الكاتب : فاضل حسن شريف
تبين الآية المباركة أنّه إذا اقتضت الظروف التقية فللمسلمين أن يظهروا الصداقة لغير المؤمنين الذين يخشون منهم على حياتهم بشرط عدم جعلهم أسياد والمسلمين عبيد لهم وإنما الابتعاد ودفع شرهم. والمرجعية الدينية الرشيدة تتبع القرآن في توجيهاتها الناصحة الى الطريق السليم. جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى “لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ” (آل عمران 28) ما بين سبحانه أنه مالك الدنيا والآخرة، والقادر على الإعزاز والإذلال، نهى المؤمنين عن موالاة من لا إعزاز عندهم، ولا إذلال من أعدائه، ليكون الرغبة فيما عنده وعند أوليائه المؤمنين دون أعدائه الكافرين، فقال: “لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ” أي: لا ينبغي للمؤمنين أن يتخذوا الكافرين أولياء لنفوسهم، وأن يستعينوا بهم، ويلتجئوا إليهم، ويظهروا المحبة لهم، كما قال في عدة مواضع من القرآن نحو قوله: “لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهً ورَسُولَهُ” الآية. وقوله: “لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ” (المائدة 51) و “لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ” (الممتحنة 1). وقوله: “مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ” معناه: يجب أن يكون الموالاة مع المؤمنين، وهذا نهي عن موالاة الكفار، ومعاونتهم على المؤمنين. وقيل: نهي عن ملاطفة الكفار، عن ابن عباس. والأولياء: جمع الولي، وهو الذي يلي أمر من ارتضى فعله بالمعونة والنصرة، ويجري على وجهين أحدهما: المعين بالنصرة. والآخر: المعان. فقوله تعالى: “اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا” معناه: معينهم بنصرته. ويقال: المؤمن ولي الله أي: معان بنصرته. وقوله: “وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ” معناه من اتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين. “فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ” أي: ليس هو من أولياء الله، والله برئ منه. وقيل: ليس هو من ولاية الله تعالى في شئ. وقيل: ليس من دين الله في شيء. ثم استثنى فقال: “إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً” والمعنى إلا أن يكون الكفار غالبين، والمؤمنون مغلوبين، فيخافهم المؤمن إن لم يظهر موافقتهم، ولم يحسن العشرة معهم، فعند ذلك يجوز له إظهار مودتهم بلسانه، ومداراتهم تقية منه، ودفعا عن نفسه، من غير أن يعتقد ذلك. وفي هذه الآية دلالة على أن التقية جائزة في الدين عند الخوف على النفس. وقال أصحابنا: إنها جائزة في الأحوال كلها عند الضرورة، وربما وجبت فيها لضرب من اللطف والاستصلاح. وليس تجوز من الأفعال في قتل المؤمن، ولا فيما يعلم أو يغلب على الظن أنه استفساد في الدين. قال المفيد: إنها قد تجب أحيانا وتكون فرضا، ويجوز أحيانا من غير وجوب، وتكون في وقت أفضل من تركها. وقد يكون تركها أفضل، وإن كان فاعلها معذورا ومعفوا عنه، متفضلا عليه بترك اللوم عليها. وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي (قده): ظاهر الروايات تدل على أنها واجبة عند الخوف على النفس، وقد روى رخصة في جواز الإفصاح بالحق عنده. وروى الحسن أن مسيلمة الكذاب أخذ رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لأحدهما: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم. قال: أفتشهد أني رسول الله ؟ فقال: نعم. ثم دعا بالآخر فقال: أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال: نعم. ثم قال: أفتشهد أني رسول الله ؟ فقال: إني أصم قالها ثلاثا، كل ذلك يجيبه بمثل الأول. فضرب عنقه. فبلغ ذلك رسول الله فقال: أما ذلك المقتول فمضى على صدقه ويقينه، وأخذ بفضله، فهنيئا له. وأما الآخر فقبل رخصة الله، فلا تبعة عليه. فعلى هذا تكون التقية رخصة والإفصاح بالحق فضيلة. وقوله: “وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ” يعني إياه، فوضع نفسه مكان إياه ومعناه: ويحذركم الله عقابه على اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، وعلى سائر المعاصي. وذكر ” نفسه ” لتحقيق الإضافة، كما يقال: احذر الأسد أي: صولته وافتراسه دون عينه “وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ” معناه: وإلى جزاء الله المرجع. وقيل: إلى حكمه.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى “لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ” (آل عمران 28) العلاقة مع الأجنبي: ذكرت الآيات السابقة أن العزّة والذلّة وجميع الخيرات بيد الله تعالى. وبهذه المناسبة فإن هذه الآية تحذّر المؤمنين من مصادقة الكافرين وتنهاهم بشدّة من موالاة الكفّار، لأنّه إذا كانت هذه الصداقة والولاء من أجل العزّة والقدرة والثروة. فإنها جميعاً بيد الله عزّوجلّ. ولذلك تقول الآية: “لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ” ولو إرتكب أحد المؤمنين ذلك فإنه يقطع إرتباطه مع الله تماماً “وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ” وقد نزلت هذه الآية في وقت كانت هناك روابط بين المسلمين والمشركين مع اليهود والنصارى. وهذه الآية درس سياسيّ وإجتماعيّ مهمّ للمسلمين، فتحذّرهم من إتّخاذ الأجنبي صديقاً أو حامياً أو عوناً ورفيقاً، في أيّ عمل من أعمالهم، ومن الإنخداع بكلامه المعسول وعروضه الجذّابة وتظاهره بالمحبّة الحميمة، لأنّ التاريخ قد أثبت بأنّ أقسى الضربات التي تلقّاها المؤمنون جاءت من هذا الطريق. لو أنّنا طالعنا تاريخ الاستعمار للاحظنا أنّ المستعمرين جاؤوا دائماً في لبوس الصداقة والترحّم وحبّ الإعمار والبناء فتغلغلوا بين طبقات المجتمع. إنّ كلمة «استعمار» التي تعني الإعمار والبناء دليل على هذا الخداع، فهم بعد أن يتمكّنوا من إنشاب مخالبهم في جذور المجتمع المستعمَر، يبدأون بامتصاص دمائه بكلّ قسوة وبغير رحمة. “مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ” إشارة إلى أنّ الناس في حياتهم الإجتماعية لابدّ لهم من إتّخاذ الأولياء والأصدقاء، فعلى المؤمنين أن يختاروا أولياءهم من بين المؤمنين، لا من بين الكافرين. “لَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ”. تقول الآية: إن الذين يعقدون أواصر صداقتهم وولائهم مع أعداء الله، ليسوا من الله في أيّ شيء من الأشياء، أي أنّهم يكونون قد تخلّوا عن إطاعة أوامر الله وقطعوا علاقتهم بالجماعة المؤمنة الموحّدة، وانقطعت ارتباطاتهم من جميع الجهات. “إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً”. هذا إستثناء من الحكم المذكور، وهو أنّه إذا اقتضت الظروف التقية فللمسلمين أن يظهروا الصداقة لغير المؤمنين الذين يخشون منهم على حياتهم. ولكن الآية تعود في الختام لتؤكّد الحكم الأوّل فتقول: “يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ” فالله ينذر الناس أوّلاً بغضب منه وبعقاب شديد، ثمّ إنّ مرجع الناس جميعاً إلى الله. وإن تولّوا أعداء الله نالوا عاجلاً نتيجة أعمالهم.
جاء في موقع الحرة واشنطن تعمل مع بغداد لمنع الانجرار إلى صراع الشرق الأوسط بتأريخ 8 نوفمبر 2024: بحث وزير الخارجية الاميركي، أنتوني بلينكن، مع رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، الجهود الدبلوماسية الجارية لإنهاء الحرب في غزة. ودعا بلينكن، بحسب بيان للخارجية الأميركية، الحكومة العراقية إلى الوفاء بالتزاماتها بحماية موظفي الولايات المتحدة وملاحقة المسؤولين عن الهجمات التي تنطلق من العراق على موظفي الولايات المتحدة في العراق وسوريا. دوغلاس أوليفانت كبير الباحثين في مؤسسة “نيو أميركا” ومدير سابق لبرنامج العراق في مجلس الأمن القومي قال لقناة “الحرة” إن النزاع الذي يستعر في المنطقة يهدد بدفع العراق إلى هذا الصراع بسبب عدم قدرة الحكومة المركزية على السيطرة على الفصائل المسلحة. وأكد بلينكن على أهمية عدم انجرار العراق إلى صراع إقليمي وشدد على ضرورة أن يفرض العراق سيطرته على الجماعات المسلحة التي تشن هجمات غير مصرح بها من أراضيه. دوغلاس أوليفانت كبير الباحثين في مؤسسة “نيو أميركا” ومدير سابق لبرنامج العراق في مجلس الأمن القومي أوضح من جهته لقناة “الحرة”، أن الولايات المتحدة غير قادرة على كبح جماح رد الفعل، مضيفا أن عدم تورط العراق في هذا لصراع مرهون ببسط اليد على جميع المقرات والمنشآت التابعة لهذه الفصائل.
وعن التقية وأحكامها يقول الدكتور أحمد الوائلي رحمه الله في كتابه هوية التشيع: على أنّ هناك ظاهرة اُلفت النظر إليها: وهي أنّ الشيعة منذ تعرضوا للضغط عاشت عندهم التقية على مستوى الفتاوى ولم تعش على المستوى العملي بل كانوا عملياً من أكثر الناس تضحية وبوسع كل باحث أن يرجع إلى مواقف الشيعة مع معاوية وغيره من حكام الاُمويين وحكام العباسيين كحجر بن عدي وميثم التمّار ورشيد الهجري وكميل بن زياد ومئات غيرهم وكمواقف العلويين على امتداد التاريخ وثوراتهم المتتالية. وبعد هذا فإنّ القول بالتقية لم ينفرد به الشيعة بل هم في ذلك كسائر المسلمين وذلك واضح من آراء المسلمين عند شرحهم للآيات الكريمة والأحاديث الواردة في هذا الخصوص. فمن الآيات الكريمة التي وردت في هذا الموضوع قوله تعالى: “لا يتخذ المؤمنين الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيءٍ إلا أن تتقوا منهم تقاة وحيذركم الله نفسه وإلى الله المصير” (آل عمران 28) وقوله تعالى: “إلا من اُكره وقلبه مطمئنّ بالإِيمان” (النحل 106). أما الأحاديث فمنها ما ذكره البخاري في صحيحه كتاب الأدب باب المداراة مع الناس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم إنا لنكشر في وجوه قوم وقلوبنا تلعنهم. و كقوله: رفع عن اُمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ذكر ذلك ابن عربي عند تفسيره للآية 106 من سورة النحل، و كقول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: لمحمد بن مسلمة ومن معه لما أرسلهم لقتل كعب بن الأشرف فقالوا: يا رسول الله أتأذن لنا أن ننال منك؟ فأذن لهم وقد انقسم المسلمون في مفاد هذه النصوص ودلالتها على التقية إلى أقسام قال بعضهم بجوازها بالقول دون الفعل، وعممها بعضهم إلى الفعل، واختلفوا في وجوبها مطلقاً، أو جوازها مطلقاً أو التفصيل فتجب في بعض الموارد وتجوز في اُخرى.
جاء في منتدى جامع الأئمة في خطب الجمعة للسيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: إن التقوى أصلها اللغوي من اتقاء الشر وفي حدود فهمي اعطيك اطروحة بسيطة. ان الشر الذي يتقيه الإنسان، ان كان شرا دنيويا فهو التقية قال الله تعالى: “إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ” (ال عمران 28) وان كان شرا اخروياً فهو التقوى اذن التقية في الشر الدنيوي والتقوى في الشر الأخروي وان كان شرا اخروياً فهو التقوى اي اتقاء غضب الله جل جلاله وعقابه بالاختصار على الطاعة وترك المعاصي والصبر على البلاء والرضا بالقضاء. انني وجدت حسب اطلاعي القاصر ان أعظم من وعد بالأجر والثواب والمقامات العالية في القرآن الكريم هو عنوانين و مجموعتين من الناس المتقون والصابرون.