الكاتب : عبد الخالق حسين
أثار مقتل الفتى هيثم علي إسماعيل في ساحة الوثبة وسط العاصمة بغداد موجة من الاستنكار والاحتجاج في جميع أنحاء العالم، وخاصة على الطريقة البشعة التي تمت فيها الجريمة. وأدعى القتلة ومن يدافع عنهم من كتاب الجوكر، أن المغدور كان قناصاً قتل7 من المتظاهرين!! ولكن مع الوقت ظهرت الحقائق في أغلب تقارير وكالات الأنباء تبرئ المغدور. وعلى سبيل المثال، وتوخياً للإيجاز، ننقل فقرة مما نشر عن هذا الحادث البشع في صحيفة الرأي اليوم، جاء فيه ما يلي:
((الفتى هيثم علي إسماعيل، يبلغ من العمر 16 عاما ويسكن على ما يبدو قريبا من مكان تجمعات المتظاهرين [قرب ساحة الوثبة]، وقد دخل معهم في شجار عدة مرات على خلفية طلبه من متظاهرين الابتعاد عن باب منزله، ومع رفضهم لطلبه تطور الشجار إلى عراك، قام على أثره متظاهرون بإلقاء زجاجات مولوتوف على منزل الفتى بهدف إحراق المنزل، فقام الفتى بأخذ مسدس حربي وإطلاق النار منه على المهاجمين، فما كان منهم إلا أن اقتحموا المنزل وقبضوا عليه وضربوه حتى الموت، ثم سحلوا جثته في الشارع قبل أن يعلقوه عاريا على أحد أعمدة المرور في ساحة الوثبة)).(1)
كما شاهدنا في عدة فيديوهات جمهوراً غفيراً في مكان الحدث، المفترض بهم أنهم من المحتجين على الحكومة، كانوا يتفرجون على جريمة سحل شاب بلباس داخلي فقط، يُسحل من قبل الغوغاء، وصور أخرى لجثة الشاب معلقة بعمود. لا شك أن هذه الجريمة بشعة لا يرتكبها إلا المصابون بمرض السادية والسايكوباثية التي يمارسها البعثيون الدواعش بضحاياهم. إذ هكذا بدؤوا في سوريا عام 2011 بجريمة مشابهة والتي انتهت بالدمار الشامل للبلاد. وهذا ما يخططونه للعراق.
كما ظهرت مقالات كثيرة ، وعلى سبيل المثال لا الحصر مقال بعنوان: (حادثة الوثبة مدبرة وترتيب اخراجها عار جديد على الأسلامويين)، ومقال آخر بعنوان: (في الوثبة مسرحية إيرانية). ولا أدري من أين حصلوا على معلوماتهم وبهذه السرعة في تبرئة الجناة الحقيقيين، وتوزيع الاتهامات مرة على الأحزب الإسلامية، وأخرى على إيران. وحبذا لو أشاروا ولو إلى مصدر واحد يوثقون به أحكامهم. فمنذ بداية التظاهرات في الأول من تشرين الأول الماضي، صار كل شيء سيء يحدث في العراق هو من إيران، وتدبير من الأحزاب الإسلامية الحاكمة. (طبعاً اختلافي هذا مع هذه الأحكام التعسفية المسبقة يضعنا في خانة عملاء إيران والأحزاب الإسلامية، والعياذ بالله!!)
وحتى الناطق الرسمي للقائد العام والقوات المسلحة اللواء عبدالكريم خلف الذي نفى أن يكون القتيل قناصاً، لم يسلم من الاتهامات وتشبيهه بمحمد سعيد الصحاف من أجل إسقاط مصداقيته.
ولكن أخيراً، أكدت لجنة حقوق الانسان في مجلس النواب، يوم الجمعة [13/12/2019]، أنه لا يوجد أي قتلى بين المتظاهرين في حادثة الوثبة، فيما شددت على وقوفها مع سيادة القانون وحفظ البلاد من “الفوضى العارمة”. ودعت اللجنة “القضاء والقوات الامنية الى ملاحقة الجناة وإنزال القصاص العادل بمرتكبي هذه الجريمة البشعة”، مؤكدة “وقوفها مع سيادة القانون وحفظ البلاد من الفوضى العارمة والتي ستحرق الاخضر واليابس”.(2)
نؤكد مرة أخرى أننا مع التظاهرات السلمية، ومطالبها المشروعة ضد الحكومات الغارقة في الفساد، وحتى أيدتها المرجعية الدينية في النجف الأشرف. ولا شك أن لهذه التظاهرات مبررات وإيجابيات وفوائد كثيرة سنخصص لها مقالاً مستقلاً لاحقاً. ولكن بالتأكيد تم اختطافها من قبل جماعات تمارس العنف، ترتبط مباشرة بحكومات اجنبية كبرى تنفذ أجنداتها لزعزعة الوضع في العراق. ودليلنا على ذلك هو عقد مؤتمرات في واشنطن، والرياض، هدفها إسقاط النظام العراقي وإقامة نظام دكتاتوري بغيض موالي لأمريكا وحلفائها في المنطقة، و ذراعها العسكري الضارب هو حزب البعث بنسخته الداعشية المتوحشة. فقد جاء في البيان الختامي لما يسمى بـ(مؤتمر متحدون لإنقاذ العراق في وشنطن) ما يلي:
(( اجتمع عدد كبير من النخب وأصحاب الكفاءات والشخصيات العراقية الأميركية المقيمة في الولايات المتحدة في مؤتمر”متحدون لانقاذ العراق” في واشنطن في اليوم الثالث عشر من آذار/ مارس 2019 بدعوة من جمعية الصداقة العراقية الاميركية وجمعية حرية وتقدم العراق، وذلك لبحث الوضع المروع في العراق في ظل النظام الدكتاتوري المتطرف الذي يقوده رجال الدين والميليشيات المتطرفون والسياسيون الإسلامويون الفاسدون الموالون لإيران. وقد حظي المؤتمر بحضور ضيوف متميزين هم الزعيم الجمهوري البارز السيد تيم شنايدر رئيس الحزب الجمهوري في ولاية الينويز، والسفير السابق ديفيد ماك مدير معهد الشرق الأوسط بوزارة الخارجية، والعقيد المتقاعد جون اورف من وزارة الدفاع. كما انضم العديد من الضيوف البارزين إلى المؤتمر من أوروبا والشرق الأوسط منهم السيد علي جعفر زادة ممثل مجلس المقاومة الإيرانية، وممثلون من حركات التحرر الأحوازية في إيران، وعضو الجبهة الوطنية العراقية.)) البيان طويل وممل نضع رابطه في الهامش(3).
لذلك نؤكد مرة أخرى، أن ما يجري في العراق الآن هو حرب بالنيابة بين المحور الأمريكي-السعودي الإسرائيلي من جهة، وبين المحور الإيراني-السوري والقوى السياسية المتحالفة مع إيران في العراق والمنطقة. والسبب هو أن أمريكا لا يهمها أن تكون الحكومة العراقية فاسدة أو نزيهة، تراعي أو لا تراعي مصالح الشعب العراقي، بل تريد حكومة معادية لإيران على غرار حكم البعث الصدامي. والوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا الغرض المريب هو إغراق البلاد في فوضى عارمة، لتبرير انقلاب عسكري تباركه أمريكا وحلفائها في المنطقة والعالم، بحجة إنقاذ الشعب العراقي من الفوضى والحكومة الفاسد الموالية لإيران.
وما جريمة قتل وسحل الشاب هيثم علي إسماعيل إلا خطوة جديدة لتصعيد هذه الفوضى لتحقيق الأغراض التدميرية المنشودة. فقد أساءت هذه الجريمة البشعة ليس لسمعة الانتفاضة فحسب، بل ولسمعة الشعب العراقي أيضاً، خاصة وتاريخ هذا الشعب حافل بأعمال العنف مثل السحل وغيره في مختلف مراحل تاريخه. لذلك نناشد الأخوة من المثقفين العراقيين العلمانيين الوطنيين، الذين عقدوا آمالهم على هذه التظاهرات أنها هبة شعبية سلمية و نظيفة، ستؤدي إلى التخلص من النفوذ الإيراني، والأحزاب الإسلامية، ونظام المحاصصة الطائفية..الخ، نناشدهم أن يعيدوا النظر في موقفهم من هذه الأحداث على ضوء ما ظهر من أدلة وعلامات واضحة أنها تريد الشر بالعراق. فالغرض هو ليس المجيء بحكومة علمانية ديمقراطية نزيهة، تستجيب لاحتياجات الشعب كما يعتقد البعض من ذوي النوايا الحسنة، بل الغرض الرئيسي هو إعادة حكومة دكتاتورية معادية لإيران، وتضطهد الشعب، وتصادر الحريات، ومتحالفة مع السعودية وحلفائها في المنطقة.
ولكن المشكلة أنه لو نجحت أمريكا والسعودية في تغيير النظام العراقي الحالي والمجيء بنظام معادي لإيران وموالي لأمريكا وحلفائها في المنطقة، فهذا لا يعني نهاية المشكلة، بل خلق مشكلة جديدة أخطر وأكثر دماراً، ذلك لأن في العراق أحزاب إسلامية شيعية قوية تتمتع بشعبية واسعة، لها مليشيات مسلحة مؤيدة لإيران ترى عمقها الإستراتيجي فيها، وهي مستعدة في ضم العراق إلى محور المقاومة. وهذه القوى لا يمكن أن تبقى ساكتة لتبيدها الحكومة الدكتاتورية الجديدة. وهذا يعني تكرار السيناريو السوري واليمني في العراق، وهو ما حذرنا منه الحكومات العراقية المتعاقبة بأن لا تخسر علاقتها مع أمريكا، ولا تنجر إلى أي محور، ودون معاداة إيران. ولكن لا حياة لمن تنادي.
ولكن مع كل هذه الكوارث والسيناريوهات الرهيبة، هناك أمل وفق مقولة (رب ضارة نافعة)، فرغم سرقة الانتفاضة من قبل قوى الشر، إلا إنه من الممكن أن يتحقق ما لم يكن في حسبان تلك القوى الشريرة. فهذه الانتفاضة قد تؤدي إلى تغيير جذري وإيجابي في العراق. وهذا موضوع مقالنا القادم.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
ـــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- ما هي قصة الفتى العراقي الذي سحله متظاهرون في ساحة الوثبة في بغداد ومثلوا بجثته وعلقوه على عامود شارة المرور وسط التصفيق والهتاف؟
https://www.raialyoum.com/index.php/%D9%85%D8%A7-%D9%87%D9%8A-%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%89–
2- لجنة حقوق الانسان النيابية: لايوجد اي قتلى بين المتظاهرين في حادثة الوثبة
https://www.akhbaar.org/home/2019/12/265736.html
3- البيان الختامي لمؤتمر متحدون لإنقاذ العراق في واشنطن …
https://www.wijhatnadhar.org/article.php?id=14001