ديسمبر 6, 2024
download (3)

الكاتب : هادي حسن عليوي

أولى الخطوات للتقسيم كانت مبكرة جداً.. فقد تحرك الأكراد دولياً لتثبيت حقوقهم كشعب.. وطالبوا بتقرير المصير من مؤتمر سيفر العام 1920 الذي ناقش موضوع العراق والانتداب.. ويبدو إن المؤتمر لم يستجيب لمطالبيهم.. باعتبارهم جزء من العراق، وما يتحقق للعراق يتحقق لجميع شعبه..

وهكذا تشكلت حكومة عراقية مؤقتة تحت الرعاية البريطانية.. وتم الاتفاق على ترشيح الأمير فيصل بن الشريف حسين ملكاً على العراق.. وجرى استفتاء العام 1920على مبايعة فيصل من قبل كل المواطنين العراقيين.. لكن أكراد العراق لم يشاركوا في الاستفتاء.. وعلى الرغم من ذلك فأن كل ما تحقق للعرب والمكونات الأخرى تحقق للأكراد يضمنها المشاركة في الحكم..

في 29 تشرين الثاني 1936 قام الفريق بكر صدقي معاون رئيس أركان الجيش العراقي، وهو كردي بانقلاب في بغداد.. ويبدو إن الأمنيات والأفكار أخذت تنتعش لإقامة دولة كردية في منطقة كردستان العراق.. لكنها لم تتحقق لأن بكر صدقي اغتيل بعد أقل من عام وانتهاء انقلابه..

استثمر الأكراد الحرب العالمية الثانية ليعلنوا ثورتهم العام 1943 التي قادها الملا مصطفى البارازاني وعشيرته في منطقة برزان من أجل إقامة دولتهم.. واستطاع الجيش البريطاني في العراق القضاء على هذه الحركة العام.. وهرب الملا مصطفى وحوالي 700 برزاني إلى إيران ومن ثم إلى الاتحاد السوفيتي التي أقاموا فيها كلاجئين سياسيين..

ـوجاء دستور ثورة 14 تموز 1958 لينص على (إن العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن).. وعاد الملا مصطفى البارازاني وجماعته إلى بغداد.. ومنحهم الزعيم عبد الكريم قاسم رواتب مجزية.. وأسكن الملا في قصر الرحاب.. ومنحه سيارة الأمير عبد الإله (الوصي على العرش).. يحلم بها العراقيون العلماء والقادة.. ومنح الأكراد حرية العمل السياسي.. فنشط ( الحزب الو طني الديمقراطي الكردستاني ) في بغداد والمحافظات العراقية ، وصدرت جرائد لهم (خه باتـ ..التآخي وغيرها).. وشكلوا ميليشيات عسكرية..(البيشمركة)..

ومنذ أيار 1960 بدأ تطبيق قانون الإصلاح الزراعي في شمال العراق. فوقف الأغوات الأكراد (أي الإقطاعيين الأكراد) ضد تطبيق القانون في كردستان.. وبدأت المناوشات بين الأكراد والجيش العراقي.. واستمرت الحرب بينهما..

وفي أوائل العام 1963 التقى وفد من حزب البعث بقيادة الحركة الكردية بملا مصطفى البارازاني.. وتم الاتفاق على قيام الحركة الكردية بمنع أية وحدة عسكرية عراقية بالتحرك إلى بغداد لدعم عبد الكريم قاسم عند قيام الانقلاب.. مقابل منح البعثيين حقوق الأكراد.. وسقط نظام عبد الكريم قاسم.. ولم تمضي ثلاث شهور تندلع الحرب بين الطرفين..

ـ استمرت الأوضاع في شمال العرق بين حالة الحرب واللا حرب.. وفشلت كل الاتفاقيات بين الطرفين.. حتى جاء اتفاق العام 1970 بالحكم الذاتي وطبقت كل الفقرات.. لكن الكرد رفضوا تنفيذ آخر بند بإعلان الحكم الذاتي في 11 آذار 1974.. وطالبوا بضم كركوك إلى الحكم الذاتي.. فاندلعت الحرب.. وجاءت اتفاقية الجزائر لعام 1975 بين إيران والعراق.. التي تنازل صدام عن نصف شط العرب إلى إيران.. مقابل عدم دعم إيران للبرازاني..

وبعد حرب العام 1991 وتحرير الكويت.. استطاع الأكراد إقامة الحكم الذاتي بعيداً عن سلطة بغداد.. وفرضت الأمم المتحدة حظر جوي وبري للقوات العراقية خط العرض36 ومنعت تدخل العراق بالشأن الكردي..

كردستان بعد 2003 :

انفرد دستور العراق لعام 2006 بفصل لإقليم كردستان ومنحه حقوقاً أكبر من حقوق وواجبات الحكومة المركزية.. وفي حالة الاختلاف فتفسر الأمور وفق الفصل الخاص بإقليم كردستان.. وهكذا أصبحت كردستان مستقلة دستورياً وقانونياً عن الحكومة الاتحادية.. مثلما هي مستقلة أمنياً وعسكرياً من خلال قوات البيشمركة ..

لتبدأ عمليات العمل من قبل حكومة كردستان للانفصال.. وإيجاد المبررات لذلك.. ولابد أن نشير هنا إن رئيس جمهورية العراق جلال الطالباني زار كركوك خلال ولايته ثلاث مرات، وأعلن فيها أن (كركوك قدس كردستان ).. ومرة ثانية قال (إن كركوك كردستانية).. ولم يجري استضافته إلى مجلس النواب لتوضيح هذه التصريحات..

وجاء مشروع نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن في تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم (كردي.. وسني.. وشيعي).. ورفض المشروع بقوة من قبل السنة والشيعة الذين أصروا على وحدة العراق.. فيما كان موقف الكتل الكردستانية بين مؤيد بشكل علني للتقسيم.. وبين موقف غير واضح..

وبدأت الدعوات لاستفتاء تقرير المصير.. وأخذت العملية تتوسع بشكل انفصالي تماما بعد احتلال داعش للموصل في 10 حزيران 2014.. وكركوك وديالى وصلاح الدين.. وكل المناطق المتنازع عليها..

وانطلقت شعارات وأراء بأن المناطق التي تحررها قوات البيشمركة من داعش ارض كردستانية.. وفعلاً تدار المناطق المحررة من قبل كردستان.. وأخذت كل القوى الكردية بكل قواهم وكتلهم السياسية سائرون لإقامة الدولة الكردية.. (سياسياً.. واقتصادياً.. وثقافياً.. واجتماعياً، وعسكرياً)..

وأخذت تصريحات رئيس إقليم كردستان مسعود البارازاني تؤكد على حق تقرير المصير وعلى سبيل المثال لا الحصر تصريحه في 13 / 9 / 2015: (من حق الأمة الكردية أن تخطو الخطوة الحاسمة في الحصول على استقلالها.. لكن الظروف الحالية لن تسمح لها بضمان هذا الاستقلال).. مؤكداً: (اهتمام كردستان بحل هذا المسألة حلا سلميا وبخوض حوار مع بغداد حولها)..

وما ان تم استكمال تحرير محافظة نينوى حتى أعلن عن إجراء الاستفتاء لتقرير المصير.. وأضاف الى الإقليم المناطق المتنازع عليها بالاستفتاء عنوة.. على المكونات الأخرى في هذه المناطق.. ومخالفا الدستور العراقي.. الذي حصلوا بموجبه علة إقامة إقليمهم..

وبرغم رفض كل دول العالم باستثناء إسرائيل للانفصال.. فهو مصمم على إجرائه..

وطبيعياَ سيحصل البارازاني على امتيازات جديدة من مقترح الدول العظمى الذي قدم له مؤخراً.. مقابل تأجيل الاستفتاء لينتظر فرصة جديدة تتاح له لطرح الاستفتاء مجدداً..

إذن في كلا الحالتين(إجراء الاستفتاء أو تأجيله) سيكون هو المستفيد بجماهيرية كردية.. وابتزاز للحكومة الاتحادي.. والحصول على مكاسب جديدة.. ليس للشعب الكردي بل لسلطته..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *