الكاتب : فاضل حسن شريف
عن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله عز وعلا “كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ” (البقرة 213) “كان الناس أمة واحدة” على الإيمان فاختلفوا بأن آمن بعض وكفر بعض “فبعث الله النبيين” إليهم “مبشِّرين” من آمن بالجنة “ومنذرين” من كفر بالنار، “وأنزل معهم الكتاب” بمعنى الكتب “بالحق” متعلق بأنزل “ليحكم” به “بين الناس فيما اختلفوا فيه” من الدين، “وما اختلف فيه” أي الدين “إلا الذين أوتوه” أي الكتاب فآمن بعض وكفر بعض “من بعد ما جاءتهم البينات” الحجج الظاهرة على التوحيد ومن متعلقة باختلاف وهي وما بعدها مقدم على الاستثناء في المعنى “بغيا” من الكافرين “بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من” للبيان “الحق بإذنه” بإرادته، “والله يهدي من يشاء” هدايته “إلى صراط مستقيم” طريق الحق.
جاء في موقع اسلام ويب عن لفظ (الأمة) في القرآن الكريم: روى الصنعاني في “مصنفه” عن الصحابي الجليل أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: (لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوهاً كثيرة)، أي: أن الذي يتعامل مع القرآن فهماً وتفسيراً واستنباطاً ينبغي عليه أن يكون على بينة من وجوه التفسير التي جاءت عليه ألفاظه وآياته، وإلا لم يفهم القرآن حق الفهم، ولم يفقهه حق الفقه. والمأثور في هذا المعنى عن الصحابة والتابعين كثير. وانطلاقاً من هذا المروي عن أبي الدرداء رضي الله عنه وما جاء في معناه، نتحدث عن لفظ ( الأمة) في القرآن ومعانيه التي جاء عليها. ورد لفظ ( الأمة ) في القرآن الكريم سبعاً وأربعين مرة، منها قوله تعالى: “ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة” (البقرة 128)، كما ورد هذا اللفظ بصيغة الجمع ( أمم ) في اثني عشر موضعاً، منها قوله سبحانه: “ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك” (الأنعام:42). وجاء في القرآن من مشتقات هذا اللفظ لفظ ( أئمة ) في خمسة مواضع، منها قوله تعالى: “وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا” (الأنبياء 73)؛ ولفظ ( إمام ) في سبعة مواضع، منها قوله سبحانه: “قال إني جاعلك للناس إماما” (البقرة 124)؛ ولفظ ( الأُمِّي ) وقد ورد هذا اللفظ ست مرات، منها قوله سبحانه: “الذين يتبعون الرسول النبي الأمي” (الأعراف 157).
جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز وعلا “كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ” ﴿البقرة 213﴾ بين سبحانه أحوال من تقدم من الكفار تسلية للنبي فقال “كان الناس أمة واحدة” أي ذوي أمة واحدة أي أهل ملة واحدة وعلى دين واحد فحذف المضاف واختلف في أنهم على أي دين كانوا فقال قوم أنهم كانوا على الكفر وهو المروي عن ابن عباس في إحدى الروايتين والحسن واختاره الجبائي ثم اختلفوا في أي وقت كانوا كفارا فقال الحسن كانوا كفارا بين آدم ونوح وقال بعضهم كانوا كفارا بعد نوح إلى أن بعث الله إبراهيم والنبيين بعده وقال بعضهم كانوا كفارا عند مبعث كل نبي وهذا غير صحيح لأن الله بعث كثيرا من الأنبياء إلى المؤمنين. فإن قيل: كيف يجوز أن يكون الناس كلهم كفارا والله تعالى لا يجوز أن يخلي الأرض من حجة له على خلقه؟ قلنا: يجوز أن يكون الحق هناك في واحد، أو جماعة قليلة لم يمكنهم إظهار الدين خوفا وتقية فلم يعتد بهم إذا كانت الغلبة للكفار وقال آخرون إنهم كانوا على الحق وهو المروي عن قتادة ومجاهد وعكرمة والضحاك وابن عباس في الرواية الأخرى ثم اختلفوا فقال ابن عباس وقتادة هم كانوا بين آدم ونوح وهم عشر فرق كانوا على شريعة من الحق فاختلفوا بعد ذلك وقال الواقدي والكلبي هم أهل سفينة نوح حين غرق الله الخلق ثم اختلفوا بعد ذلك فالتقدير على قول هؤلاء “كان الناس أمة واحدة” فاختلفوا. “فبعث الله النبيين” وقال مجاهد المراد به آدم كان على الحق إماما لذريته فبعث الله النبيين في ولده وروى أصحابنا عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال كانوا قبل نوح أمة واحدة على فطرة الله لا مهتدين ولا ضلالا فبعث الله النبيين وعلى هذا فالمعنى أنهم كانوا متعبدين بما في عقولهم غير مهتدين إلى نبوة ولا شريعة ثم بعث الله النبيين بالشرائع لما علم أن مصالحهم فيها “فبعث الله” أي أرسل الله النبيين. “مبشرين” لمن أطاعهم بالجنة “ومنذرين” لمن عصاهم بالنار “وأنزل معهم الكتاب” أي أنزل مع كل واحد منهم الكتاب وقيل معناه وأنزل مع بعثهم الكتاب إذ الأنبياء لم يكونوا منزلين حتى ينزل الكتاب معهم وأراد به مع بعضهم لأنه لم ينزل مع كل نبي كتاب وقيل المراد به الكتب لأن الكتاب اسم جنس فمعناه الجمع قوله “بالحق” أي بالصدق والعدل وقيل معناه وأنزل الكتاب بأنه حق وأنه من عند الله وقيل معناه وأنزل الكتاب بما فيه من بيان الحق وقوله “ليحكم بين الناس” الضمير في يحكم يرجع إلى الله أي ليحكم الله منزل الكتاب وقيل يرجع إلى الكتاب أي ليحكم الكتاب فأضاف الحكم إلى الكتاب وإن كان الله هو الذي يحكم على جهة التفخيم لأمر الكتاب. “فيما اختلفوا فيه” من الحق قبل إنزال الكتاب ومتى سئل عن هذا فقيل إذا كانوا مختلفين في الحق فكيف عمهم الكفر في قول من قال أنهم كانوا كلهم كفارا فجوابه أنه لا يمتنع أن يكونوا كفارا وبعضهم يكفر من جهة الغلو وبعضهم يكفر من جهة التقصير كما كفرت اليهود والنصارى في المسيح فقالت النصارى هورب وقالت اليهود هو كاذب.
عن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله عز وعلا “كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ” ﴿البقرة 213﴾ الاختلاف بين الناس: وجد الاختلاف بين الناس منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل، واستمر حتى اليوم، وسيبقى إلى آخر يوم.. ولا يختص الاختلاف بأهل الأديان، كما يحلو للمستهترين أن ينتقدوا، أو يتحذلقوا.. فان اختلاف غيرهم قد بلغ النهاية، وتجاوز الكلام إلى الحروب الطاحنة، فالتناقضات بين الدول الرأسمالية أدت إلى حرب نووية، فقنبلة هيروشيما ألقتها على النساء والأطفال دولة رأسمالية ضد دولة مثلها.. وانقسام الجبهة الاشتراكية لم يخف على أحد، كما مهد السبيل للسياسة العدوانية على الشعوب المستضعفة، وشتات كل من الدول الإفريقية والاسيوية ضمن النجاح لكل من أراد استغلالها والسيطرة على مقدراتها. ومهما يكن، فإن للاختلاف أسبابا كثيرة، منها التباين في الثقافة والتربية، ومنها التغاير في الاستعداد والموهبة، ومنها الاختلاف في الطبع والمزاج، ومنها التصادم بين المصالح والمنفعة الخاصة. والاختلاف الناشئ من تباين الثقافة، أو الموهبة، أو المزاج يمكن علاجه بالاحتكام إلى مبادئ أثبتها العلم والتجربة، أما الاختلاف الناشئ من تصادم المنافع الشخصية فلا علاج له إلا ردع المعتدي بالقوة، وكلامنا في هذه الفقرة متمم لما قلناه في فقرة (كل يعزز دينه) عند تفسير الآية 113.
من رسالة ماجستير للسيد الطاهر بن احمد (2010) عن الاقليات: الأقلية العرقية “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَة ” (هود 118): وهي مجموعة سكانية “رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ” (آل عمران 9) تختلف عن بقية السكان على أساس صفات بيولوجية كلون البشرة “قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا” (البقرة 69)، أو لون العينين “يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ” (آل عمران 13)، الشعر أو طول القامة، فهذه الجماعة تشعر بأنها تنحدر من أصل”كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَة” (البقرة 213) أو عرق معين، ومن ثم فإنها تتميز بما تمتلكه من خصائص طبيعية موروثة.