الكاتب : سلمان رشيد الهلالي
صدر عام 2021 النسخة العربية لكتاب المفكر الايراني التنويري عبد الكريم سروش (كلام محمد رؤى محمد) وترجمة احمد الكناني . وفيه عرض رؤية مبتكرة للقران – او لوصول القران الينا – يعتقد فيها بانه رؤيا او الهام من قبل النبي محمد , او نتاج مباشر لتجربته الدينية والمعرفية , الا انها بالاخير ايضا نتاج غير مباشر من الله . وهذه الرؤية تختلف عن الاراء الثلاث السابقة حول القران . فقد كانت هناك ثلاث اراء حول القران وكيفية نزوله وهى :
الاول : وتعتقد ان هذا القران كله من الله (المعاني والالفاظ) وان النبي محمد مجرد ناقل لتلك السور والايات عن طريق الوحي , وهذا الوحي هو ملاك اسمه بحسب السرديات الاسلامية (جبرائيل) . وهذا الراي هو محل اجماع المسلمين التقليديين حاليا (الشيعة والسنة) بعلمائهم وعامتهم . قال العلامة الطباطبائي (ان الفاظ القران نازلة من عند الله , كما ان معانيها نازلة من عنده) .
الثاني : وهى اراء الملحدين والمستشرقين وتعتقد ان هذا القران كله من محمد (ولا تقول النبي) وهو من تاليفه واختراعه , وانه ادعى النبوة لغرض الزعامة والسيطرة والحكم على العرب . ومن الطبيعي ان يكون راي هذا الملحدين , فهم لايعتقدون بالله او النبوة والمعاد والروح واليوم الاخر وغيرها من الامور الغيبية . وتتلخص اراءهم حول القران بانه غير الهي المنشأ , بل هو بشري بالمطلق , وانه يقدم خطابا اسطوريا (اسماها ادونيس الاساطير الشرعية) ومعلوماته متناقضة وغير دقيقة وغيرها من الاراء .
الثالث : وهى اراء التنويريين والعقلانيين الاسلاميين وجمعت بين الرأيين السابقين . فهى تعتقد ان معاني القران من الله وتصل للنبي محمد من خلال الوحي كاطار عام , الا ان الالفاظ والكلمات والصياغة اللغوية من النبي محمد . ويطلق على هذا الراي (تاريخانية القران) .
الا ان هناك من يقول بان القران نزل باللوح المحفوظ من الله , وان جبرائيل هو من صاغ تلك الالفاظ والكلمات بالعربية . فيما اعتقد غيرهم ان جبرئيل نزل المعاني للنبي محمد الذي صاغها باسلوبه والفاظه . قال السمرقندي (ان جبرئيل نزل على النبي بالمعاني خاصة , واستند على الاية القرانية (نزل به الروح الامين على قلبك) (سورة الشعراء) . قال الزركشي في كتاب (البرهان في علوم القران) (ان القران عرض والعرض لاينسب اليه تعالى , وانما الى المعروض , وليس هذا بالكلام الالهي وانما هو كلام النبي) . كما اعتمد هذا الراي الماتريدي ونصر حامد ابو زيد وولي الله دهلوي وغيرهم . وهذا الراي لم يطرح بطرا , وانما اريد به التوافق بين الوحي من الله وبين ثقافة الجزيرة العربية في ايات القران واحوال النبي التاريخية والشخصية , فمثلا ذكرت الاية (افلا ينظرون الى الابل كيف خلقت) والابل كما نعلم منتشرة في صحراء الجزيرة , فيما اذا كان النبي محمد في السويد , فربما قالت الاية (افلا ينظرون الى الفقمة كيف خلقت) . وان جذور هذا الراي في قضية خلق القران عند المعتزلة وبشكل ضمني .
واما المفكر الايراني عبد الكريم سروش الذي تاثر به الكثير من العراقيون من امثال السيد كمال الحيدري والسيد احمد القبانجي , فقد جاء الينا برؤية جديدة تختلف عن الاراء الثلاث السابقة , (رغم انها تقارب الراي الثالث نسبيا) ذكرها في كتابه (بسط التجربة النبوية) وعززها في كتابه (كلام محمد رؤى محمد) وهى (ان الوحي هو الالهام , وهو ذات التجربة التي يمتلكها الشعراء والعرفاء , نعم هى بمرتبة اسمى عند الانبياء , وكما قال احد الفلاسفة المسلمين (ان الوحي هو مرتبة عالية من الشعر) وان حال النبي كحال الشاعر يحمل احساسا , وان هناك قوة خارجة عنه تمتلكه , احساس اسمى وارقى مما هو عليه حال الشاعر – والهام النبي نابع من ذاته , وان شخصية النبي محمد البشرية والتاريخية تتجلى في جميع مواضيع القران) .
واكد سروش ايضا (ان علماء القرون الوسطى لم يظهروا تلك الاراء بشكل ظاهر , وانما من خلال خطابات متراكمة او بين السطور , وذلك لصعوبة هضم الفكرة من قبل الناس . وعبر عن ذلك العارف المولوي بان شخصية النبي وتغير احواله واوقاته الجيدة والسيئة كل ذلك منعكس في القران , حتى انه قال ان تعدد الزوجات في القران جاء نتيجة عشق النبي محمد للنساء) .
وقال سروش ايضا في معرض رده على اية الله جعفر سبحاني (عندما نقول ان القران كلام محمد هو بالضبط كقولنا ان القران معجزة محمد , كلا الاثنين بمقياس واحد وينتسبون الى الله , وتاكيد احدهما لاينفي الاخر , وهو حاصل بعلم الله وارادته , ولهذا كلنا نعرف بان الكرز هو فاكهة شجرة الكرز , فهل يجب علينا ان نقول ان الله هو الذي يعطي الكرز حتى نكون موحدين ؟؟)
وقال ايضا بان (القول ان القران هو نتاج الكشف النبوي لمحمد بن عبد الله , لايعني بانه كشفا جزافا , او ان له الحق في التغيير , او تنزل عليه الايات متى يشاء , وانما تاتي ضمن مقدمات وسياق الهامي معين) .
واكد المفكر سروش (ان النص القراني هو اقرب الى لغة الرؤى والاحلام منه الى لغة اليقظة , والنبي راو لمشاهد ومناظر كان قد راها حقيقة في الرؤيا . فمشاهد القيامة مثلا كان قد راها بالفعل ونقلها الينا ليشاركنا تجربته القدسية , وهى مثل التجارب التي يمر بها العرفاء والمتصوفة , ولكنها اكثر عمقا . ان النبي لشدة قربه من الله صار الهيا فيما يقوله ويفعله) .
واخيرا قال سروش (لقد حصلت على ايماني من العرفاء وليس من الفقهاء , ولذا لااخشى على نفسي وايماني) .
واعتقد ان رأي سروش يتميز بالغموض والضبابية والتكلف , فضلا عن التكلف , فقوله هذا يحيلنا الى راي ان قصائد الشعراء هى ايضا من الله بصورة غير مباشرة , بل ان جميع اعمال البشر هى ايضا من الله بصورة غير مباشرة , وهذا يحيلنا لمذهب الجبر .