ديسمبر 12, 2024
download (1)

الكاتب : عبد المنعم الاعسم

نفي وجود تهميش لشريحة من الشرائح العراقية لايلغي حقائق هذا التهميش الواضحة لكل متأمل وباحث و”صاحب وجدان” وثمة في دائرة الموضوع خمس حقائق:
الحقيقة الاولى ان نزعة (منهج. اهواء) تهميش هذه الشريحة او تلك عريقة في السياسات العراقية منذ تأسيس العراق المعاصر بعد الحرب العالمية الاولى، ويمكن للقارئ البسيط ان يجد “عيـّنات” من صور وتجليات هذا التهميش في ثنايا سطور مؤلفات عالم الاجتماع الدكتور علي الوردي، وفي الكثير من كتب الجغرافيا الاجتماعية وفي كتب الفقه والمساجلات المذهبية والقومية، وكذلك من خلال تهجّي سلوك الاشخاص الذين لعبوا دورا في اقدار العراق على مر التاريخ وتحزبهم الى منابتهم وترقية تلك المنابت على حساب منابت اخرى (اقرأوا حنا بطاطو).
الحقيقة الثانية، هي ان هذا التهميش، له ظلال وبصمات في العراق الجديد، وسيستمر في ثنايا السياسات والنزعات التي تمسك بمقاليد الامور، وباشكال مختلفة، ومخاتلة، حتى تقام دولة المواطنة الحقيقية التي تكرس، وتترجم الى الواقع، توصيف العراقي كمواطن متساو في الحقوق والواجبات، وقبل هذا تحمي عقيدته وانتماءه في اطار من التعددية والشراكة في الوطن.
الحقيقة الثالثة، ان التهميش في تعريفه المبسط هو تمييز وعزل فئة من السكان والحط من مكانتها والارتياب حيالها، ويظهر في لا حصر له من الاشكال، يبدأ من ثقافة (وهوى) الاستعلاء على الآخر، حتى تجريف حقوقه المدنية، لكن ابشع مظاهر التهميش تبرز في الميدان السياسي وهياكل ادارة الدولة إذ تنغلق امام الفئة المهمشة، افرادا وجماعات، فرص المشاركة والوصول الى مواقع الدولة المهمة والحساسة، ويدخل موصوف الهوية الدينية او الطائفية او القومية او الاجتماعية في عداد شروط الاهلية لتلك المواقع.
الحقيقة الرابعة، ان الحاضر العراقي يعاني من الاثار المدمرة لمنهج التهميش الذي سلكه نظام الدكتاتورية، وراح ضحيته الغالبية الساحقة من سكان العراق (كرد. شيعة. مسيحيين. صابئة) إذ جرى تطبيقه باكثر الاساليب شناعة ومخاتلة واحتيالا وربما دهاء او نعومة زائفة وعانت الملايين العراقية من منهج الردع الاعمى والعقاب الجماعي “على الهوية” ومن موصوف المواطن من الدرجة الثانية، تحت الارتياب، وشبهة عدم الولاء الى الوطن، في حين اعفيت شرائح ومناطق منتخبة ومدن معروفة من هذه السياسة الانتقائية.
الحقيقة الخامسة، ان الدساتير العراقية لم تكن لتشرّع التهميش، او تسمح به، بل انها توالت في التمسك بقيم المواطنة، والمساواة بين السكان، والتعامل معهم على اساس معايير الكفاءة، والقانون، والوطنية، وتحريم التمييز بينهم، الامر الذي يؤكد بان النص الدستوري بقي خارج الترجمة الى الواقع، الى الممارسة، فيما الشيء الغائب في منع التهميش والحيلولة دون تسلقه سلالم السلطة والسياسة هو ممارسة المساواة واشاعة ثقافتها لتشمل كل خلايا المجتمع، والغائب الاكبر، هنا، هو الزعامة السياسية عابرة “الهوى” الفئوي.. عابرة الحساسية ضد الآخر.. عابرة المستنقعات.
نعم، هناك تهميش، وشعور بالتهميش لدى طائفة من الطوائف، بل ولأكثر من طائفة وعقيدة وشريحة.. لكن النخب الحاكمة التي تتصدر المشهد السياسي ليست وحدها مسؤولة عن ذلك؟.
*
“من السهولة ان تعرف كيف تتحرر، لكن ان تكون حرا، تلك هي الصعوبة”.
اندريه جيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *