اسم الكاتب : مصطفى اللداوي
ليس أكثر من الشعارات البراقة الخلابة، الحلوة الجذابة، المنمقة المزخرفة، المدغدغة للعواطف والمثيرة للمشاعر في الشارع الفلسطيني، يسمعها المواطنون في كل مكان، ويجبرون على تجرعها في كل الأزمان، وكأنها أفيون فاخرٌ يخدر بها المسؤولون على اختلاف توجهاتهم وصفاتهم عقل وضمير المواطن الفلسطيني، يضحكون بها عليه، ويتسللون إليه من خلالها، يسكتون ثورته، ويهدؤون انفعاله، ويستلون غضبه، وينسونه لحينٍ همومه وأحزانه ومشاغله وما يقلقه.
بل إنهم يجرونه إليهم، ويجندونه معهم، ويصبح حاملاً لشعاراتهم ومؤمناً بها وناشراً لها، يبشر بلسانهم بها، ويعد نفسه والمواطنين بقرب تحقيقها، ويدافع من خلالها عن صدق القادة وإخلاص المسؤولين، وجدة وهمة العاملين، ويعيب على منتقديهم، ويعتب على مناوئيهم، ويطالب بالصبر عليهم، ومنحهم بعض الوقت ليتمكنوا من تحقيق شعاراتهم والوصول إلى أهدافهم.
باتت كلمات المسؤولين والقادة والأمناء العامين ورؤساء وأعضاء المكاتب السياسية والمتحدثين باسم القوى والأحزاب والفصائل غنية بالعناوين الكبيرة، والأماني العظيمة، والطموحات العريقة، التي يتشدقون بها، ويرفعون أصواتهم عند ذكرها، وكأن تصفيق المواطنين يغريهم، وفرحة شعبهم تدفعهم للمضي في مسلسلهم، ولو أنهم كانوا يعلمون أنهم يكذبون ولا يقولون الصدق، ويخدعون المواطنين ويداهنونهم، أو أنهم عاجزون وغير قادرين على تحقيق ما ينادون به، إما لأن الشعارات أكبر منهم، وأنهم لا يستطيعون تحقيقها بأنفسهم، لوجود قوى تمنعهم، أو ظروف تحول بينهم وبين تحقيقها، كاعتراض دولٍ أو تدخل حكومة الكيان، أو لأن مصالحهم تتنافى مع تحقيقها، وتنهار أمامها، ولا تتفق وإياها، وكأن ارتباطهم في نقيضها، وبقاؤهم في استحالة تحقيقها.