حول مقال: “نظام البعث العراقي نموذج الحكم السني”، للدكتور علي المؤمن..!

انور فرج الله

أنور فرج الله
(كاتب وأديب عراقي)

هذا المقال الجريء جداً للباحث الدكتور الأستاذ علي المؤمن وضع النقاط على الحروف وشخص الواقع كما هو، ونستطيع اعتباره مثالاً نادراً على الشجاعة الفكرية، والوضوح في تشخيص طبيعة النظام البعثي الدموي ( السني ) الذي حكم العراق بالحديد والنار، واستباح كل شيء: الإنسان، والدين، والوطن، والكرامة.

وفي زمن لا تزال فيه بقايا البعث، وأذرعه الإعلامية، وحواضنه الاجتماعية والمذهبية ومموّلوه المحليون والإقليميون، يسوّقون الأكاذيب عن (زمن الدولة) يأتي هذا الطرح كصفعة على وجه الزيف، ونداء لإعادة بناء الوعي الجمعي على أسس الحقيقة لا التزييف.

إن الحاجة إلى هذا النوع من الكتابات، لا تنبع فقط من ضرورة توثيق جرائم الحكم البعثي السني في العراق في حقبة البعث والحفاظ على الذاكرة متقدة بتاريخه الاسود، بل من وحوب مواجهة حالة الإنكار المقنّع، والتسويق المضلل المتكرر لنموذج حكم دموي فاشل على أنه (النموذج الناجح) للحكم .. وهذه لوحدها جريمة عظمى تُرتكب بحق الملايين من ضحاياه من الشهداء والمظلومين

الوضوح الحاد الذي تم وضع المقال في إطاره ليس رغبة انتقائية في عرض الوقائع، بل قراءة واقعية تستند إلى ما عاشه الشعب العراقي من ضيم وقتل وتهجير وبحر من دماء ومئات المقابر الجماعية، والخراب الذي ما زال قائماً.

ومن الابعاد المهمة جدا التي اجاد الدكتور المؤمن الإشارة لها هي التأكيد على أن هذه الجرائم ليست مجرد أفعال عارضة أو انحرافات في مسيرة حكم البعث الساقط، بل هي منظومة كاملة من القيم البعثية الفاسدة التي تحوّلت إلى سياسة دولة، و(منهج نجاح) كما يفهمه ويروجه الطائفيون اليوم.

نعيش لحظة سياسية فارقة يختلط فيها الحابل بالنابل، ويعاد فيها تدوير مفاهيم الوطنية والسيادة بأقلام مشبوهة وقنوات طائفية، ومثل هذا المقال ليس تشخيصاً لماض انتهى، بل هو دفاع عن الحاضر والمستقبل، لأن كل تبرير لصدام هو تبرير للطغيان، وكل تغاضٍ عن جرائمه هو تشجيع مستتر لتكرارها.

وإذا كانت النخب السياسية والإعلامية اليوم عاجزة عن تبني خطاب واضح ضد البعث وأخواته، فإن واجب المثقف أن يكون صوت الضمير، والمذكِّر بحقيقة التجربة المريرة التي لن تُغتفر بالتقادم، ولن تُمحى بالحنين المصطنع.

نحتاج إلى وضوح بلا تردد، وتشخيص بلا مراوغة، وشجاعة بلا مجاملة، كما فعل الدكتور المؤمن مشكورا والابتعاد عن لغة المجاملات والترضيات .. فهذه هي أبجديات التأسيس لوطن لا يقبل الطغاة، ولا يكرر مآسيه، لمن أراد الوطن.