ديسمبر 3, 2024
Dr Fadhil Sharif

الكاتب : فاضل حسن شريف

إذا كان الله سبحانه وتعالى يوجه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم عند تبليغ الناس ووعظهم بأن عليه التبليغ والوعظ فمن اهتدى فلنفسه ومن يضل فالله جل جلاله حسبه، والله تعالى هو الذي يهدي من يشاء. فمن باب أولى أن يتخذ الوعاظ هذه الحكمة القرآنية بأن يعظوا الناس ويتركوا الهداية لله عز وجل. جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى “لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ” ﴿البقرة 272﴾ الإنفاق على غير المسلمين: تحدّثت الآيات السابقة عن مسألة الإنفاق في سبيل الله بشكل عام، ولكن في هذه الآية الحديث عن جواز الإنفاق على غير المسلمين، بمعنى أنّه لا ينبغي ترك الإنفاق على المساكين والمحتاجين من غير المسلمين حتّى تشتدّ بهم الأزمة والحاجة فيعتنقوا الإسلام بسبب ذلك. تقول الآية “ليس عليك هداهم” فلا يصحّ أن تجبرهم على الإيمان، وترك الإنفاق عليهم نوعٌ من الإجبار على دخولهم إلى الإسلام، وهذا الاُسلوب مرفوض، ورغم أنّ المخاطب في هذه الآية الشريفة هو النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ أنّه في الواقع يستوعب كلّ المسلمين. ثمّ تضيف الآية “ولكنّ الله يهدي من يشاء” ومن تكون له اللياقة للهداية. فبعد هذا التذكّر تستمر الآية في بحث فوائد الإنفاق في سبيل الله فتقول: “وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلاّ إبتغاء وجه الله”. هذا في صورة ما إذا قلنا أنّ جملة “وما تنفقون” قد أخذت هنا بمعنى النهي، فيكون معناها أنّ إنفاقكم لا ينفعكم شيئاً إلاّ إذا كان في سبيل الله تعالى. ويحتمل أيضاً أن تكون هذه الجملة خبريّة، أي أنكم أيّها المسلمون لا تنفقون شيئاً إلاّ في سبيل الله تعالى وكسب رضاه. وفي آخر عبارة من هذه الآية الكريمة نلاحظ تأكيداً أكثر على مقدار الإنفاق وكيفيّته حيث تقول الآية “وما تنفقوا من خير يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون”. يعني أنّكم لا ينبغي أن تتصوروا أنّ إنفاقكم سيعود عليكم بربح قليل، بل أنّ جميع ما أنفقتم وتنفقون سيعود إليكم كاملاً، وذلك في اليوم الذي تحتاجون إليه بشدّة، فعلى هذا لا تتردّدوا في الإنفاق أبداً. ويستفاد من ظاهر هذه الجملة أنّ نفس المال المنفق سيعود على صاحبه (لا ثوابه) فيمكن أن تكون الآية دليلاً على تجسّم الأعمال الذي سيأتي بحثه مفصّلاً في الآيات اللاحقة.

عن تفسير الميسر: قوله تعالى “لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ” ﴿البقرة 272﴾ ليس فعل، عَلَيْكَ: عَلَيْ حرف جر، كَ ضمير، هُدَاهُمْ: هُدَى اسم، هُمْ ضمير، وَمَا: وَ حرف استئنافية، مَا حرف شرط، تُنفِقُوا: تُنفِقُ فعل وا، ضمير، من حرف جر، خير اسم. لست أيها الرسول مسئولا عن توفيق الكافرين للهداية، ولكن الله يشرح صدور مَن يشاء لدينه، ويوفقه له. وما تبذلوا من مال يَعُدْ عليكم نَفْعُه من الله، والمؤمنون لا ينفقون إلا طلبًا لمرضاة الله. وما تنفقوا من مال مخلصين لله توفوا ثوابه، ولا تُنْقَصُوا شيئا من ذلك. وفي الآية إثبات صفة الوجه لله تعالى على ما يليق به سبحانه. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى “لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ” وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ” وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ” وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ” (البقرة 272) ولما منع صلى الله عليه وسلم من التصدق على المشركين ليسلموا نزل: “ليس عليك هداهم” أي الناس إلى الدخول في الإسلام إنما عليك البلاغ، “ولكن الله يهدي من يشاء” هدايته إلى الدخول فيه، “وما تنفقوا من خير” مال “فلأنفسكم” لأن ثوابه لها، “وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله” أي ثوابه لاغيره من أعراض الدنيا خبر بمعنى النهي، “وما تنفقوا من خير يوفَّ إليكم” جزاؤه، “وأنتم لا تُظلمون” تنقصون منه شيئاً والجملتان تأكيد للأولى.

جاء في موقع الشيعة عن الهداية والإضلال 2: لآيات القرآنية الدالة على حرّية مشيئة الإنسان في اختيار الإيمان أو الكفر:1 ـ “قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ” (الكهف 29) 2 ـ “إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً” (الإنسان 29) 3 ـ “اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” (فصّلت 40) 4- “إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ” (الزمر 7) أي: إنّكم تمتلكون اختيار الإيمان أو الكفر بمحض إرادتكم، وإنّكم غير مسلوبي الإرادة في التلبّس بأيّهما شئتم.فلو اخترتم الكفر وكفرتم باللّه، فإنّ اللّه غني عنكم، ولكن الكفر سيقودكم إلى الشرّ، واللّه يريد لكم الخير، فلهذا لا يرضى اللّه لعباده الكفر.ولو اخترتم سبيل الشكر للّه تعالى، فإنّ اللّه أيضاً غني عنكم، ولكن هذا الشكر سيقودكم إلى الخير، واللّه يريد لكم الخير، فلهذا إن تشكروا يرضه لكم.وهذا ما يدلّ بصراحة على امتلاك الإنسان الاختيار في سلوكه وتصرّفاته. معاني أُخرى للهداية الإلهية الخاصة معاني الهداية التي يصح نسبتها إلى اللّه تعالى:المعنى الأوّل: الإثابة1- قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهارُ فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ” (يونس 9) فقوله تعالى: “يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ” أي: يثيبهم بإيمانهم ويهديهم طريق الجنة.2- قال تعالى: “وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ” (محمّد 4 ـ 5) فقوله تعالى: “سَيَهْدِيهِمْ” أي: سيثيبهم لأنّ الهداية التي تكون بعد قتلهم هي إثابتهم لا محالة.3- قال تعالى: “فَمَنْ يُرِدِ اللّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ”(الأنعام 125) أي: من  يرد اللّه أن يثيبه بإيمانه وطاعته التي فعلها، فإنّ اللّه تعالى يشرح صدره ليطمئن قلبه بالإيمان ويثبت عليه، لأنّ المؤمن إذا انشرح صدره عند قيامه بعمل عبادي، فإنّ هذا الانشراح سيدفعه إلى مواصلة ذلك العمل والتثبّت عليه.4 ـ قال تعالى: “لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ” (البقرة: 272)أي: ليس عليك يا رسول اللّه إثابتهم، ولكن اللّه يثيب من يشاء وفق موازين حكمته وعدله.5- قال تعالى: “إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ” (القصص: 56) أي: إنّك يا رسول اللّه لا تثيب من أحببت، ولكن الإثابة بيد اللّه تعالى، وأ نّه تعالى يثيب وفق مشيئته الحكيمة والعادلة.المعنى الثاني: إثبات الهداية والحكم بهاقد تعني عبارة “هدى اللّه هؤلاء” أ نّه تعالى أثبت أ نّهم مهتدون وحكم عليهم بهذا الوصف.المعنى الثالث: الإرشاد إلى الجنةقال تعالى: “مَنْ يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً” (الكهف 17) قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام حول هذه الآية: “إنّ اللّه تبارك وتعالى يضلّ الظالمين يوم القيامة عن دار كرامته، ويهدي أهل الإيمان والعمل الصالح إلى جنته، كما قال عزّ وجلّ: “وَيُضِلُّ اللّهُ الظّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ ما يَشاءُ” (إبراهيم 27) وقال عزّ وجلّ: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهارُ فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ” (يونس 9)   معاني الهداية التي لا يصح نسبتها إلى اللّه تعالى:المعنى الأوّل: ايصال الإنسان إلى الهداية إجباراًإنّ تفسير الهداية الإلهية بمعنى إجبار اللّه الإنسان على الهداية وحمله عليها بالقسر والغلبة يتنافي مع اختيار الإنسان في أفعاله ولا ينسجم مع مبدأ التكليف ومبدأ استحقاق الإنسان الثواب والعقاب.المعنى الثاني: خلق الهداية في الإنسانلا يصح القول بأنّ اللّه تعالى يخلق الهداية في الإنسان من غير أن يكون للإنسان القدرة على الامتناع وقد ناقشنا هذا الموضوع فيما سبق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *