اسم الكاتب : صادق السامرائي
كتاباتنا وحواراتنا ونشاطاتنا المتنوعة , تدور حول الأشخاص وتتناسى الوطن والمواطن.
فالمقالات التي تتحدث عن الأشخاص مقروءة أكثر من المقالات التي تتحدث عن ظاهرة أو موضوع يهم المواطن والمصلحة العامة.
فهل لدينا ميل غريب , وربما منحرف للإهتمام بالأشخاص , بدلا من الوطن ومصالحه ومصالحنا العامة.
تحدثنا وكتبنا الآلاف من المقالات عن الأشخاص , وما تجد إلا القليل منها لا تتناول هذا وذاك من أصحاب الكراسي والسلطة.
فلماذا الوسوسة بالأشخاص؟
هل لأن الوطن يتحول في وعينا إلى شخص ؟
هل لأن الوطن فئة أو طائفة؟
هل لأن الوطن كرسي أو حزب؟
إن هذه الكتابات والولع بالأشخاص , يؤكدان أن الوطن مغيّب في وعينا , وأننا بشر بلا وطن كالآخرين , وإنما وطننا الكرسي والسلطة.
وإلا ماذا يعني أن ينشغل الناس بفلان وعلان من أصحاب الكراسي , ويدخلون في أنفاق وإلتواءات , ويفقدون بوصلة الطريق الصحيح , وينحدرون في عثرات الدروب والوديان والجحور والأنفاق والآبار الظلماء.
مَن هو فلان أو فلان؟
لماذا لا نكتب بمداد وبيراع الوطن ؟
هل لأننا قتلنا الوطن في وعينا , وألغيناه من عقولنا وطردناه من خيالنا؟
إن أسلوبنا في الإقتراب من الأحداث والتطورات , منحرف ومضطرب وبدائي , يدعو الآخرين إلى الإستغراب منا والإستهزاء بعقولنا , وعدم إحترامنا.
قد ينكر البعض ذلك , لكن الذي يجري عندما تنظره من بعيد يكشف مأساة تفكيرنا, الذي يعاني من معضلة حضارية خطيرة , وكأنه لا يعيش في عصره , ويندحر في جحور زمنية , طمرتها البشرية منذ قرون وقرون , فترانا نتصرف بآليات عقلية ونفسية بائدة , ومتخلفة عن زمانها.
إن التركيز على الأشخاص يعني نفي الوطن , وإلغاء التقدم , وإستلطاف المراوحة , والحركة في الأطيان والأوحال.
والمجتمعات لا تتقدم وتعاصر إذا إنشغلت بأشخاص مضطربين في سلوكهم , الذي يسمونه جزافا سياسيا , وهو كسلوك الأطفال المصابين بإضطراب الحركة والإنتباه , والذين يستنزفون طاقات أبويهم في المتابعة والرعاية.
فالمجتمع وفي جميع الفترات , ينشغل بالذين يحسبون أنفسهم أسوياء وهم مألوسين , وجرثومة الكراسي تنخر في عقولهم نخرا مروعا.
تبا للأشخاص , أيا كان لونهم ومسمياتهم , وتبت ألاعيبهم وتفاعلاتهم الرامية لإشغال الناس بهذيناتهم وإنحرافاتهم السلوكية.
فلنهمل الأشخاص ونرى الوطن والمواطن.
فاليلاد وطننا الحضاري الكبير العريق , الذي علينا أن نرعاه لكي يرعانا , فيأنس بنا وننعم بخيراته ومقامه الكبير.
فالأوطان بأبنائها , ووطننا ليس الشخص أو الكرسي.
فجميعهم يذهبون ويبقى الوطن.
فلنغير آليات تفكيرنا لكي يولد الوطن المعاصر الجديد.