ديسمبر 7, 2024
462573001_1115844783377262_3565718281100647928_n

الكاتب : رياض سعد

لا يمكن تصور حياتنا من دون قوانين تنظم علاقة بعضنا ببعض ؛ وسلطة تشرف على تطبيق تلك القوانين وتحمي الناس من شرور المجرمين ؛ فالحياة بلا قانون تساوق حياة الغابة والعصور الحجرية ؛ حيث لا معنى للحق والعدل والقيم ؛ اذ لا تفقه الوحوش والهمج غير لغة القوة ومنطق العنف .

لذلك جزم البعض بضرورة وجود الحكومة حتى وان كانت ظالمة او فاسدة او غير مثالية ؛ فالعيش في ظل تلك الحكومات ؛ افضل الف مرة من العيش تحت راية العصابات الارهابية والمافيات الاجرامية , او الاحتكام الى منطق القتل والذبح والنحر كما الكائنات البدائية و الوحوش البرية .

وقد أكد الاسلام وبكل مذاهبه , وكذلك دلت سيرة العقلاء , على ضرورة الجماعة والاجتماع البشري القائم على القوانين وطاعة الحكومات ( أولي الامر ) وعدم الخروج على تلك الحكومات ؛ فيما اذا كان ذلك الخروج يعد خروجا على الحكومة الشرعية او العادلة ؛ او اذا أدى ذلك الخروج الى شق الصف المجتمعي واثارة الهرج والمرج والاضطرابات ؛ وافضى الى القتل والمذابح وتعطيل شؤون البلاد والعباد ؛ لذلك تلاحظ ان الشعوب الواعية والمتحضرة تسلك طرق الحوار والنقاش والحكمة والوعي والثقافة والسياسة والاعلام الهادف لإحداث التغييرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها ؛ اذ ان لديهم استعداد لخوض النقاشات والمباحثات والدخول في الاجتماعات وعقد الاتفاقيات التي قد تطول عقودا من الزمن ؛ في الوقت الذي لا يحبذون فيه سلوك الطرق السريعة الوعرة والتي تستعجل التغييرات والتحولات المحفوفة بالدماء والآهات والخسائر والازمات , والمقترنة بالمعارك والحروب والتضحيات والنزاعات ؛ حتى وان استغرقت شهورا قليلة ؛ وسلوكهم الحضاري هذا يذكرني بالمثل الشعبي الذي يوصي الناس بتوخي الحذر والابتعاد قدر الامكان عن مهاوى الردى ؛ اذ قالوا قديما : ((  امشي شهر ولا تعبر نهر   )) ؛ ببساطة الدول والمجتمعات التي تخلو من سيادة القانون وتنعدم فيها السلطة  ينتج عنها فوضى عارمة ودمار لمجتمعات وان كانت متحضرة فضلا عن المجتمعات الفاشلة والمتخلفة والمأزومة .

صحيح ان الثقافة العامة في منطقتنا العربية والاقليمية تتضمن الكثير من المضامين والاشارات العنفية ؛ لاسيما الدينية منها ؛ فقد حفل كتابي التوراة والتلمود مثلا ؛ بالعديد من الوصايا العنصرية والاجرامية والعدوانية تجاه بني البشر من غير اليهود ؛ الا ان تلك المضامين بقيت حبيسة الكتب والمجلدات ويلفها الغبار على رفوف المكتبات ؛ وكانت اشبه بالجثة المجمدة كلما اراد الحاكم استخدامها لأغراضه السياسية بث الروح فيها وتفاعل الناس معها وهكذا , فكأنما الحياة هي السطر وتلك الثقافة تمثل الهامش ؛ فالناس تفكر في المأكل والملبس والمشرب والمسكن وضروريات الحياة وشؤون المعيشة كالتعليم والمهنة والصحة وغيرها ؛ وتأتي تلك الثقافات في الدرجة الثانية ان لم نقل انها تقع ضمن اخر الاهتمامات .

فكانت ولا زالت ثقافة العنف في اغلب مجتمعاتنا العربية لاسيما بين الاقليات ؛ تعتبر من شواذ القاعدة والقاعدة العامة بين الناس هي التعايش والانسجام والسلام والاهتمام بالشؤون الحياتية والمسؤوليات المعاشية ليس الا ؛ نعم هنالك مجتمعات وبؤر اجتماعية في بعض البلدان والمدن والمناطق ترتفع فيها مناسيب العنصرية والطائفية وتنتشر فيها مظاهر الاحتكام الى القوة  وسلوكيات العنف ؛ ومما لا شك فيه ان سيطرة منطق الاجرام والعنف والاحتكام الى القوة والسلاح والبطش على الحياة في هذا البلد او ذاك ؛ يؤدي الى خراب البلد ودمار المجتمع وتعطيل الحياة وشل الطاقات وعدم الاستفادة من الموارد والامكانيات ؛ وعندها يقف المجتمع على حافة الانهيار والاندثار ؛ فإما ان يقاوم الارهاب وينبذ العنف ويرفض منطق القوة وإما أن يندثر وينتحر جماعيًا.

وبعد صحوة شعوب المنطقة وثورات الجماهير الغاضبة ضد الاستعمار , وخروج الاستعمار من الباب ؛ وعودته الى اوطاننا من الشباك عن طريق تنصيب العملاء والمرتزقة وسقط المتاع حكاما علينا ؛ لم يكتف الاستعمار والاستكبار  بعمالة الحكام والساسة حتى راحوا يعملون لجذب اكبر قدر من العملاء والخونة والمرتزقة ؛ ولكن هذه المرة ليسوا من الساسة والحكام بل من الشعوب والجماعات المحلية ؛ فقوى الاستعمار ولكي تحكم قبضتها على الاوضاع الداخلية ؛ لابد لها من العمل على ربط الحكام والساسة وكذلك الكثير من افراد الجماهير وابناء الشعب بهم فضلا عن النخب والشخصيات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والاعلامية , لإجهاض كل محاولات الاصلاح والتغيير الوطنية واختراق كافة الثورات الداخلية والحركات المحلية ؛ فقد غير الاستعمار والاستكبار الدولي من خططهم السياسية وطوروا ادواتهم العسكرية والتخريبية وخلطوا الاوراق , وبدؤا بحروب اعلامية واقتصادية وعسكرية ولكن من طراز اخر وذات طبيعة مغايرة للحروب التقليدية ؛ اذ كان الاستعماريون والمحتلون والمستكبرون يقتلون الشعوب ويدمرون الاوطان  بأيديهم ؛ والان قد اوكلوا الامر الى عملاءهم ومرتزقتهم وحركاتهم الارهابية وفصائلهم وعصاباتهم الاجرامية والتي تنتسب زورا وكذبا الى الدين والاسلام والطائفة تارة والى القومية والمكون والوطنية تارة اخرى .

وقد حصلت الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا والصهاينة وادواتهم الاقليمية كالأتراك والعرب وغيرهم على شرف تدمير العراق وسوريا وليبيا ولبنان واليمن  وافغانستان وغيرها وقتل ملايين المسلمين والعرب وإبادتهم بواسطة الحركات الارهابية والتنظيمات الطائفية والتكفيرية والفصائل المسلحة التي تأتمر بأوامر قوى الاستعمار والاستكبار , وما شعاراتها ودعواتها الا سراب يحسبه الضمان ماء .وقد امسى حال بعض الشعوب العربية والاسلامية حالا بائسا لا يسر الصديق ؛ اذ صار ابناء الشعب بين خيارين احلاهما مر , او كالمستجير من الرمضاء بالنار , فمن باب انها تعاني الاهمال الحكومي والفشل الذريع في ادارة الدولة او انها تحكم بالقوة والدكتاتورية والطائفية او تعاني هموم الفقر والبؤس والتخلف ؛ ومن باب اخر بديل تلك الحكومات لا يقارن بما ذكرناه بتاتا , اذ لا يوجد بديل سوى الذباحة الارهابيين والقتلة المجرمين وفوضى الفصائل المسلحة واستهتار الحركات الارهابية والعصابات المنفلتة  والمافيات المرتبطة بالمخابرات الدولية المعادية ؛ فقد اضحت بعض الشعوب والدول  تواجه مشكلة مأساوية غريبة تدفع بعض أبنائها عن حدود الوسطية والاعتدال قسرا ، والعيش وسط امواج التدليس الاعلامي وبحور الظلام  المعتمة حيث الدعايات والاشاعات والاضطرابات وتوالي النكبات والازمات ؛ مما صير المواطن شخصا محتارا مشلولا مشدوها لا يعرف من معه ومن عليه ؛ واصبحت علاقته بالحكومات والحركات والفصائل والتحالفات الدولية علاقة غير معروفة المعالم ، لدرجة تحار فيها بعض العقول فتتساءل : أحكامنا وقادتنا ورجالنا واحزابنا وحركاتنا لنا ومعنا ، أم معهم ولهم؟  وهل هي عاجزة عن مواجهة الارهاب ام انها مأمورة بالضعف والانكسار وعدم الحسم ؛ وهكذا امست بعض الشعوب والجماعات  تعيش بلا حارس يحميها او حكيم يقودها … ؛ واصبح المواطن لا يستغرب عندما يخلد الى النوم مساء , والامور الشخصية والعامة على ما يرام , والاوضاع تحت سيطرة الحكومة والدولة ؛ واذ به يستيقظ صباحا على وقع اقدام الذباحة وصيحات الارهابيين وتكبيرات المجرمين التكفيريين او صواريخ وقصف الحركات الارهابية او محاصرة الفصائل المسلحة ؛ ولعل ما حدث في افغانستان وسوريا وليبيا والعراق وغيرها ما يؤكد ذلك ؛ فما ان يختلف بعض الساسة مع قوى الاستعمار والاستكبار او يتشاجر الغرب والشرق ؛ حتى تشب نيران الارهاب وتأتي الجحافل الاجرامية من كل حدب وصوب وكأنهم يأجوج ومأجوج ؛ وهكذا تتعرض الشعوب والجماعات والاقليات الى الاذلال والقتل الممنهج والعذاب ومصادرة الحريات والممتلكات ؛ وصرنا أصحاب أرخص الدماء في الأرض … ؛ وها هي الفيديوهات تنتشر في وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي وهي تنقل صور ومشاهد الناس الامنين في بيوتهم ؛ واذ بهم يمسون جثث تحت الانقاض في فلسطين ولبنان وسوريا , او يهربون ويهيمون على وجوههم في البراري والشوارع , لا يعرفون الى اين يذهبون , او ينظرون من الشبابيك الى ارتال الحركات الارهابية وهم يبكون وخائفون ويطلبون من سكان الكرة الارضية وامة الاسلام والعرب واخوتهم في الوطن من الدعاء لهم , ودفع شر الارهاب عنهم …!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *