أبريل 24, 2025
download

اسم الكاتب : ياسر الكوتي

لن يكون أداء رئيس الوزراء العراقي الحالي أفضل من أسلافه إذا لم يعمل على مكافحة الفساد المتجذّر في نظام المحاصصة السياسي في العراق.

حقق رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، منذ تسلّمه منصبه في تشرين الأول/أكتوبر 2022، رقمًا قياسيًا من الإنجازات في السياسات. فقد أنجزت “حكومة الخدمات”، التي يرأسها، مجموعة من المشاريع تشمل إنشاء الطرق، والطرق السريعة والمستشفيات، وتوقيع اتفاقات بمليارات الدولارات لضمان الاستقلال في مجال الطاقة، وإتمام اتفاق مع طهران لمقايضة الغاز بالنفط كي يتمكن العراقيون من تحمّل الحر الشديد في الصيف حين تصل درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية، والعمل مع الحكومة لإقرار الموازنة الفيدرالية لمدة ثلاث سنوات.

لطالما كان تقديم الخدمات نقطة ضعف عانت منها الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003، بسبب الفساد والغش وعدم كفاءة المؤسسات وانعدام الإرادة السياسية. لقد أهدر القادة العراقيون التمويل المخصص لآلاف المشاريع التي أُنجِزت جزئيًا أو لم تبصر النور أساسًا. على النقيض من رؤساء الوزراء السابقين، اعتمد السوداني نهجًا عمليًا، فأنشأ الفريق الحكومي للخدمات من أجل رصد التقدم، والقيام بزيارات ميدانية إلى مواقع المشاريع للمساعدة على التعجيل في إنجازها.

كانت هذه الجهود الهادفة إلى تحسين الخدمات العامة موضع ثناء من الرأي العام، ولكنها لم تعمل حتى الآن على معالجة الشوائب الكامنة في المنظومة، أي السياسة التي تتسبب بتردّي الخدمات والفساد الذي يغذّيها.

الاعتقاد الشائع في العراق هو أن السوداني قائد نزيه حريص على المصالح الوطنية، ولكنه لا يختلف في نهاية المطاف عن أسلافه حين يتعلق الأمر بالتقيّد بقواعد اللعبة، من خلال وضع جدول أعماله في عهدة النخب التي تمارس المحاصصة، والمقصود بذلك المنظومة السياسية التي أُطلِقت في عام 2003 والقائمة على تقاسم الحصص لتأمين تكافؤ التمثيل الحكومي للمجموعات الإثنية والمذهبية المختلفة في البلاد.

تلقي المحاصصة بثقلها على صنع السياسات في العراق على مختلف المستويات، ما يمنح الكلبتوقراطيين الغطاء اللازم للتحكم بموارد الدولة لمصلحتهم الخاصة. وقد أفسدت هذه المنظومة على وجه الخصوص عملية تعيين قادة المؤسسات العراقية. لطالما أعرب السوداني عن نيته إجراء تعديل حكومي واستبدال المسؤولين المقصّرين عن النهوض بواجباتهم، ولكن ذلك لم يتحقق بعد، والسبب على الأرجح هو الضغوط من النخب. وحتى لو تحقق، غالب الظن أنه سيُفرَض على رئيس الوزراء استبدال المسؤولين بآخرين من الحزب نفسه.

حين نزل النشطاء إلى الشوارع في مختلف أنحاء العراق في عام 2019، مردّدين هتاف “نريد وطنًا”، عبّرت احتجاجاتهم عن رفض شديد لنظام المحاصصة الذي لا يزال يتسبب بشرخ عميق بين النخب وباقي المجتمع. ويتطلب ردم هذه الفجوة أكثر من مجرد تأمين الخدمات؛ فهو يقتضي جدول أعمال مقبولًا على صعيد السياسات يتحدّى الأسلوب التقليدي المتّبع في السياسة، بما في ذلك طريقة تعيين الموظفين وتوزيع التمويل للخدمات.

حتى الإصلاحات الصغيرة النطاق، مثل استخدام أنظمة التشغيل الآلي (التكنولوجيا) في الخدمات بما في ذلك تحصيل الضرائب، الأمر الذي يساهم في تحسين الخدمات والحد من الفساد، يمكن أن يمنح زخمًا للاقتصاد وأن تحظى بالتأييد الشعبي. وغالب الظن أيضًا أن مكافحة الفساد ستزيد من آفاق التعاون بين رئيس الوزراء والجمهور العام، لا سيما أولئك الذين أظهروا في البداية ميلًا إلى تأييده بحكم خصاله الشخصية وسمعته. لا يمكن لأي نجاح آخر أن يحلّ مكان الإصلاحات الداخلية الحقيقية؛ وخير دليل على ذلك حملة مكافحة الفساد التي شنّها رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي وكان مصيرها الفشل، ولم تعوِّض عنها النجاحات التي تحققت في السياسة الخارجية.

السوداني في موقعٍ جيّد يخوّله العمل على معالجة المسائل السياسية الخلافية نظرًا إلى قبوله من مختلف الأطراف وعدم الاتفاق بين النخب على قائد بديل. في حين أن إصلاح نظام المحاصصة يبقى احتمالًا بعيد المنال بسبب المصالح النخبوية الضاربة الجذور، لا يزال من الممكن معالجة تحدّيات الحوكمة التي تؤثّر في جميع العراقيين، ومنها مثلًا إعادة هيكلة القطاعات العامة من خلال الشراكات بين القطاعَين العام والخاص. بإمكان السوداني أن يحاول إقناع النخب بالقبول بالإصلاحات في مقابل العفو القانوني والسياسي. ولكن في حال رفضت النخب ذلك، ينبغي عليه أن يتمسّك بموقفه في مواجهة التهديدات والتصعيد، فقد اعتادوا على استخدام هذا الأسلوب لإحباط التغيير السياسي المحتمل. علاوةً على ذلك، ليس لهذه التهديدات تداعيات عملية تُذكَر، فالنخب تدرك أنه سيُلقى عليها باللوم في حال انهارت الحكومة من جديد. وإذا اتخذت الأحداث هذا المنحى، فسيؤدّي ذلك إلى تأجيج الغضب في مختلف أنحاء البلاد، ويثير أيضًا غضب السلطة الدينية في النجف، وغالب الظن أنه سيدفع بالعراقيين نحو ردّ فعل أوسع نطاقًا بكثير من احتجاجات 2019.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *