رسالةٌ واحدةٌ فقط هيَ سريَّةٌ وهيَ علنيَّةٌ

الكاتب : نزار حيدر

نــــــــــــــــــــــــــــــزار حيدر لـ [العرَبي الجديد] اللَّندنيَّة؛ رسالةٌ واحدةٌ فقط هيَ سريَّةٌ وهيَ علنيَّةٌ

   ١/ ما يشهدهُ العراق من زياراتٍ مكُوكيَّةٍ من وإِلى العاصِمة بغداد، وأَهمَّها زيارة الوزير بلينكِن واجتماعهِ برئيس مجلس الوُزراء السيِّد السُّوداني، تتمحوَر حولَ نُقطةٍ جَوهريَّةٍ واحدةٍ فقط وهيَ؛ أَن يضبطَ العراق نفسهُ فيما يخصُّ الملفِّ السُّوري فلا يتصرَّف خارج المألوف أَو يشُذَّ عن إِجماعِ دُوَل الجِوار والمنطقة والمُجتمع الدَّولي.

   ٢/ ولهذهِ الرِّسالة المُحوريَّة سببٌ واضحٌ جدّاً وهوَ؛

   أَنَّ بغداد تتعرَّض لضغطٍ مهُولٍ من قبلِ طهران لإِعادةِ النَّظرِ بقرارِ إِغلاقِ الحدُود المُشتركة بينَ العراق وسوريا، لإِعادةِ تكرارِ تجربةِ [المُقاومة] التي قادَتها وقتَها الحليفتَينِ المُقرَّبتَينِ لبعضهِما طهران ودمشق على الأَراضي العراقيَّة عندما غزَت الوِلايات المُتَّحدة الأَميركيَّة وبريطانيا العراق وأَسقطتا نظام الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين.

   هذا الهدَف الذي تعمل على إِحيائهِ طهران مُجدَّداً لم يعُد خافياً على أَحدٍ، فلقد جاءَ على لسانِ المُرشدِ الإِيراني الأَعلى في خطابهِ الأَخير الذي شرحَ فيهِ ما جرى وسيجري في سوريا مُتوعِّداً بتِكرارِ تجربةِ [المُقاوَمةِ في العراق] لمنعِ أَيِّ نفوذٍ لواشنطن في سوريا بعد سقوطِ حليفهِ المُدلَّل بشَّار الأَسد.

   هذا الهدفُ [السَّامي] من وجهةِ نظرهِ لا يمكنُ أَن يتحقَّق إِلَّا إِذا قرَّر العراق فتحَ حدودهِ مع سوريا، فهي المَنفذ الوحيد لعبورِ [الجهاديِّينَ الجُدُد] إِليها والبدء بمشرُوعِ [المُقاومةِ] كما كانت نفس هذهِ الحدُود هي المعبر الوحيد لعبورِهم والذينَ تجمَّعُوا من مُختلفِ دُول العالَم في سوريا ليتمَّ تدريبهِم وتأهيلهِم وتمكينهِم قبلَ نقلهِم إِلى العراق.

   وكأَنَّ طهران تحاولُ إِنجازَ هجرةٍ مُعاكسةٍ لما عُرِفَ وقتَها بـنظريَّةِ [تجميعِ الجراثيمِ] ولكن هذهِ المرَّة بعناوينَ [طائفيَّةٍ] أُخرى على النَّقيضِ من تلكَ التي تمَّ توظيفَها في العراق وهي النظريَّة التي راحَ ضحيَّتها العراق وشعبهِ الأَبيِّ.

   ٣/ العراقُ من جانبهِ يعرفُ أَنَّ تراجعَهُ عن قرارِ إِغلاقِ الحدُودِ بمثابةِ تهوُّرٍ واللَّعبِ بالنَّارِ، خاصَّةً وأَنَّ أَنقرة تُراقب وتمُدَّ نظرَها من كركوك إِلى زاخو، فيما اشترطَت واشنطن على بغداد لإِلتزامِها بما أَعلنَ عنهُ الرَّئيس بايدن الأُسبوع الماضي من أَنَّهُ سيحمي [العِراق والأُردن و(إِسرائيل)] من أَيَّةِ تطوُّراتٍ سلبيَّةٍ مُحتملةٍ في سوريا قد تضرُّ بهِم، إِشترطَت على بغداد أَن تلتزِمَ بالتَّعليماتِ إِذا كانت تنتظِر مساعدتِها لمواجهةِ أَيَّةِ مخاطِرَ مُحتملةٍ سواءً من قبلِ أَنقرة أَو [تل أَبيب] أَو الإِرهاب!.

   ٤/ وبحمدِ الله تعالى فالعراق لحدِّ الآن عمِلَ الشَّيء الصَّحيح ليحمي نفسهُ من كُلِّ هذهِ المخاطرِ.

   حتَّى الفصائل المُسلَّحة يبدو أَنَّها تعلَّمت الدَّرس واستوعبَت التَّجربة وأَصغت لنداءِ العقلِ والمنطقِ الذي أَطلقهُ الوطنيُّونَ بمُختلفِ توجُّهاتهِم وخلفيَّاتهِم وأَوزانهِم فغمدَت سيوفَها وأَعادت سهامَها في أَكنانِها وتلاشت عن السَّاحةِ ولَو إِلى حينٍ على أَملِ أَن يقنعَها القائد العام للقوَّات المُسلَّحة [بالدُّستور والقانون وفتوى المرجعِ الأَعلى] بوجوبِ تسليمِ سلاحِها إِلى الدَّولةِ وتفكيكِ تنظيماتِها المُسلَّحةِ والإِندماجِ بمُؤَسَّساتِ الدَّولةِ لتتحوَّل إِلى مُواطنين صالحِين حريصينَ على البلادِ كأَيِّ مُواطنٍ حُرٍّ شريفٍ آخر يعملُ بمبدأ [العراق أَوَّلاً].

   ٥/ والعراق في أَمانٍ بالمُستوى المنظُور مازالَ مُلتزماً بحدُودهِ ويحترم قدراتهِ فهو يختلفُ كثيراً عن بقيَّةِ دُول الجِوار السُّوري والمَنطقةِ كونَهُ مازالَ يُجاهدُ لانتزاعِ سيادتهِ الكاملةِ على كُلِّ شيءٍ بما في ذلكَ عُملتهِ الوطنيَّةِ.

   والعراق في أَمانٍ إِذا بلعَ [الزُّعماءُ] الأَغبياءُ الذين ربطُوا مصيرهُم بمصيرِ الطَّاغيةِ الأَسد من أَمثالِ المالكي ومَن لفَّ لفَّهُ أَلسنتهُم واحترمُوا قرار الدَّولة!.

   ٢٠٢٤/١٢/١٤

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *