علي مهدي الاعرجي
ان تنطق بشيء من الحقيقة افضل من الصمت
مصطلح الدولة النسبية ما هو إلا تعبير محدد يمكن استخدامه لوصف صورة أو حالة تشير إلى ضعف هيكلية الدولة أو عدم اكتمال أركانها الأساسية، حيث يتم استخدامه بكثرة من قبل بعض المحللين السياسيين. إلا أنه ليس مصطلحًا أكاديميًا يمكن أن يُرتكز عليه في علم السياسة، بل هو حالة عامة متداولة تُستخدم في الأوساط السياسية من أجل الخروج بصورة تقريبية للتشكيل الصوري للدولة. لا سيما أن عملية الإيضاح السياسي تُنتج لنا مصطلحات متعددة تتماشى مع الوضع السياسي العام.
ولعلي أجزم أن العراق تهيكل وتمحور لولادة دولة نسبية تنطبق عليها جميع معايير الخروج من النهج العلمي الأكاديمي السياسي العام إلى نهج المزاجية الفردية. واقع الأمر انا أنقل صورة عن الواقع الذي ربما يراه البعض ورديًا ولا اقدم اي نقد ، العراق دولة فاقدة لأهلية السيادة، أو بمعنى أدق لا يتمتع بكامل مقومات الدولة السيادية المطلقة في المنظور الحديث. وهنا أتحدث عن مفهوم الدولة في المنظور العلمي لا منظور السفسطة ، بل حديثنا يعتمد على عناصر و مقومات جزئية تبحث في بناء الهيكل العام للدولة لتحديد الثغرات في النظام النسبي الذي أوصلنا إلى مستوى متدنٍ في البنية العامة والذي بدوره اخذنا الى خلق مجموعة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
نعم، أنا لا أختلف مع الجميع بأن هناك جانبًا إيجابيًا لهذا المفهوم، حيث يكفل المفهوم النسبي للجميع حق المشاركة في إدارة الدولة من المكونات (شيعة، سنة، كورد، أقليات) تحت شعار ديمقراطي وضمان الحق الفردي في الانتخاب. وهذا بحد ذاته يُعتبر صورة متفردة للحق العام، حيث يعطي انطباعًا جمعيًا بأن الجزء له حق المشاركة في القيادة مع الكل. وبذلك يتيح حالة من حالات الطمأنينة النفسية لدى( القطيع) في حق الممارسة العامة لنشاطاته الفردية. إلا أنه في الواقع فقد الأهلية المطلقة في القيادة! بل إن الجمع الأكبر فقد الأهلية بسبب تشظي القاعدة المركزية الرصينة للحكم.
إن الدولة النسبية أو العراق بشكل مباشر (لا أعلم أيهما أصلح أن يُستخدم للتعبير: الدولة النسبية و العراق نموذج! أم العراق وخلق الدولة النسبية) تُعتبر فاقدة للسيادة بشكل محدود. لذلك تُشار إليها بأنها دولة محدودة السيادة، بمعنى أنها لا تملك القرار الكامل في الشأن الداخلي والخارجي للبلاد. فهناك قوى مسيطرة على القرار، منها الدولة العميقة، وإيران، وأمريكا، ودول الإقليم وتدخلاتهم وصراعاتهم في البلد. ولا أحتاج إلى أن أُسهب أكثر، فالجميع يعلم أن القرار السيادي يأتي باتفاق داخلي من قبل الماريونيت السياسي بأصابع خارجية.
بالتالي، فإن فقدان السيادة يعود إلى محور ارتباط آخر ينتج لنا ضعفًا في مؤسسات الدولة. ويأتي ذلك من عدم استقلاليتها، فكل جهة وحزب سياسي يملك جانبًا من الدولة ويحتاج إلى مال سياسي ليستمر في منهجية العمل. وهنا ينشطر الأمر إلى قسمين: الأول يعتمد على التمويل الداخلي، وينتج لنا مؤسسات مترهلة تعاني من الفساد. والجانب الآخر يعتمد على الدعم الخارجي، وهذا بحد ذاته يتيح المساحة الكاملة للقوى الخارجية أن تتحكم في قرارات الدولة المصيرية. فيترهل الاقتصاد ويضعف الجانب الأمني، وتُنتَهك سلطة الدولة بشكل جزئي و هذا ما يتيح للقوى الحاكمة مساحة في إنشاء خطوط موازية إلى خطوط الجهة الأمنية تحت عناوين ومسميات تهدف إلى حماية المكون النسبي من المكونات الأخرى. “المليشيات” رغم أني أرفض هذه الكلمة، لوجود بعض الأصوات التي تحاول أن تستغلها في إثارة الرعب لدى المواطن وتهدف إلى قتل روح الطمأنينة لديه في الدولة. هذا من الجانب العاطفي. أما من الجانب العلمي أعتقد أن الوضع في العراق أكثر تعقيدًا من تصنيف هذه الجماعات على أنها مليشيات، لأنها مرةً تدّعي الانتماء إلى القائد العام للقوات المسلحة، وتارةً تدّعي الاستقلالية. لذلك من الصعب أن يتم تصنيف الفصائل في العراق على أنها مليشيات، رغم اعتراف بعضها بالتبعية إلى خارج الحدود وبشفافية أكثر، لعلي أقول إنني لا أرغب الحديث بصراحة ولا ارغب في مدّ أذرع صراع شخصي ينتهي به المطاف أن أحصل على( قبر من مقابر مدينة النجف لا زلت متمسك بالحياة ) . تعتمد هذه المجاميع على تمويل خارجي وإطار عقائدي وأيديولوجية مختلفة عن فكر وبنية المواطن في نفس الدولة. وفي النهاية، نأتي بمحصلة مفادها انعدام أو فقدان الهوية الوطنية الجامعة، وتقدّم وسيادة الانتماء القومي والعقائدي والمذهبي على الانتماء الوطني.
لذلك، فإن أي فكرة تدعم مفردة الدولة النسبية تُعتبر غير صائبة ومخالفة للنظم السياسية العلمية الرصينة التي تدعم سيادة الدولة واستقلالية القرار المستقل بالمطلق.