
اسم الكاتب : مينا العريبي
“المقاطعات لا تجدي نفعًا”، كان هذا تصريح محللة تحظى باحترام كبير خلال مناسبة حول الانتخابات المقبلة في العراق. كان موقفها أن أولئك الذين يختارون مقاطعة الانتخابات كوسيلة لتغيير الوضع السيئ سيفشلون في تحقيق هذا التغيير، وقالت: ” إنه إذا لم يحضر الناخبون للتصويت، فلا يمكنهم توقع نتائج أفضل”. من الناحية النظرية هذه حجة صحيحة، ومع ذلك، في بعض الأحيان، تكون مقاطعة الناخبين هي الطريقة الوحيدة لإفقاد سلطة الأحزاب السياسية التي تدعي تمثيل الشعب، بينما هي في الحقيقة لا تخدمه.
جدل كبير يسود العراق حاليا بشأن الانتخابات وإيجابيات وسلبيات مقاطعتها، ومن المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية العراقية في العاشر من أكتوبر / تشرين الأول المقبل، والتي ستؤدي إلى تشكيل حكومة جديدة. انتخابات مبكرة دعا لها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي فور توليه منصبه الصيف الماضي بعد استقالة سلفه عادل عبد المهدي بسبب الاحتجاجات التي طالبت برحيله والتي انطلقت في أكتوبر / تشرين الأول 2019 وبلغت ذروتها في صيف عام 2020، قبل سلسلة من الاغتيالات وفيروس كوفيد -19 اللذين ساهما في تقليص هذه المظاهرات إلى حد كبير.
المتظاهرون امتلكوا عددًا من المطالب، كان من بينها إجراء انتخابات مبكرة لطرد المسؤولين الفاسدين إضافة لحل النظام السياسي القائم على الانقسامات الطائفية والعرقية. كما طالب النشطاء والمتظاهرون بإصلاحات انتخابية، مدركين تمامًا أن الانتخابات بدون إصلاح انتخابي واستئصال الفساد لن تؤدي إلا إلى تكرار السياسات الفاشلة على مدار الثمانية عشر عامًا الماضية.
ورغم بعض الإصلاحات الانتخابية، فلا يزال النظام البرلماني الرئيسي القائم على بناء التحالفات بين الأحزاب القوية سليما إلى حد كبير. مع مخاوف بشأن تأثير الميليشيات على عدد من الأحزاب السياسية إضافة لارتفاع مستوى الفساد في النظام السيسي. فالأمل ضئيل جدًا في أن يأتي التجديد أو التغيير من خلال صناديق الاقتراع، ولذلك تتصاعد دعوات المتظاهرين والنشطاء والرأي العام العراقي لمقاطعة الانتخابات. كما أعلنت عدد من الأحزاب الصغيرة، مثل الحزب الشيوعي، (المساند لمطالب الاحتجاجات)، سحب مرشحيها في الأسابيع القليلة الماضية ومقاطعة الانتخابات. ومع ذلك، فإن تأثيرها الفعلي على الانتخابات سيظل محدودًا.
إلى أن حصل التطور الكبير، ففي 15 يوليو / تموز الماضي، أعلن رجل الدين مقتدى الصدر، الذي تمتلك كتلته النيابية حالياً أكبر عدد من المقاعد ومن المتوقع أن يكرر هذا النجاح في تصويت أكتوبر، مقاطعته للانتخابات. كما أعلن عدم تأييده لأي مرشح أو حكومة. يريد الصدر بذلك إعادة وضع نفسه كممثل للحركة الاحتجاجية، على الرغم من تجذره العميق في النظام السياسي الحالي والاستفادة منه. علاوة على ذلك، قد يشعر أنه بعد التدابير الفاشلة من الدولة في مواجهة فيروس كورونا Covid-19 ، تضررت شعبيته بشدة. فقد سيطرت الأطراف التابعة له إلى حد كبير على وزارة الصحة العراقية لسنوات وكانوا متواطئين في كل من سوء الإدارة والفساد الذي أدى إلى تآكل نظام الرعاية الصحية في البلاد.
ومنذ أن خاض الصدر مغامرة مقاطعة الانتخابات، انضم آخرون له، كرئيس الوزراء السابق إياد علاوي. حيث يبدو أن المقاطعين يتحولون إلى دائرة انتخابية في حد ذاتهم، وصارت الأحزاب السياسية تسعى لكسب تأييدهم. ففي عام 2018 ، بلغ العدد الرسمي لمشاركة الناخبين 44 في المائة. الذي يعتبر رقمًا مضللًا بسبب الاحتيال وحشو صناديق الاقتراع. ليكون الرقم الأكثر دقة بين 20 إلى 25 في المائة. ويمثل هذا انخفاضًا حادًا عن 70 في المائة في عام 2005 عندما كان التفاؤل مرتفعًا في العراق وتم الإشادة بالتداول السلمي للسلطة من خلال صناديق الاقتراع. لكن الانتخابات تلو الانتخابات أدت إلى ظهور حكومات فاشلة، بقيادة طائفية وفاسدة، لتعم خيبة الأمل الشارع العراقي.
عندما يتعلق الأمر بالتغيير السياسي، فإن قلة من العراقيين اليوم يعتقدون أنه يمكن تحقيق ذلك من خلال صناديق الاقتراع. فالأحزاب السياسية أحكمت قبضتها على النظام السياسي وأصبحت مالكة الموارد لضمان قدرتها على تأمين العديد من مصالحها. في وقت يتمتع المستقلون بفرصة ضئيلة في الحصول على أغلبية الأصوات والقدرة على تشكيل الحكومة.
ومع ذلك، فإن الكاظمي يحث العراقيين على الذهاب إلى صناديق الاقتراع، كأفضل وسيلة للتصويت على المسؤولين والتصويت لأعضاء البرلمان الجدد على 329 مقعدًا في البرلمان العراقي. وأكد الداعمون للانتخابات، بما فيها الأمم المتحدة والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، أنه لا توجد أي نتائج محسومة قبل الانتخابات. لكن الموضوع في العراق لا يقتصر على يوم الاقتراع فقط. فالنظام السياسي المتفتت يعني أن الحكومات تتشكل على أساس “حل وسط” يشبه إلى حد كبير مقايضة الأحصنة. الانقسامات الطائفية التي تشجعها غالبية الأحزاب السياسية، كجزء من سياسة فرق تسد، لا تتمتع بجاذبية للناخبين العاديين للإيمان بالنظام الانتخابي.
هناك شعور عام بخيبة الأمل في العراق، فقد أظهر استطلاع أجرته مؤسسة تشاثام هاوس مؤخرًا أن 83 في المائة من العراقيين يتفقون مع احتجاجات أكتوبر 2019 بأن المقاطعة ليست حلا، لكنها شكل من أشكال الاحتجاج، وشكل من أشكال التعبير عن السخط ورفض النظام فاسد. المقاطعون لا يريدون منح الشرعية للنظام. وإذا كانت المقاطعة ليست الحل الفاعل للأزمة العراقية، فإنها على الأقل تضمن أن المقاطعين ليسوا متواطئين في استمرار المشكلة.