آيات صوم رمضان وتفسير الطبرسي (ح 1)‎

فاضل حسن شريف

جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُو خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (البقرة 183-185) بين سبحانه فريضة أخرى فقال “يا أيها الذين آمنوا” أي يا أيها المصدقون وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: لذة ما في الندا أزال تعب العبادة والعنا وقال الحسن: إذا سمعت الله عز وجل يقول “يا أيها الذين آمنوا ” فارع لها سمعك فإنها لأمر تؤمر به أو لنهي تنهى عنه “كتب عليكم الصيام” أي فرض عليكم العبادة المعروفة في الشرع وإنما خص المؤمنين بالخطاب لقبولهم لذلك ولأن العبادة لا تصح إلا منهم ووجوبه عليهم لا ينافي وجوبه على غيرهم. وقوله “كما كتب على الذين من قبلكم” فيه أقوال (أحدها) أنه شبه فرض صومنا بفرض صوم من تقدمنا من الأمم أي كتب عليكم صيام أيام كما كتب عليهم صيام أيام وليس فيه تشبيه عدد الصوم المفروض علينا ولا وقته بعدد الصوم المفروض عليهم أو وقته وهو اختيار أبي مسلم والجبائي.  (وثانيها) أنه فرض علينا صوم شهر رمضان كما كان فرض صوم شهر رمضان على النصارى وكان يتفق ذلك في الحر الشديد والبرد الشديد فحولوه إلى الربيع وزادوا في عدده عن الشعبي والحسن وقيل كان الصوم علينا من العتمة إلى العتمة ثم اختلف فيه فقال بعضهم كان يحرم الطعام والشراب من وقت صلاة العتمة إلى وقت صلاة العتمة وقال بعضهم كان يحرم من وقت النوم إلى وقت النوم ثم نسخ ذلك فالمراد بقوله “الذين من قبلكم” النصارى على قول الحسن والشعبي وأهل الكتاب من اليهود والنصارى على قول غيرهما وقوله “لعلكم تتقون” أي لكي تتقوا المعاصي بفعل الصوم عن الجبائي وقيل لتكونوا أتقياء بما لطف لكم في الصيام فإنه أقوى الوسائل والوصل إلى الكف عن المعاصي كما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: خصاء أمتي الصوم وسأل هشام بن الحكم أبا عبد الله عن علة الصيام فقال إنما فرض الصيام ليستوي به الغني والفقير وذلك لأن الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير فأراد الله سبحانه أن يذيق الغني مس الجوع ليرق على الضعيف ويرحم الجائع.

“أياما معدودات” أي معلومات محصورات مضبوطات كما يقال أعطيت مالا معدودا أي محصورا متعينا ويجوز أن يريد بقوله “معدودات” أنها قلائل كما قال سبحانه دراهم معدودة يريد أنها قليلة واختلف في هذه الأيام على قولين (أحدهما) أنها غير شهر رمضان وكانت ثلاثة أيام من كل شهر ثم نسخ عن معاذ وعطا وعن ابن عباس وروي ثلاثة أيام من كل شهر وصوم عاشوراء عن قتادة ثم قيل أنه كان تطوعا وقيل بل كان واجبا واتفق هؤلاء على أن ذلك منسوخ بصوم شهر رمضان والآخر أن المعني بالمعدودات شهر رمضان عن ابن عباس والحسن واختاره الجبائي وأبو مسلم وعليه أكثر المفسرين قالوا أوجب سبحانه الصوم أولا فأجمله ولم يبين أنها يوم أو يومان أم أكثر ثم بين أنها أيام معلومات وأبهم ثم بينه بقوله “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ” (البقرة 185) قال القاضي وهذا أولى لأنه إذا أمكن حمله على معنى من غير إثبات نسخ كان أولى ولأن ما قالوه زيادة لا دليل عليه.  “فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر” عطف قوله “على سفر” وهو ظرف على قوله “مريضا ” وهو اسم مع أن الظرف لا يعطف على الاسم لأنه وإن كان ظرفا فهو بمعنى الاسم وتقديره فمن كان منكم مريضا أو مسافرا فالذي ينوب مناب صومه عدة من أيام أخر وفيه دلالة على أن المسافر والمريض يجب عليهما الإفطار لأنه سبحانه أوجب القضاء بنفس السفر والمرض ومن قدر في الآية فأفطر فقد خالف الظاهر.  وقد ذهب إلى وجوب الإفطار في السفر جماعة من الصحابة كعمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة وعروة بن الزبير وهو المروي عن أئمتنا فقد روي أن عمر بن الخطاب أمر رجلا صام في السفر أن يعيد صومه وروى يوسف بن الحكم قال سألت ابن عمر عن الصوم في السفر فقال أ رأيت لو تصدقت على رجل صدقة فردها عليك أ لا تغضب فإنها صدقة من الله تصدق بها عليكم وروى عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله الصائم في السفر كالمفطر في الحضر وروي عن ابن عباس أنه قال الإفطار في السفر عزيمة. وروى أصحابنا عن أبي عبد الله أنه قال الصائم في شهر رمضان في السفر كالمفطر فيه في الحضر وعنه عليه السلام قال لو أن رجلا مات صائما في السفر لما صليت عليه وعنه صلى الله عليه وآله وسلّم قال من سافر أفطر وقصر إلا أن يكون رجلا سفره إلى صيد أوفي معصية الله وروى العياشي بإسناده مرفوعا إلى محمد بن مسلم عن أبي عبد الله قال لم يكن رسول الله يصوم في السفر تطوعا ولا فريضة حتى نزلت هذه الآية بكراع الغميم عند صلاة الهجير فدعا رسول الله بإناء فيه ماء فشرب وأمر الناس أن يفطروا فقال قوم قد توجه النهار ولو تممنا يومنا هذا فسماهم رسول الله العصاة فلم يزالوا يسمون بذلك الاسم حتى قبض رسول الله. “وعلى الذين يطيقونه” الهاء يعود إلى الصوم عند أكثر أهل العلم أي يطيقون الصوم خير الله المطيقين الصوم من الناس كلهم بين أن يصوموا ولا يكفروا وبين أن يفطروا ويكفروا عن كل يوم بإطعام مسكين لأنهم كانوا لم يتعودوا الصوم ثم نسخ ذلك بقوله “فمن شهد منكم الشهر فليصمه ” وقيل أن الهاء يعود إلى الفداء عن الحسن وأبي مسلم وأما المعني بقوله “الذين يطيقونه ” ففيه ثلاثة أقوال (أولها) أنه سائر الناس كما قدمنا ذكره من التخيير والنسخ بعده وهو قول ابن عباس والشعبي (وثانيها) أن هذه الرخصة كانت للحوامل والمراضع والشيخ الفاني ثم نسخ من الآية الحامل والمرضع وبقي الشيخ الكبير عن الحسن وعطاء.  

(وثالثها) أن معناه وعلى الذين كانوا يطيقونه ثم صاروا بحيث لا يطيقونه ولا نسخ فيه عن السدي وقد رواه بعض أصحابنا عن أبي عبد الله أن معناه وعلى الذين كانوا يطيقون الصوم ثم أصابهم كبر أو عطاش وشبه ذلك فعليهم كل يوم مد وروى علي بن إبراهيم بإسناده عن الصادق عليه السلام وعلى الذين يطيقونه فدية من مرض في شهر رمضان فأفطر ثم صح فلم يقض ما فاته حتى جاء شهر رمضان آخر فعليه أن يقتضي ويتصدق لكل يوم مدا من طعام. وقوله “فدية طعام مسكين ” اختلف في مقدار الفدية فقال أهل العراق نصف صاع عن كل يوم وقال الشافعي عن كل يوم مد وعندنا إن كان قادرا فمدان فإن لم يقدر أجزأه مد واحد وقوله “فمن تطوع خيرا فهو خير له ” قيل معناه من أطعم أكثر من مسكين واحد عن عطا وطاووس وقيل أطعم المسكين الواحد أكثر من قدر الكفاية حتى يزيده على نصف صاع عن مجاهد ويجمع بين القولين قول ابن عباس من تطوع بزيادة الإطعام وقيل معناه من عمل برا في جمع الدين فهو خير له عن الحسن وقيل من صام مع الفدية عن الزهري.  وقوله “وإن تصوموا خير لكم ” أي وصومكم خير لكم من الإفطار والفدية وكان هذا مع جواز الفدية فأما بعد النسخ فلا يجوز أن يقال الصوم خير من الفدية مع أن الإفطار لا يجوز أصلا وقيل معناه الصوم خير لمطيقة وأفضل ثوابا من التكفير لمن أفطر بالعجز “إن كنتم تعلمون” إن الصوم خير لكم من الفدية وقيل إن كنتم تعلمون أفضل أعمالكم وفي قوله سبحانه “وعلى الذين يطيقونه ” دلالة على أن الاستطاعة قبل الفعل.

 ثم بين سبحانه وقت الصوم فقال “شهر رمضان” أي هذه الأيام المعدودات شهر رمضان أو كتب عليكم شهر رمضان أو شهر رمضان هو الشهر “الذي أنزل فيه القرآن” فبين أنه خصه بالصوم فيه لاختصاصه بالفضائل المذكورة وهو أنه “أنزل فيه القرآن” الذي عليه مدار الدين والإيمان. ثم اختلف في قوله “أنزل فيه القرآن ” فقيل أن الله أنزل جميع القرآن في ليلة القدر إلى السماء الدنيا ثم أنزل على النبي بعد ذلك نجوما في طول عشرين سنة عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وهو المروي عن أبي عبد الله وقيل إن الله تعالى ابتدأ إنزاله في ليلة القدر من شهر رمضان عن ابن إسحاق وقيل أنه كان ينزل إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ما يحتاج إليه في تلك السنة جملة واحدة ثم ينزل على مواقع النجوم إرسالا في الشهور والأيام عن السدي يسنده إلى ابن عباس وروى الثعلبي بإسناده عن أبي ذر الغفاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قال أنزلت صحف إبراهيم لثلاث مضين من شهر رمضان وفي رواية الواحدي في أول ليلة منه وأنزلت توراة موسى لست مضين من شهر رمضان وأنزل إنجيل عيسى لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان وأنزل زبور داود لثمان عشرة ليلة مضت من رمضان وأنزل الفرقان على محمد لأربع وعشرين من شهر رمضان وهذا بعينه رواه العياشي عن أبي عبد الله عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وقيل المراد بقوله “أنزل فيه القرآن” أنه أنزل في فرضه وإيجاب صومه على الخلق القرآن فيكون فيه بمعنى في فرضه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *