Dr Fadhil Sharif

الكاتب : فاضبل حسن شريف

ولو أن كلمة أمة بمفهومها العام تعني مجموعة ولكنها جاءت في القرآن الكريم بسياقات المجموعة الصغيرة والكبيرة منها المكانية والزمانية والعقائدية وغيرها كما في قوله تعالى “ما تسبق من أمة أجلها”، “أمة هي أربى من أمة”، “نبعث من كل أمة شهيدا”، “أمة من الناس”، “أمة معدودة”، “أمة واحدة”، “أمة وسطا”، “ادكر بعد أمة”، “كنتم خير أمة”، “إبراهيم كان أمة”، “أمة قد خلت”، “قالت أمة منهم”، “أمة يهدون بالحق”، “لكل أمة رسول”، “لكل أمة عملهم”، “دخلت أمة لعنت أختها”، “أمة مقتصدة” وهكذا. كل مجموعة حلقات تنشر في موقع.

عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله جلت قدرته “لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ ۖ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ ۚ وَادْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ ۖ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ” ﴿الحج 67﴾ “لكل أمة” أي: لكل قرن مضى “جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ” أي: شريعة هم عاملون بها، عن ابن عباس. وقيل: مكانا يألفونه، وموضعا يعتادونه لعبادة الله. ومناسك الحج من هذا لأنها مواضع العبادات فيه، فهي متعبدات الحج. وقيل: موضع قربان أي: متعبد في إراقة الدماء منى أو غيره، عن مجاهد وقتادة. “فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ” هذا نهي لهم عن منازعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقيل: نهي له لأن المنازعة تكون من اثنين، فإذا وجه النهي إلى من ينازعه، فقد وجه إليه، ومنازعتهم قولهم: أتأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون ما قتله الله؟ يعنون الميتة أي. فلا يخاصمنك في أمر الذبح. وقيل: معناه ليس لهم أن ينازعوك في شريعتهم، وقد نسخت هذه الشريعة الشرائع المتقدمة. “وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ” أي: لا تلتفت إلى منازعتك، وادع إلى توحيد ربك، وإلى دينه “إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ” أي: على دين قيم.

وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله جلت قدرته “لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ ۖ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ ۚ وَادْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ ۖ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ” ﴿الحج 67﴾ لكلّ اُمّة عبادة: تناولت البحوث السابقة المشركين خاصّة، ومخالفي الإسلام عامّة، ممّن جادلوا فيما أشرق به الإسلام من مبادىء نسخت بعض تعاليم الأديان السابقة. وكانوا يرون من ذلك ضعفاً في الشريعة الإسلامية، وقوّة في أديانهم، في حين أنّ ذلك لا يشكل ضعفاً إطلاقاً، بل هو نقطة قوّة ومنهج لتكامل الأديان ولذا جاء الفصل الربّاني جلّياً “لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ”. (المناسك) ـ كما قلنا سابقاً ـ جمع (منسك) أي مطلق العبادات، ومن الممكن أن تشمل جميع التعاليم الإلهيّة. لهذا فإنّ الآية تبيّن أنّ لكلّ اُمّة شرعة ومنهاجاً يفي بمتطلّباتها بحسب الأحوال التي تعيشها، لكنّ ارتقائها يستوجب تعاليم جديدة تلبّي مطامحها المرتقّية، وهذا ما صدعت به الآية المباركة وانارته قائلة: “فلا ينازعنّك في الأمر”. فبما تقدّم لا ينبغي لهم منازعتك في هذا الأمر. “وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ”. تخاطب الآية النّبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ياأيّها النّبي لا يؤثّر هؤلاء في دعوتك الراشدة باعتراضاتهم الضالّة، فالمهتدي إلى الصراط المستقيم أقوى من الضارب في التيه. فوصف (الهدى) بالإستقامة، إمّا تأكيداً لها، وإمّا إشارة إلى أنّها يمكن أن تتحقّق بطرق مختلفة، قريبها وبعيدها، مستقيمها وملتويها، إلاّ أنّ الهداية الإلهيّة أقربها وأكثرها إستقامة. 

تكملة للحلقة السابقة عن رابطة العلماء السوريين: كلمات في القرآن (أمة) للدكتور عثمان قدري المكانسي: 5- وتأتي بمعنى القـِسْم من الشيء لا يبلغ الشطر بل هم قليل قالوا في عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ما يليق بهما، فقصدوا القول الحق ولم يتعدّوه. مثال ذلك الآية 66 من سورة المائدة في قوله تعالى ” ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أُنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، منهم أمة مقتصدة، وكثير منهم ساء ما يعملون ” وأراد بالقصد الاعتدالَ والحقيقة أناساً من أهل الكتاب آمنوا واتقـَوا كالنجاشي وسلمان وابن سلام وغيرهم، فكان تقواهم لله سبباً في توسيع الله تعالى عليهم الرزق والخيرات ألم يقل الله تعالى في سورة الجن يؤكد الرزق الوافر لمن آمن به وعمل بمقتضى الإيمان ” وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً ” ؟. وقال كذلك في سورة الطلاق ” ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب ” ؟ ثم وعد – في سورة إبراهيم – بالمزيد لمن اتقى وشكر ربه ” وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنـّكم “.وكذلك نجد الثلث أو القسم الثالث الذي على الصواب من قصة اليهود في يوم السبت في قوله تعالى في الآية 164 من سورة الأعراف ” وإذ قالت أمة منهم لِمَ تعظون قوماً اللهُ مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً ؟ قالوا معذرة إلى ربهم ولعلهم يتقون ” فهؤلاء هم الصالحون الذين نبهوا وحذّروا، ثم لم يخالطوا المفسدين وتميّزوا عنهم، بينما كانت فئة ثانية نبّهت وحذّرت إلا أن ذلك لم يمنعها أن تخالط المفسدين وتؤاكلهم وتسامرهم. هؤلاء الصالحون لم يتوانَوا عن إسداء النصح والتذكير بالله حتى اللحظة الأخيرة علّ المخطئ يرعوي ويتقي الله، ويقلع عن المعصية قبل حلول العذاب، فينجو. وما يفعل ذلك إلا العطوف من المسلمين المحب للناس جميعاً، الذي يأمل بالناس أن يتوبوا ويثوبوا، ويرجعوا عن غيهم، والمؤمن لا ييئس ويظل داعية يصدق في دعوته، ويسعى لها بما أوتي وما استطاع. 6- وتأتي بمعنى: قرن وجيل. كما في قوله تعالى في الآية 34 من سورة الأعراف ” ولكل أمة أجل، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ” وسيأتيهم ميقاتهم المقدّر. وقد وضح القرطبي سبب النزول فقال: إن الكفار كَانُوا ” إِذَا فَعلوا فَاحشَة قالوا وجدنا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاَللَّه أَمَرَنَا بِهَا ” , وَوَعيدًا منه – سبحانه – لَهُمْ عَلَى كَذِبهمْ عَلَيهِ وَعَلَى إِصرارهم عَلَى الشِّرك بِهِ وَالمُقام عَلَى كُفرهمْ , ومذكراً لَهم مَا أَحَلَّ بأمثالهم من الأمم الَّذِينَ كَانُوا قَبلهم. ولكل جَمَاعَة اجْتَمَعَت عَلَى تكذيب رُسُل اللَّه وَرَدّ نَصَائِحهمْ , والشرك بالله مَعَ مُتَابَعَة رَبّهم حُجَجه عليهم وَقتٌ لحلول العقوبات بساحتهم , ونزول المثـُلات بهم على شركهم. ولن يؤخرهم ربهم عما قدّر لهم من عقوبات في الأجل الذي حتـّمه لهم. 7- وتأتي الأمة بمعنى الشبيه والمثيل في الصفات والعاقبة كقوله تعالى في الآية 38 من سورة الأعراف ” قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ الإنس فِي النَّارِ، كلما دَخَلَتْ أمة لعنتْ أختَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخرَاهُمْ لأولاهم: رَبَّنَا هؤلاء أَضَلُّونَا فآتهم عَذَابًا ضِعفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعفٌ وَلَكِنْ لا تَعلَمُونَ ” فالله تعالى يَقول لهؤلاء الْمُشْرِكِينَ بِهِ الْمُفتَرِينَ عَلَيْهِ المكذبين بِآيَاتِهِ ” اُدْخُلُوا فِي أُمَم ” مِنْ أمثالكم وَعَلَى صفاتكم ” قد خلتْ من قبلكم ” مِنْ الأمم السالفة الْكَافِرَة ” من الجن والإنس في النار ” إنهم يلتقون مغضبين سابين شاتمين من كان سبب دخولهم في النار واجتماعهِم فيها ” كلما دخلت أمة لعنت أختَها ” وقد قال الله تعالى على لسان خليله إبراهيم عليه السلام ” ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض، ويلعن بعضكم بعضاً ” ويتبرأ بعضهم من بعض ” إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اُتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اِتَّبَعُوا” ” فإذا التقى هؤلاء في النار جميعاً واجتمع بعضهم إلى بعض شكا الآخرون الأولين إلى الله لأنهم كانوا سبب ضلالهم فيقولون ” رَبّنَا هؤلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنْ النَّار ” فيجيبهم بأنه جازاهم جميعاً بما يستحقون من عذاب شديد ” قَال َلكل ضِعْف ” نسأل الله العافية وحسن الختام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *