download (2)

ضياء ابو معارج الدراجي

إنَّ طبيعة الأنظمة الاستبدادية تقوم على خلق أعداء وهميين أو واقعيين لتبرير وجودها واستمرار حكمها، فتارة تستهدف القوميات، وتارة تستهدف المذاهب، وفي أحيان كثيرة تجمع بين الاثنين لتقسيم الشعوب وضمان عدم توحدها ضدها. هذه السياسة كانت جلية في العراق عبر تاريخه السياسي الحديث، حيث عانت مكونات متعددة من القمع والتهميش وفقًا للهوية التي تحملها، سواء كانت قومية أو دينية أو طائفية.

الحديث عن “الأغلبية” و”الأقلية” في العراق هو حديث مضلل حين يكون الهدف منه التلاعب بالحقائق الديموغرافية لخدمة أجندات سياسية ضيقة. فالبعض، حين يعجز عن إيجاد شرعية لمواقفه، يسعى إلى توسيع قاعدته العددية بضم مكونات أخرى تحت مظلة مذهبية أو قومية، رغم أن هذه المكونات لم تكن يومًا جزءًا من منظومته الفكرية أو السياسية. هذا ما نشهده اليوم، حيث تحاول بعض الأطراف التي لطالما اعتبرت نفسها فوق الآخرين، أن تتقمص دور المظلومية، فتجمع تحت جناحها من كان يُنظر إليهم سابقًا كأدنى مرتبة، كل ذلك في محاولة يائسة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

الأكراد في العراق، رغم تنوع مذاهبهم ودياناتهم، توحدوا تحت الهوية القومية، لأنهم كانوا هدفًا للاضطهاد بسبب أصلهم العرقي وليس بسبب دينهم. الأمر ذاته ينطبق على التركمان، والآشوريين، واليزيديين، وغيرهم. الهوية الجامعة في هذه الحالات لم تكن المذهب، بل القومية التي تعرضت للقمع. أما الشيعة في العراق، فقد تعرضوا للاضطهاد عبر قرون طويلة، لا لكونهم عربًا أو فرسًا أو أكرادًا، بل لأنهم شيعة، أي أن استهدافهم كان قائمًا على مبدأ عقائدي خالص، مما جعلهم في مواجهة دائمة مع الأنظمة التي حاولت إقصاءهم أو استيعابهم قسرًا.

حين كان صدام حسين يحكم، لم يكن ينظر إلى الأكراد السنة كجزء من مذهب الأغلبية السنية، بل كان يعتبرهم تهديدًا قوميًّا يجب سحقه، تمامًا كما استهدف الشيعة العرب، بغض النظر عن انتماءاتهم العشائرية أو الجغرافية. واليوم، بعد كل التحولات السياسية، يحاول البعض أن يعيد إنتاج الخطاب الطائفي الذي سقط سقوطًا مدويًّا، فيروجون لنظريات عبثية عن “تجنيس” الأغلبية أو التشكيك في انتمائها الوطني، متناسين أن عقودًا من الحكم القمعي لم تستطع تغيير هذه الحقيقة، ولن تفلح أكاذيبهم في خداع الأجيال الجديدة التي لم تعايش تلك الحقبة، لكنها تمتلك من الوعي ما يكفي لتمييز الحقائق من الأباطيل.

إنَّ الاضطهاد السياسي، سواء كان بدافع قومي أو طائفي، لا يمكن أن يستمر للأبد، فالتاريخ أثبت أن الشعوب المظلومة قد تصبر، لكنها لا تنسى، وإذا أُتيح لها أن تستعيد حقوقها، فلن يكون ذلك عبر استبدال ظالم بآخر، بل عبر بناء دولة عادلة تحترم جميع مواطنيها دون تمييز.

ضياء ابو معارج الدراجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *