أدهم-الشبيب

ادهم الشبيب

كعادة الناس في نهاية كل حدث كبير ، كثر اللغط والجدال حول اتفاق وقف اطلاق النار بين غزة المدينة المحاصرة من قبل اخوتها العرب والعالم وبين اسرائيل “الدولة” المدعومة من قبل الحكام العرب والعالم ، 

وكما استمر الجدل حول تحرير سوريا من براثن ايران وروسيا قبل شهر ، بين ان كان تحريرها جهادا ونصرا ام مؤامرة وخيبة وهل كان بأيدي أهلها أم هم وكلاء عن التركي وغيره ، وظهر يومئذ الذين يؤولون الأمور ليقللوا من شأن أعظم حدث شهدته سوريا منذ نصف قرن على ايدي رجالها الاحرار وبسلاحهم ودمائهم ، فإن لم يحقق تقدما او تطورا بعد ، فيكفيه نصرا ونفعا انه حرر المظلومين واطلق المسجونين واعاد المهجرين الى ديارهم واوقف الزحف الفارسي المتغوّل والله يعلم عن القادم ولعله خير ، 

وها نحن اليوم أمام المجموعة نفسها لتخرج الينا مراعية بدقة متناهية وبعناية مجمعية علمية لمعنى كلمة “نصر” فهؤلاء العلماء اللغويون لا يقبلون من النصر الا ان يكون: “قتل العدو بالكامل وإفنائه ورميه في البحر وان لا يُجرح احد من الفريق المنتصر ولا يُهدم بيت ولا يخرب شارع” ، وهذا ليس الا المعنى الحرفي السطحي للنصر وافضل ما يراه العامي -وهواة افلام الأكشن والرامبو-من الانتصارات  ، وعلى هذا الراي فان الفلوجة لم تنتصر على امريكا في المعركتين الشهيرتبن عام 2004 و2005 فلماذا نفاخر بها ونمجّد اذن ونسمي مدارسنا في العالم الاسلامي باسمها ونقتني الالعاب الفديوية عنها ونتباهى بافلام هوليوود حولها بينما خرج منها اهلها حينذاك وسويت منازلها ومعالمها بالارض -كما شهدناها-بالكامل ! ، 

وعلى هذا فان مصر لم تنتصر في حرب اكتوبر 1973 فلماذا تحتفل بعبور خط بارليف اذن كل عام ، ولم تنتصر بريطانيا في الحرب العالمية الثانية إذ انتهت الحرب وليس هناك بناية قائمة في لندن مع نصف مليون قتيل ومصاب عسكري ومثلهم من المدنيين وتحطم 70 سفينة حربية كبرى و40 غواصة وفقدان 3500 طيارة و 65000 آلية ، وكذلك فان العراق لم يهزم ايران في حرب الثماني سنوات لانه خرج محطما منهكا مع نصف مليون ضحية فاحتاج سنوات بعد ذلك لإعادة الناس والاعمار ، بل يعني هذا ان النبي عليه الصلاة والسلام قد خسر دعوته يوم فقد المسلمون ما فقدوه في أحد وحنين ولجأوا الى المصالحة في الحديبية، 

بينما المنطق الآيديولوجي والمستقبلي والواقعي والتأثيري يقول ان مصر كسرت اسرائيل وحطمت اسطورة “جيش لايقهر وخط لا يعبر” التي صنعها الغرب واراد ان يكسر بها ارادة العرب فكسرت ذلك مصر وذلك نصر من بُعدِ آخر جرّ وراءه سنوات من التوازن بين الفريقين المتجاورين على ارض الواقع ، وان بريطانيا انتصرت بتحقيق مآرب من الخسائر الفادحة التي أصابتها ، والعراق انتصر بوقف المشروع الايراني في المنطقة ، وكذلك دعوة النبي عليه الصلاة والسلام انتشرت وانتصرت ووصلتنا اليوم بعد أحد ومعارك أخرى بين فرح وقرح حتى تم للمسلمين ما أرادوا آخر المطاف ، 

خرجت امس الصحف الاسرائيلية توبخ حكومة بلدها وجيشها وتصفهم بالعار والخسائر التي لم تثمر شيئا ، فما الذي اثمرته؟ قتل مدنيي غزة بالقصف وتهديم بيوتهم ثم عقد معاهدة مع مقاتلي حماس وانتظار ردها والجلوس الى طاولة معها وارسال وسطاء لإقناعها ، اين “انهاء وجود اخر مقاتل من حماس” إذن وحماس نفسها تنتشر الان في الشوارع ويدعمها شعبها وتسلّم الاسارى من بطون آلياتها بصور تتداول حضور المئات من مقاتليها بزيّهم العسكري الذي خرب مشروع اسرائيل الاستيطاني الذي كان يقوم على جذب المهاجرين اليهود الى “كيان آمن” ، وبدلا من ذلك فرّ مليون اسرائيلي من حمَلة الجنسية المزدوجة قافلين الى بلدانهم الأم الى غير رجعة ، مع تغيير عشرات الاف من الاخرين نياتهم في القدوم وكانت قد بنيت لهم المساكن قبل 7 تشرين 2023  لاستقبالهم ، وكيف سيأمن الباقون في اسرائيل على حياتهم وحماس والفصائل الاخرى ما زالت فاعلة وممكن ان يعاد ما حصل في “الطوفان” في أي يوم من أي عام قادم ، يضاف الى ذلك الأجيال التي يُتمت اليوم وشردت ستكبر بعد حين ! والمأسورون الفلسطينيون من القادة الميدانيين سيُطلقون ليعودوا محاربين محنّكين كما عاد ابو ابراهيم يوما ، والإرادة التي ظن العالم انها انتهت مع التطبيع العربي والمفاوضات الماراثونية بين الطرفين منذ نصف قرن ، فاذا بها تقفز من الظلام وتصحو من السبات ووسط اجواء الخذلان والانبطاح العربي لتدخل مناطق محصّنة في الكيان وتقتل جنوده وتخطف مستوطنيه ، 

فمتى سيعود الأمان الى العدو وكم سيحتاج ليعيد ثقة يهود العالم “بالدولة” المستقرة الآمنة المرفّهة! وقد قصفتها الصواريخ وزعزتها البنادق وتفجرت دباباتها كالبلاستك على ايدي الذين ثبّتهم الله بعد ان نصروه ، ومن يثبت الله اقدامه في المعارك فقد نصره {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} ، وقد رأينا الفلسطيني يتقدم راجلا الى دبابة مصفّحة مجهزة بكل سلاح وتكنولوجيا فيجعلها حطاما وقائدها في جوفها يرتعد ولا يحسن حراكا ليدافع عن نفسه امام مقاتل مكشوف الا من متفجرة في يده ولثام على وجهه ، فقد يكون النصر بقطع طرف من رجال العدو وعتاده وعدّته وعزيمته وفك دعم من حوله عنه أو يكبتهم -أي يذلهم ويخزيهم ويصرعهم-فيكون بشرى وبداية اطمئنان وقد انسحبوا خائبين : {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ ۗ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ () لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُوا خَائِبِينَ} 

وما زال هناك وعد بالنصر عظيم ووعد الله صادق، وأملنا بالله كبير.

أدهم الشبيب 20 ك٢ 2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *