نوفمبر 2, 2024

اسم الكاتب : ادهم الشبيب

يعرفُ النبي عليه الصلاة والسلام -وهو النبي المجاهد قائد الغزوات ومجهز السرايا في سبيل الله- إن القائد يموت كما يموت جنده بل ربما قبلهم وكلٌّ بأجله ، ولذا فقد كان يؤمُر على السرية قائدا ويؤمر معه من يخلفه ، فهذا دين الله ماضٍ بمن بقي حيا وسامٍ بمن قضى نحبه في سبيله من الصادقين ، وقد قُتل زيد وقتل جعفر على ارض الجزيرة -كما تحسّب رسول الله – ولكن دخلت بعدهما القبائل دين الإسلام ، ثم مات خالد في فراشه وعلى جسده مائة طعنة رمح وضربة سيف بعد عشرات المعارك ومات سعد ومات المثنى ولكن فتحت على أيديهم و بعدهم البلدان ،وقتل عليّ في محرابه وهو أسد الله الغالب وبقي الدين وفتحت افريقيا والاندلس وسمرقند ووصلوا الهند والسند وبلاد البلقان ،
“رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه” لا يهمهم من خذلهم ولا يرعبهم الموت ولا تثنيهم التهديدات والمكائد ، يظن اعداء المسلمين ان المسلمين يحزنون كما هم يحزنون لمقتل قادتهم او ينكسرون بل هم يهنؤون بعضهم عند سماع خبر استشهاد المجاهدين سواء كانوا قادة أو مقاتلين فالشهيد في أعلى المنازل كما يقول الله تعالى:{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ • فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ • يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ }
والمجاهدون يزداد عددهم كل يوم والقادة لا ينقصون فكل المجاهدين والمقاومين قادة . والذين تولوا القيادة بالامس لم نكن نسمع بهم قبل أمس ، ومن يتولى اليوم ربما لم نسمع عنه امس ومن سيتولى بعد حين لا نعرفه اليوم فالأجساد تفنى والقضية تبقى. فقائد يسقط مشتبكاً مُقبلاً كأحد رجاله في الميدان كما فعل السنوار ولم يكن “متواريا طول الوقت” في الأنفاق كما روّج المرجفون ولم يترك أهل غزة وحدهم كما زعم المبطلون ، هدم روايات عدوه المحتل في حياته ونسف روايات المنافقين برحيله فلنعم القائد كهذا وطاب حيا و ميتا.
صُعق اعداء المجاهدين وبهتوا أذ قتل القائد في قلب المعركة بالاشتباك ، لا بالرصد ولا بالاختراق ولا بالاغتيال الدنيء ، اشتبك ولم يتراجع وفي عنقه كوفيته وبين يديه بندقيته وفوق صدره جعبته ، سرّبوا صوره الأخيرة ليرهبونا فكانت بيانا ناطقا لنا وتبيانا ان في الأمة رجالا ما زالوا من طراز عتيد يستقبلون الرصاص في الجبهة والرأس لا في الظهر ولا في الذراع ، يموت الواحد منهم مقبلا غير مدبر {إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ} أقام أمثال السنوار الحجة علينا لنتخلى عن اوهامنا وتحليلاتنا وتأويلاتنا التي مبعثها الجبن والفزع وأغلق أمامنا طريق الخذلان وهزم التبعية والمذلة.
لم تصل إلى هذا الرجل المخابرات العالمية ولم يترك لهم طريقا حتى للغدر -كما غدروا ببعض رفاقه ممن أمِن للخائنين- لأنهم لم يفهموا شجاعته ولم يخطر ببالهم أنه في الصف الأول بين اخوانه الجنود مرتدياً بزته متمنطقا بسلاحه ،رجال كهؤلاء يستعصون على هذا العالم المنافق حتى آخر أيامهم لأنهم يولدون في الميدان ويموتون فيه ، هذه أمة المسلمين وهؤلاء رجالها عبر التاريخ يتوارثون الشهادة كما يتوارثون القيادة إن مات لها قائد ورثه ألف قائد ،
فقد كان أول من أحيا قضية قتال الصليبين وطردهم من بيت المقدس القائد مودود ️ثم مات واستمرت القضية فكان موته وقودا لمواصلة الطريق لتحرير بيت المقدس فتولى من بعده عماد الدين زنكي وقاد معارك وفتوحات ️ثم مات و كان موته شعلة لمواصلة المسير للتحرير ثم تولى من بعده نور الدين وقاد معارك وفتوحات واقترب من النصر خطوة ️ثم مات وكان موته وعودا لمواصلة الطريق حتى جاء صلاح الدين ففتح الله على يديه وتحرر المسجد الأقصى وبلاد الشام ، وقد مات صلاح الدين ولا تزال الأمة يخرج منها قائد يتلوه قائد وصدق الله تعالى { مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ رِجَالࣱ صَدَقُوا۟ مَا عَـٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ عَلَیۡهِۖ فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن یَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُوا۟ تَبۡدِیلࣰا } ،ومات في عصرنا عمر المختار واستقلت بعده ليبيا ومات بن بولعيد و مات بن مهدي و مات عبان رمضان و مات ديدوش مراد و مات الامير عبد القادر و مات مليون ونصف صنديد و لكن الجزائر استقلت و كذلك فلسطين وكل بلاد المسلمين ، وسيصير الاولاد رجالا ويقاتلون ويواصلون ،
وقد مات قبل ذلك أشرف المرسلين صلى الله عليه وسلم و أبو بكر بعده وعمر وعثمان وعليّ رضى الله عنهم أجمعين ومات كثيرون بعدهم ولم ولن يموت الإيمان والدين {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ }
والحمد لله رب العالمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *