اسم الكاتب : ابراهيم نور الدين
كانت غزوة حماس في السابع من أكتوبر 2023 التي عنوانها طوفان الأقصى طوفانا من النكبات على الشعب الفلسطيني والعرب عموما. أثارت هذه الغزوة العواطف الشعبية وانطلقت الأصوات تبشر بأن عملية تحرير فلسطين قد بدأت. كثيرون وزعوا الحلوى عند سماعهم عن هذه الغزوة لكنهم الآن باتوا يبكون نادمين. وقال البعض على السوشال ميديا تحضروا للعودة لكن الحقيقة كانت شيئا مغايرا.
المحللون والمعلقون العسكريون على الشاشات العربية لا يتحدثون بالحقائق واغلبهم يخدع المشاهدين بمعلومات كاذبة ومتخيلة ترضي غرور المشاهدين المتعطشين لمثل تلك المعلومات حتى وان كانت وهمية.
كان قطاع غزة قبل السابع من أكتوبر في حالة فقر شديد وانعدام الموارد والان اضحى القطاع اشد فقرا وأكثر افتقادا للموارد مع تدمير كامل للبنى التحتية تتحمل حركة حماس وزر هذه النتائج ووزر مقتل أكثر من أربعين ألف فلسطيني سقطوا ضحية غرور السنوار والذين معه من قادة القسام.
لم تكن غزة مثل سويسرا صحيح لكن ماذا أصبحت الآن. ماذا فعلت غزوة السابع من أكتوبر؟ أعادت هذه النكبة قطاع غزة وسكانه عشرات السنوات إلى الوراءوعطلت إمكانيات تطوير القطاع لعشرات السنوات القادمة.
بعد غزوة الطوفان هذه تفاخر الكثيرون بأن القضية الفلسطينية عادت إلى الواجهة وانتشى العرب بالمسيرات والمظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني وحقوقه في مختلف أنحاء العالم. ثم انطفأت جذوة هذا التأييد العالمي الشعبي بعد نفاذ كل الموازنة التي رصدت لتمويل تلك المظاهرات.
إذا اردنا أن نصدق الدوافع الإنسانية التي حركت تلك المظاهرات في شوارع العالم لنصرة فلسطين فأين هي هذه الدوافع الإنسانية الآن في الدفاع عن اللبنانيين الذين يسقطون بنفس السلاح الذي يسقط به الفلسطينيون؟
لا شك أن إيران نجحت في تغيير اتجاه بوصلة العمل الفلسطيني وتوريط الفلسطينيين في معركة غير متكافئة ستؤدي ليس فقط إلى تدمير حركة حماس بعد تدمير قطاع غزة بل ستؤدي إلى تعطيل الحقوق الفلسطينية ودفن كل محاولات الحل.
لقد إيران حماس في انقلابها على السلطة الفلسطينية عام ألفين وسبعة في القطاع وكان الهدف مشابها لهدف إسرائيل من سكوتها على هذا الانقلاب وإن كان اتفاق المصالح بين الجانبين الإيراني والإسرائيلي مجرد مصادفة فالهدف واحد وهو تعطيل المفاوضات التي كانت ستؤدي إلى الحل الذي يمكنه أن يفضي إلى شكل من أشكال الدولة للفلسطينيين.
الدعم الإيراني العسكري لحركتي حماس والجهاد كانت نتيجته إدامة سيطرة الحركتين على قطاع غزة والهدف الثاني كان إعاقة المصالحة الفلسطينية والنتيجة كانت لصالح إسرائيل التي ظلت تكرر أنه لا يوجد شريك فلسطيني للتفاوض معه وبهذا يتعطل الحل ويتحقق حلم بنيامين نتانياهو .
هناك أيضا أسباب خفية وراء التأييد الإيراني والدعم لحركتي حماس والجهاد لإبقاء التوتر في غزة قائما وكذلك كان هدف صدام حسين من قبل عندما كان يحرض الحركتين على القيام بأعمال انتحارية لتدمير عملية السلام في تسعينات القرن الماضي. ولا شك أيضا أن هذا الهدف كان عند آخرين مثلما كان عند إسرائيل أيضا. وهي أهداف قد تختلف في التفاصيل لكنها تتشابه في الهدف.
المساعدات العسكرية الإيرانية لحركة حماس لم تكن إلا بقصد واحد هو أن يظل الفلسطينيون هناك بحاجة دائمة إلى إيران. وكان افتعال الاشتباكات مع إسرائيل فرصة للحركة لكي تروج لنفسها وتعزز مكانتها وتفرض سيطرتها وتقوي موقفها في مواجهة السلطة الفلسطينية. وهذه الاشتباكات كانت بهدف تعطيل المساعدات التي تدخل القطاع والنتيجة ازدهار تجارة الأنفاق بين غزة والخارج.
لماذا قبلت حماس أن تسقط في فخ إيران وتتحول إلى أداة لتنفيذ سياستها؟ لماذا لم تطلب حماس من إيران مساعدات إنسانيه بدلا من المساعدات العسكرية. لماذا لم تتحول غزة إلى بيئة حاضنة للتنمية والاستثمار والإنتاج بدلا من التحول إلى مجرد مخابىء وانفاق لمسلحين تقود أعمالهم إلى دمار وخراب لبلدهم وشعبهم؟لم يكن من مصلحة حركة حماس أبداً الحصول على مساعدات إنسانيه وتعليمية لأنه في حال توفر هذه المساعدات تتحسن أوضاع المواطنين في القطاع ومن شان ذلك أن يفقد الحركة سلاح المظلومية والحصار الذي تستغله لمصلحتها.
وبدون قصد توجيه أي اتهامات لأي جهة اعتقد أن أطرافا بعينها كانت تشجع حماس والجهاد على إبقاء التوتر قائما متغاضين عن تهريب السلاح والأموال والهدف هو حرمان قطاع غزة من الاستقرار وكذلك حرمانه من التحول إلى قِبلة سياحية متطورة تجذب إليها الزوار كما كان مخططا لها بعد اتفاقات أوسلو.
ولكن إلى متى سيظل شعبنا تغيب عنه حقائق مصيرية من المفترض أن يدركها وان يعمل على مواجهة أثارها؟ من اطلق حماس في الأصل ووفر لها الحواضن الأولى؟ أحد الكتاب الفلسطينيين المشهورين قال في مقالين نشرهما عامي 2018 و2019 أنه تتوفر الكثير من الوثائق والمعلومات بأن حركة حماس بدأت كفكرة إسرائيلية نكاية بالحركة الوطنية الفلسطينية.
ليس الآن وقت العتاب أو التجريح لكن هذا الكاتب الذي تحمس كثيرا لغزوة السابع من أكتوبر واستمات واحتد كثيرا في الدفاع عن حماس في مقابلة مع فضائية عربية كان قد نشر هذين المقالين على موقعي وكالة الأنباء الفلسطينية وشبكة فلسطين الإخبارية وكان المقال بعنوان “حماس فكرة وصناعة إسرائيلية”.ويشير في المقال إلى وجود دراسات وأبحاث وصحف ودوائر استخبارات تقول أن حماس ذات منشأ إسرائيلي وفكرة أيدتها واشنطن. وأرادت إسرائيل من صناعة حماس كما يقول الكاتب كبح حركة فتح وينقل عن موظفة في وكالة الاستخبارات الأميركية قولها أن الأموال تدفقت على حماس بعلم الوكالة…
وفي مقال قبل هذا نشره الكاتب نفسه في موقع عروبة الإخباري بتاريخ 23/3/2018 نشر الكاتب هجاءً حادا لحركة حماس متهما إياها بأنها تلعب الثلاث ورقات.
لماذا الإشارة إلى هذه العلاقة بين حماس وإسرائيل هنا؟ الجواب أنه بعد غزوة أكتوبر نشطت الصحافة الإسرائيلية بتوثيق تفاصيل العلاقات بين إسرائيل وحماس وبشكل خاص بين بنيامين نتانياهو والحركة. في شهر أغسطس 2019 قال إيهود باراك رئيس وزراء إسرائيل الأسبق قال أن استراتيجية بنيامين نتانياهو على الدوام كانت إبقاء حماس على قيد الحياة حتى على حساب حياة سكان غلاف غزة بهدف إضعاف السلطة الفلسطينية. لذلك وبعيدا عن التخيلات والأوهامفقد اهمل نتانياهو متعمدا التحذيرات بشأن احتمال قيام حماس بعملية السابع من أكتوبر. وإذا كان هناك ثمة إجماع على وقوع هذا الإهمال فهناك اختلاف بشأن سببه. فهل كان السبب عدم تصديق التحذيرات أم رغبة من جهات ما في إسرائيل توريط نتانياهو أو في إيجاد ذريعة لتدمير حماس والتخلص منها؟
بطبيعة الحال وجد بنيامين نتانياهو نفسه بسبب سياساته المتهاونة مع حماس العامل الأول في تسمين حماس وتسليحها ولهذا كانت حربه على الحركة بهذه الشراسة وكأنه ينتقم لنفسه قبل أن ينتقم لضحايا غزوة حماس.