الكاتب : هادي حسن عليوي
الشراكة الوطنية قاعدتها عقد اجتماعي وحقوق متساوية لكل الموطنين في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية للمجتمع والدولة بشكل فاعل.. وتحقيق هذه الشراكة ونجاحها إنما هو الشرط الموضوعي لنجاح المشروع الوطني.. وما ينبغي أن يحصل عليه المواطن من مكاسب (ديمقراطية) ابتداءً من حقه ب(الأمن) الراسخ.. وانتهاءً بمطالب كثيرة مرتبطة بحقوقه الأخرى كمواطن وكانسان.. ولعل الشراكة الوطنية نفسها من بين العديد من العوامل الأخرى المعيار الأكثر أهمية في اختيار النموذج المناسب للديمقراطية..
فيما التطبيق الفعلي لمشروع الشراكة الوطنية في العراق.. خلال مسيرة السنوات الأربع عشرة الماضية اتسم بإخفاقات جسيمة وتباطؤ في بناء الدولة.. انعكس في عدم قدرة مواجهة الكثير من تركات الماضي الثقيلة.. ليضاف إليها تردي كبير في تقديم الخدمات العامة.. وتفشي الفساد.. وغياب الكفاءة للكثير من الصف الأول والثاني في قيادة الدولة.. واتساع البطالة.. وتصاعد في مستويات الجريمة.. وضعف في تطبيق القانون.. كل ذلك عرقله السير في إنضاج المشروع الوطني وتعزيز بناء الدولة الاتحادية.. ليصل الأمر في انهيار الجيش العراقي بشكل هائل أمام مجموعة داعش..
وإذا كان اختيار النموذج الديمقراطي التوافقي.. الذي اعتمدته التجربة العراقية أدى الى تجريد العملية الديمقراطية من وظيفتين أساسيتين.. هما: (الرقابة.. والمساءلة) للأداء الحكومي.. لتحل محلهما عمليات (الترضية والمجاملة).. والصفقات غير المشروعة.. فان ما نشهده اليوم من تحركات لإصلاح سياسي.. وظهور قوى اجتماعية جديدة.. ورفض شعبي لنظام المحاصصة.. والمطالبة الجادة والمستمرة للإصلاح الحقيقي.. مقابل استمرار كتل سياسية كبيرة بموقفين متضادين ومتناقضين.. أضف الى ذلك التمسك بتلابيب الدستور.. ومحاولات محمومة من جميع الكتل السياسية لتحقيق مكاسب فئوية أو شخصية أو حزبية على حساب مصالح الشعب العليا.. وخرق دستوري وقانوني فاضح.. وإفراغ بعض المبادئ الديمقراطية من مضامينها.. لنعيش أوضاعاً قد تسير في طريق إعاقة المسيرة الديمقراطية.. والعودة الى الصراع وتكريس مفاهيم الهيمنة السياسية.. بدلاً من المصالح العليا للوطن والشراكة الحقيقية..
إن المشهد السياسي الحالي أخذ يبتعد شيئاً فشيئاً عن الطائفية وتداعياتها الإحباطية المعقدة.. خاصة بعد الانحدارات لداعش وتحرير الموصل.. لكننا في نفس الوقت مازالنا نعيش أمام نخب سياسية تحاول لوي عنق الحقيقة بأطروحات لا يمكن تفسيرها دستورياً ولا ديمقراطياً..
فيما الظرف الراهن يتطلب إنهاء كل المظاهر والأساليب التي أدت الى دخول داعش.. ومحاكمة كل الذين تسببوا في دمار العراق.. وتهاونوا أو ساهموا بدخول داعش الى مدننا.. وتحقيق مصالحة وطنية حقيقية.. لا تعني جمع القاتل والمقتول في خانة واحدة..
إن الشراكة الحقيقية لا تعني أبداً مناصب ووزارات وتقسيم مغانم.. ولا فرض إرادات.. ولا اتفاقات بين كتل وشرعنتها من دون معرفة الشعب بمضامين تلك الاتفاقات.. بل إن الشراكة الوطنية تعني مشاركة حقيقية وفق الاستحقاق الانتخابي..
أما الأغلبية السياسية فلا تعني أرقام مجردة أي (50 +1) و 49 % معارضة شكلية لا تقدم ولا تنتقد بموضوعية.. أو العمل على عرقلة العمل الحكومي والبرلماني .. ولا تهدد من قبل الغالبية بكل الأشكال والصيغ العقابية وبفضح وكشف ملفات.. أو بتهميشها.. أو بتخوينها.. بل إن الأغلبية السياسية أدارة للعملية السياسية بالتضامن والتفاعل مع المعارضة الحقيقية.. التي ارتضت بملأ إرادتها أن تشكل المعارضة.. لقناعتها إن برنامجها السياسي يحتوي مبادئ وفقرات لا يتضمنها برنامج الأغلبية السياسية.. فقررت أن تكون في الصف المقابل لمتابعة تنفيذ برنامجها ومراقبة الأداء الحكومي.. ومساءلة الوزراء عن أعمالهم.. والتميز في العمل البرلماني.. ومتابعة حقوق المواطنين عموما وناخبيها ومؤيديها ثانيا.. مثلما قد تشكل حكومة ظل مستعدة لتسلم مسؤوليات الحكومة في حالة إخفاق حكومة الأغلبية واستقالتها..
إن المصلحة الوطنية تفرض تشكيل حكومة قوية ودستورية.. من عناصر كفوءة ومشهود بنزاهتها.. وببرنامج وطني واضح وشفاف ومقبول من الجميع.. أو مقبول بأصوات الغالبية العظمى.. واحترام رأي الأقلية بمحاولة الأخذ بآرائها.. وتعديل مشاريع القوانين بما تلبي كل الآراء الوطنية.. وقبل كل شيء استبعاد الوجوه الفاسدة والطائفية.. التي لعبت دوراً في كل الأعمال الشائنة ضد الشعب والمال العام.. وبغير ذلك تكون حكومة الأغلبية السياسية حكومة تخويف.. وإلقاء قبض لمن يعارضها بشتى التهم..