وتجاهل جملة

حقائق جوهرية:
حرية التعبير ليست منّة من أحد، بل حقٌ دستوري اكتسبه الناس بكلفةٍ باهظة من

التضحيات.
المسؤولون لا يأتون بامتيازاتهم من فراغ، بل بفعل صناديق الاقتراع التي يملؤها

المواطنون.
الوظيفة الأساسية لأي مسؤول هي خدمة الشعب، لا انتظار المدائح منه.
الإيماءات الجسدية التي صاحبت كلام المحافظ حملت دلالة على الامتهان، وهو ما يُضعف الثقة ويزيد من الهوة بين المواطن والسلطة.

لكن الأهم في القصة أن المحافظ نسي لحظتها أن ما نعيشه اليوم من مساحة تعبير ليست فضلًا من أحد، بل ثمرة نهرٍ طويلٍ من الدماء التي سالت منذ سبعينيات القرن الماضي في الجنوب، من أجل حريةٍ وحقوقٍ مدنيةٍ وعيشٍ كريم.

لقد صُنعت هذه المكتسبات بجسارة شهداء وتضحيات شعبٍ لا يزال ينتظر من مسؤوليه أن يكونوا على قدر آماله، لا أن يستخفّوا بألمه.

يا سيادة المحافظ، إن البصرة التي تنتصب على حافة الخليج من حقّها أن تطمح بمحطة لتحلية المياه، تُمكّن أهلها من شرب ماءٍ صالحٍ بدلًا من الأطيان والأملاح التي يشربونها وهم يمنحون العراق كلّه من خيرات هذه المدينة المنكوبة.

ومن حق البصريين أن يُبنى سدٌّ على شط العرب ليمنع المياه الحلوة من الذهاب إلى البحر، ويوقف صعود الماء المالح شمالًا.

وإن كان السد من صلاحيات حكومة بغداد – وهذا صحيح – فمن واجبك المطالبة به، وتحريك الشارع البصري للضغط على بغداد، والاصطفاف إلى جانب أهلك في البصرة.

وإن تعذّر ذلك، فاستعن بأبسط فلاح في الفاو؛ سيعطيك طريقة لبناء سدّ ترابيٍّ مؤقّت بارتفاعات مناسبة وتحويلات متقنة، ليحلّ محلّ السد الحديث الذي يصعب تنفيذه.
تلك إرادة الناس حين يغيب التخطيط الرسمي، وتلك مسؤولية من اختار أن يكون صوتهم في وجه الصمت.