اسم الكاتب : محمد باقر الحسيني
لم يقدم احد من قادة الشيوعية عقيدتهم على انها عقيدة ايمانية , وهي في نفس الوقت لاتدعو للايمان بالغيبيات التي يؤمن بها الناس, وبعض من اعضاء الحزب,بل يترك العضو يحدد اختياراته الايمانية , فهذه الاحزاب متكونة من المسلم والمسيحي واليهودي والصابئي , ولم يدان او يطرد من اعضاء الاحزاب العلمانية عضوا يلتزم باداء الطقوس الدينية , فهذه نزيهة الدليمي العضو البارز في تنظيمات الحزب الشيوعي تصلي وتصوم لحد الان ( عادل حبه الحوار المتمدن) . وبقي عدد كبير من الشيوعيين على هذا المنوال, وقد ذكرت في الحلقة السابقة ان عدد من رجال الدين والشعراء الحسينيين والرواديد وخدمة الروضة الحيدرية وعدد كبير من ابناء العلماء كانوا اعضاءا او اصدقاءا للحزب الشيوعي , وهذه حقيقة معروفة في النجف او في مناطق العراق الاخرى. ولم يقل المتدينون من الجهة الاخرى ان فتوى الشيوعية كفر والحاد صادرة عن دافع ديني , فالشيوعية ولدت قبل ولادة السيد محسن الحكيم باكثر من اربعين سنة , وعايشها السيد وحصل على درجة الاجتهاد , ونشر رسالته العملية ولم يكفرها , بل ان الخالصي الاب قد تراسل مع لينين نفسه , وكان الميرزارضا الشيرازي صاحب جريدة بين النهرين على اتصال بالبلاشفة , وتدرب الحاج نجم البقال بطل وقائد ثورة النجف عام 1918 مع الشيوعيين في سجون روسيا القيصرية , بعد ان اسرته القوات القيصرية في المعارك مع القوات التركية على جبهة القفقاس , وكان حينذاك جنديا بالجيش التركي. والاكثر من ذلك ان السيد نفسه قد توسط للسيد موسى الحلو لاطلاق سراح ابنه الشيوعي المسجون في سجون نوري السعيد كما قلنا في المقال السابق , واليكم ماقاله المحامي حسن شبر احد مؤسسي حزب الدعوة( ان فتوى السيد الحكيم في كفر الشيوعية قد صدرت بعد مجابهة قاسم للشيوعيين بما يقرب من سبعة اشهر . مع انه من المفروض فيه( شرعا) ان يتصدى الى كل فكر ضال , وانه ليس من الشجاعة ان ينتظر ما يقوله رئيس دولة ليقولوا مثله)( ملتقى البحرين ) . لقد رفع عمر بن العاص القرآن على اسنة الرماح , وقال الامام علي (ع) لانحتكم للقرآن لانه حمال اوجه , وما هذا الا حق يراد به باطل , فكيف جرت الاحداث وصدرت هذه الفتوى؟ . كانت سنة 59 من السنين العسيرة على مناهضي الثورة , فلم تك لهم نشاطات جماهيرية تذكر , عدا مراقبة الاخطاء التي تقع بها السلطة والحزب الشيوعي , فليس من المناسب الصراع من الموقع الاضعف, لذلك يجب رص الصفوف وتنظيم القوى والتحالفات افضل ما يمكن , فطلب السيد من المفكر الكبير والفيلسوف الخالد الشهيد محمد باقر الصدر(رحم) تاليف جبهة فكرية سياسية , تجسدت بكتاب السيد ( فلسفتنا ) واعقبه بعد حين بكتاب ( اقتصادنا) , وكان من المؤمل ان يفتح السيد الصدر النقاش الفكرى والمبداي للوصول لقناعات تخدم المذهب والدين , للوصول الى نظرية مثلى للعدالة الاجتماعية , مزيجة بضماخ الثورة الحسينية , ولم لا والشارع والعامة من الناس اصبحوا يتداولون المفاهيم السياسية والفلسفية , ويتناقشون في المناطق الشعبية كالعمارة والسور والشوافع والبراق والمشراق مقولات الحق والواجب والتضحية بالذات من اجل المجموع , وتصدح اصوات النساء والملالي ( حدودة وفلحة) في مواكب العزاء الحسيني باشعار ضد امريكا والاستعمار , وفتحت على عجل مدارس محو الامية للرجال والنساء والتي يغلب عليها طابع التطوع الشعبي , فما الذي تغير في نفوس الناس؟ لقد تلقف السيد الشهيد هذا التبدل والقابلية للتغيير وقرا الواقع وقارن ووجد ان الحوزة مثلا لم تهتم مطلقا بموضوع محو الامية وتعليم الناس , ولم تهتم مثلا بفتح جامع واحد في مدينة كبيرة كالحي ( الكوت) مثلا ولغاية عام 1947, فهيا للعمل الفكري . لقد قال السيد فضل الله ان السيد الشهيد كان يحترم الفلسفة الماركسية , ولكنه يختلف معها وهذا حق. وقرا السيد الخميني كتاب الدولة والثورة للينين كاملا , واستفاد منه في تشكيل حرس الثورة وارسل رسالة فكرية لقادة الكرملن , وكانت فكرة السيد الشهيد تكوين معلمين دعاة لمناقشة الفكرة بالفكرة , لكن السيد محسن الحكيم كان في واد آخر , فقد اهمل اولا تكليف السيد الصدر , وامره بعد ذلك والسيد مهدي الحكيم بترك حزب الدعوة نهائيا!! . فهذا الاتجاه يؤدي الى تعليم الايمان والوصول بالمؤمن لدرجات سامية من الصفاء والنور وغسل القلوب عن ما يدنسها ,وبعض من هذه القيم قد دفعت اعضاء من حزب الدعوة بعدئذ ان يواجهوا الموت بكل بطولة وجسارة , وكان هذا في راى السيد ما يشبه المثل ( عرب وين وطنبورة وين) , فالمهمة جاهزة وهو الانقضاض على قاسم وما يمثله هذا الشخص القادم من اب سني وام كردية فيلية شيعية يمثل فسيفساء العراق ومتحالف فوق ذلك مع الحزب الشيوعي ويحب الفقراء , لقد ’ركن مشروع السيد الصدر في اعلى الرفوف من مكتبة السيد الحكيم , وفتح كتاب الجريمة السياسية الدينية , وكان من المؤمل اغتيال الزعيم في( 7/10/1959) وشوهد السيد وهو يؤدي الصلاة بكل نشاط ويدعو في نهايتها بكل خشوع , للشباب المكلفين باغتيال الزعيم بالنصر وانهاء الظلم والظالم , ورفع هذه الغمة عن هذه الامة وسالت دمعة حرى على خده الكريم ورفع يديه وقال امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء وكررها ثلاث. لقد فشلت محاولة اغتيال قاسم , وفشلت الامال وانطلقت المظاهرات وسيطر الشيوعيون على الشارع بدون منازع , وانفلت الناس بالبحث عن المتآمر المعروف والمحتضن , وصاحب ذلك كثير من الاخطاء , كانت لها قيادة السيد بالمرصاد , فبعد ان امتصت الصدمة جرى التفكير بطرق اخرى , فهذا ميلاد الحسين(ع) قادم 3شعبان المصادف يوم 31/1/1960, ولابد من التهيئة الجيدة له ,خاصة وان الزعيم تلكا في تجذير الثورة , واراد ان يحد من نفوذ الحزب الشيوعي المتزايد, والتجا الى قاعدة للمناورة سميت بعفا الله عما سلف, فتلقف السيد هذه الاشارة بذكائه المعروف, وركز الهجوم على الحزب الشيوعي , فكان ميلاد الحسين (ع) تظاهرة لابراز القوى والعضلات, وكانت المشاركة السياسية لقوى الثورة المضادة واضحة , وتشير القصائد الى التوجهات الجديدة والاصطفاف المختلف , فكانت القصائد تطلب من الزعيم مواجهة المد الكافر, وتدعو الى الشعارات التي طرحها البعثيون , والمطالبة بالوحدة العربية , وكان هذا المهرجان هو الاستعراض العام الذي كان محميا بقوه رسمية من اعضاء البعث , وبه تمت الاتصالات لان تتخذ المرجعية دورها في حماية بيضة الاسلام , ولابد من الحذر كي لايذهب الجهد هباء كما حدث في محاولة اغتيال قاسم , وجرى التشاور وكان الرائ المسنود من ايران ان تكلف المرجعية العربية بهذا الجهد المبارك , كي لا تتعرض المرجعية من اصول ايرانية للتسفير او التضييق او المواجهة مع العامة , وهم لاحول لهم ولاقوه ولايعرفون حزب البعث , ويفتقدون للشقاوات لحمايتهم . فتطوع الشيخ مرتضى آل ياسين بكتابة فتوى لقياس ردة الفعل وهي ( الانتماء الى الحزب الشيوعي من اعظم المحرمات التي يشجبها الدين , وتنبؤ عنها شريعة سيد المرسلين , هدانا الله جميعا الى صراط المستقيم الذين انعم عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) ( انظر الملتقى الاسلامي20/7/2001) . فلم ينتبه احد لا لاسم الشيخ ولاللمضمون ولا للشكل , فقد قال احد الشعراء باننا ظاهرة صوتية ونميل للاختصار والوضوح والنبرة العالية , والفتوى هي على الاحوط بالون للاختبار. كان اللاعب الامريكي على الخط , فقد روى لي المحامي حسون سميسم عام 69 واكد هذه الرواية المحامي جواد عبد الحسين ان دفعة كبيرة من المال وصلت لمصرف الرافدين في النجف مرسلة من تركيا باسم السيد, وارسل قاسم ضباطا للتحقيق مع السيد الذي قال بانها حقوق شرعية, واستلمها السيد مهدي , وقد ذكر هذه الحادثة عبد الكريم قاسم نفسه ( الحديث للمحامي جواد عبد الحسين) عندما اجتمع مع وفد انصار السلام في بغداد. وبعد اسبوع من ذلك كتب السيد فتواه الشهيرة ( بسم الله الرحمن الرحيم . لايجوز الانتماء للحزب الشيوعي فان ذلك كفر والحاد او ترويج للكفر والالحاد. اعاذكم الله وجميع المسلمين عن ذلك وزادكم ايمانا وتسليما , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) وهي مؤرخة بتاريخ 17 شعبان 1379 المصادف 15/2/1959 , وكان الجو مهيبا عدد كبير من الناس والصحفيين في بيت السيد , وتعالت كلمات الله اكبر, وكان الاستاذ الاديب والمثقف حميد المطبعي واقفا خارج بيت السيد وشاحذا فرشاته , واشترى لهذه المناسبة الجليلة عددا من علب الدهان الاسود , لوشم حيطان النجف بوشم يذكره على الدوام بذلك الماضي الاسود , وكتب على حائط مدرسة الخليلى وقرب بيت السيد مباشرة وبخط فارسي رشيق فتوى السيد , وشطب على شعار وطن حر وشعب سعيداينما واجهه ذلك , وضحك ملئ فمه على حمامات السلام البيضاء المرسومة على الحيطان , واباح لنفسه حرية الاختصار , فهو اديب واعرف من السيد بالموسيقى الداخلية للجملة الشعرية وكتبها ( قال الامام الحكيم الشيوعية كفر والحاد) .لقد نشر بعض الكتاب اخبارا عن اشتراك عدد من العلماء , باصدار فتاوي مشابهة كالخوئي والشيرازي والتبريزي والشاهرودي والشيرازي , دافعها هو التمسح بفتوى الحكيم , والادعاء بما ليس لهم , فالفتوى كما اسلفنا ليست دينية وان لبست اللباس الديني , وقد حاول السيد مهدي الحكيم التنصل منها , في فترة من حياته , متهما اخيه محمد رضا باخذ الختم من السيد وطبعه على الفتوى دون ارادة السيد محسن . ولقد جربت محاولات ان تؤخذ الفتوى من السيد حسين الحمامي قبيل وفاته وفوتح بهذا الغرض واجابهم بان هذا الافتاء سوف يستغل من قبل الاحزاب الاخرى لابادة الطائفة الشيعية . حيث ان عدد كبير من اعضاء الحزب الشيوعي هم من الطائفة الشيعية , وقد عبدت هذه الفتوى الطريق لصعود القيادات الطائفية للسلطة , كما افتى العالم السني طه جابر العلواني فتوى مضادة تحرم دماء الشيوعيين !! .قلنا فيما مضى ان اللاعب الامريكي كان على الخط المباشر , فقد تفاجا خادم السيد بزيارة السفير الامريكي ( انظرحيدر البغدادي موقع براءة ) وتواجده في غرفة الاستقبال بعد اسبوع من صدور الفتوى , ولم يكن السيد عالما بموعد الزيارة , وكان التوقيت مهم جدا فقد بدا الزعيم بالتفاوض مع الشركات البترولية , والافق ملبد بالغيوم , والخسائر التي ستمنى الشركات بها كبيرة , والشاه لديه تجربة من ايام مصدق , لذلك سيكون التحريم المجرد قاصرا عن اداء المهمة , ولابد من العمل المباشر , باستغلال الجبهة الناصرية , وجبهة الكويت , والضباط الذين استغلوا طيبة قاسم وتردد ه . فاندمج الاقطاع بالبعث والبعث بالمرجعية والمرجعية بالخطط الشاهنشاهية الامريكية البريطانية , وافضت لولادة المولود المسخ (14 رمضان ) . وكان نتيجة هذا السفاح الفتوى الثانية التي اعطاها السيد بدون ان يرمش له جفن ( الشيوعيون مرتدون وحكم المرتد هو القتل وان تاب , والشيوعيون نوعان الاول من آمن بها وحمد بها ولايرجع عنها , فحكمه كما جاء اعلاه والنوع الثاني من اعتبرها تقدمية ومعاونة المحتاجين , وهؤلاء يحجزون ويفهمون ويعلمون الصح من الخطأ . فأن تابوا يطلق سراحهم . وان اصروا عليه فحكمهم كما جاء اعلاه ) . اعطى السيد هذه الفتوى لعبد الغني الراوي عام 63 الذي يريد تطبيق الحكم الاسلامي بحق 9000 شيوعي في نقرة السلمان و2600 في سجون الشرطة , وقد عرف السيد هذه الارقام قبل ان يكتب السيد مهدي الحكيم بيده تلك الفتوى , وتصورا ذلك يأتي مسؤول ما ويطلب من السيد فتوى بقتل 11600 منهم 70% شيعة وتعطى لهم هذه الفتوى من اعلى سلطة دينية , ومازال حكم الفتوى نافذ !!! ولم يلغى من قبل مرجع اخرلحد الان !!, انني اطالب من هذا الموقع من جميع علمائنا الافاضل بالبراءة من هذه الفتوى لانها ليست شرعية , واعتبار ضحاياها شهداء رفعوا الى جانب الانبياء والقديسين والمخلدين في الجنة , وتعويض عوائلهم من الحقوق الشرعية التي يستحقونها . كما ارجومن الموقع ان يوجه رسائلا مباشرة للعلماء الافاضل لبيان رأيهم الديني كي لايظهر من يفاجأنا في المستقبل ويريد تطبيق هذه الفتوى بحق فئة من اطياف الشعب العراقي .
(أما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض )
يليه الجزء الثالث شخصية السيد محسن الحكيم
محمد باقر الحسيني
27/4/2007
النجف