الكاتب : فاضل حسن شريف
جاء في معاني القرآن الكريم: عزز العزة: حالة مانعة للإنسان من أن يغلب. من قولهم: أرض عزاز. أي: صلبة. قال تعالى: “أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا” (النساء 139). وتعزز اللحم: اشتد وعز، كأنه حصل في عزاز يصعب الوصول إليه، كقولهم: تظلف أي: حصل في ظلف من الأرض (الظلف والظلف من الأرض: الغليظ الذي لا يؤدي أثرا. انظر: اللسان (ظلف))، والعزيز: الذي يقهر ولا يقهر. قال تعالى: “إنه هو العزيز الحكيم” (العنكبوت 26)، “يا أيها العزيز مسنا” (يوسف 88)، قال: “ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين” (المنافقون 8)، “سبحان ربك رب العزة” (الصافات 180)، فقد يمدح بالعزة تارة كما ترى، ويذم بها تارة كعزة الكفار. قال: “بل الذين كفروا في عزة وشقاق” (ص 2). ووجه ذلك أن العزة التي لله ولرسوله وللمؤمنين هي الدائمة الباقية التي هي العزة الحقيقة، والعزة التي هي للكافرين هي التعزز، وهو في الحقيقة ذل كما قال عليه الصلاة والسلام: (كل عز ليس بالله فهو ذل) (جاء بمعناه عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من اعتز بالعبد أذله الله.
عن موقع مع الله أسلوب التكرار في القرآن الكريم: 1- مفهوم التكرار: هو تكرار كلمة أو جملة أكثر من مرة لأغَراض متعددة كالتوكيد، والتهويل، والتعظيم، وغيرها. 2- أنواع التكرار في القرآن الكريم قسَّم التكرار الوارد في القرآن الكريم إلى نوعين: أولا: تكرار اللفظ والمعنى وهو ما تكرر فيه اللفظ دون اختلاف في المعنى وقد جاء على وجهين: موصول، ومفصول. 1- أما الموصول فقد جاء على وجوه متعددة: أ- إما تكرار كلمات في سياق الآية قال الله تعالى: “هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ” (المؤمنون 36) ب – وإما في آخر الآية وأول التي بعدها قال الله تعالى: “وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا. قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً” (الإنسان 15 – 16) ج – وإما في أواخرها: قال الله تعالى: “كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً” (الفجر 21) د- وإما تكرر الآية بعد الآية مباشرة قال الله تعالى: “فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً” (الشرح 5- 6) 2- وأما المفصول فيأتي على صورتين إما تكرار في السورة نفسها، وإما تكرار في القرآن كله. أ- التكرار في السورة نفسها قال الله تعالى: “وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ” (الشعراء 9) تكرر في سورة الشعراء 8 مرات قال الله تعالى: “وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ” (المرسلات 15) تكرر في سورة المرسلات 10 مرات قال الله تعالى: “فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ” (الرحمن 13) تكرر في سورة الرحمن 31 مرة. ب – التكرار في القرآن كله قال الله تعالى: “وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ” تكرر 6 مرات: في يونس (48) و الأنبياء (38) و النمل (71) و سبأ (29) و يس (48) و الملك (25). قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ” تكرر مرتين في التوبة (73) و التحريم (9). ثانيا: التكرار في المعنى دون اللفظ وذلك مثل قصص الأنبياء مع أقوامهم، وذِكر الجنة ونعيمها، والنار وجحيمها.
عن تفسير الميسر: قوله تعالى الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴿النساء 139﴾ الْعِزَّةَ: الْ اداة تعريف، عِزَّةَ اسم. العزّة: المَنَعة و القوّة و النُصرة. الذين يوالون الكافرين، ويتخذونهم أعوانًا لهم، ويتركون ولاية المؤمنين، ولا يرغبون في مودتهم. أيطلبون بذلك النصرة والمنعة عند الكافرين؟ إنهم لا يملكون ذلك، فالنصرة والعزة والقوة جميعها لله تعالى وحده. قوله سبحانه “مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَـٰئِكَ هُوَ يَبُورُ” ﴿فاطر 10﴾.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله سبحانه “مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَـٰئِكَ هُوَ يَبُورُ” ﴿فاطر 10﴾ توضّح الآية طريق الوصول إلى (العزّة) فيقول تعالى: “إليه يصعد الكلم الطيّب والعمل الصالح يرفعه”. (الكلم الطيّب): طيّبٌ بمحتواه، وذلك لأجل المفاهيم التي تنطبق على الواقع العيني الظاهر المشرق، وما هو أطهر وأكثر واقعية من ذات الله تعالى، ومرآة حقّه وعدالته، وهؤلاء الصلحاء الذين يسلكون طريق نشر ذلك؟ لذا فقد فسّر (الكلم الطيّب) بأنّه العقائد الصحيحة فيما يخصّ المبدأ والمعاد والنبوّة، نعم. فعقيدة صحيحة هكذا تصعد إلى الله، وتجعل المعتقد بها يحلق هو الآخر، حتّى يكون في قرب جوار الحقّ تعالى، وتغمره في عزّة الله ليكون عزيزاً. بديهي أن ينبت من هذا الجذر الطاهر، ساق وفروع، ثمرها العمل الصالح، وكلّ عمل لائق وبنّاء ومفيد، سواء كانت دعوة إلى الحقّ، أو حماية لمظلوم، أو جهاداً للظلم والطغيان، أو تقويم النفس والعبادة، أو تعلّم، وبالجملة فكلّ عمل خير يدخل في هذا المفهوم الشامل الواسع، إذا كان لأجله سبحانه ـ فقط ـ ولأجل كسب رضاه فهو يصعد إليه، ويعرج في سماء لطفه سبحانه ويكون سبباً في تكامل ومعراج صاحبه حتّى يجعله أهلا للتعزّز بعزّة الحقّ تعالى. وذلك هوما أشارت إليه الآية (24) من سورة إبراهيم: “أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا” (إبراهيم 24-25). وممّا ذكرنا، يتّضح أنّ ما قال به بعض المفسّرين من أنّ (الكلمة الطيّبة) هي “لا إله إلاّ الله) أو (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر) أو (إثبات الرسالة للرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم والولاية والخلافة لعلي عليه السلام بعد التوحيد) أو ما ورد في بعض الروايات من أنّ (الكلم الطيّب) و(العمل الصالح) هو (ولاية أهل البيت عليهم السلام) أو أمثال هذه التفاسير، فإنّها جميعاً من قبيل بيان المصاديق الأكثر وضوحاً لذلك المفهوم الواسع الشامل، وليس من قبيل وضع الحدود لذلك المفهوم. إذ أنّ كلّ كلام طيّب وصالح المحتوى يدخل تحت هذا العنوان. على كلّ حال هو الله سبحانه وتعالى الذي يحيي الأرض الميتة بقطرات المطر ـ بمقتضى الآية السابقة ـ هو سبحانه الذي ينمي (الكلام الطيّب) و(العمل الصالح) ويوصله إلى جوار قربه تعالى. ثمّ تنتقل الآية إلى ما يقابل كلّ ذلك فتقول: “والذين يمكرون السيّئات لهم عذاب شديد ومكر اُولئك هو يبور”. فمع أنّ هؤلاء الفاسدين المفسدين توهّمون أنّهم بالظلم والكذب والتزوير يستطيعون كسب العزّة والمال والثروة والقدرة، إلاّ أنّهم في النهاية يضعون أنفسهم في قبضة العذاب الإلهي من جهة، وكلّ جهودهم تذهب أدراج الرياح من جهة اُخرى. أشخاص قال عنهم القرآن: “وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا” (مريم: 81) ومنافقون اعتقدوا بعزّتهم، وذلّة المؤمنين “يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ” (المنافقون 8) وآخرون اعتقدوا بأنّ القرب من الفراعنة سبب لعزّتهم، وأراد غيرهم الكرامة بالظلم والإضطهاد، لكنّهم يتساقطون دوماً، والإيمان والعمل الصالح فقط هو الذي يصعد إلى الله سبحانه. (مكر): مع أنّ هذه الكلمة لغوياً بمعنى التفكّر في حلّ المشكل، ولكنّها جاءت في موارد كثيرة بمعنى التفكّر بالحلّ مع إقترانها بالإفساد، كما في هذه الآية. (السيّئات): كلّ القبائح والمذمومات، أعمّ من القبائح الإعتقادية أو العملية، وما ذكره بعض المفسّرين من أنّ المعنى هو المؤامرات التي قام بها المشركون لقتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو إبعاده عن مكّة، فليس هو إلاّ أحد مصاديق الكلمة دون مفهومها العامّ. جملة (يبور) من مادّة (بوار) و(بوران) في الأصل بمعنى الكساد المفرط، ولأنّ مثل هذا الكساد يكون سبباً للهلاك، فقد استخدمت هذه الكلمة للتعبير عن الهلاك والفناء، وكما قيل (كسد حتّى فسد).
قوله تعالى “الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴿النساء 139﴾ يأتي التساؤل في الآية عن هدف هؤلاء المنافقين من صحبة الكافرين، وهل أنّهم يريدون حقّا أن يكتسبوا الشرف والفخر عبر هذه الصحبة؟ تقول الآية: “أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ” بينما العزة والشرف كلها لله “فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً” لأنّها تنبع من العلم والقدرة، وأن الكفار لا يمتلكون من القوّة والعلم شيئا، ولذلك فإنّ علمهم لا شيء أيضا، ولا يستطيعون إنجاز شيء لكي يصبحوا مصدرا للعزّة والشرف. إنّ هذه الآية ـ في الحقيقة ـ تحذير للمسلمين بأن لا يلتمسوا الفخر والعزّة في شؤونهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية عن طريق إنشاء علاقات الود والصداقة مع أعداء الإسلام، بل إنّ عليهم أن يعتمدوا في ذلك على الذات الإلهية الطاهرة التي هي مصدر للعزة والشرف كله، وأعداء الإسلام لا عزّة لديهم لكي يهبوها لأحد، وحتى لو امتلكوها لما أمكن الركون إليهم والاعتماد عليهم، لأنّهم متى ما اقتضت مصالحهم الشخصية تخلوا عن أقرب حلفائهم وركضوا وراء مصالحهم، وكأنّهم لم يكونوا ليعرفوا هؤلاء الحلفاء مسبقا، والتاريخ المعاصر خير دليل على هذا السلوك النفعي الانتهازي.