
نزار حيدر
{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ۖ وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا}.
ما أَن تأمُرَ بالمعروفِ وتنهى عن المُنكرِ فتفضحَ الفسادَ وتُعرِّي الفشلَ وتُحدِّثَ المُجتمع عن حقُوقهِ الدُّستوريَّة التي اغتصبَتها وسحَقتها السُّلطة، حتى يواجهُك ثَلاثة أَنواع من النَّاس؛
١/ المُستفيدُونَ من السُّلطةِ والمُستأكِلونَ أَموالَ الحرامِ التي يوزِّع فُتاتها الحاكم على زُمرةٍ من البوَّاقةِ والمُطبِّلين الذينَ تستأجِرهُم السُّلطة لقلبِ الحقائقِ وتبييضِ وجهِها الأَسود.
هذا النُّموذج يتحدَّثُ عنهُ القُرآن الكريم بقَولهِ تعالى {وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ* قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}.
كذلكَ يتحدَّثُ عنهُم أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بقَولهِ {فَلَا تُكَلِّمُونِي بِمَا تُكَلَّمُ بِه الْجَبَابِرَةُ ولَا تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِه عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ ولَا تُخَالِطُونِي بِالْمُصَانَعَةِ ولَا تَظُنُّوا بِي اسْتِثْقَالًا فِي حَقٍّ قِيلَ لِي ولَا الْتِمَاسَ إِعْظَامٍ لِنَفْسِي فَإِنَّه مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَه أَوِ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْه كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْه، فَلَا تَكُفُّوا عَنْ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ}.
والإِمامُ هُنا يمنعُ من ظاهِرةِ [المِهوال] الذي يمدح لكسبِ المالِ بغضِّ النَّظرِ عن هويَّةِ الممدُوحِ وما إِذا كان ظالِماً أَو مظلوماً.
٢/ الخائفُونَ الذين يخشَونَ أَيَّ نَوعٍ من الإِثاراتِ في المُجتمعِ، سواءً كانُوا يخافُون على مصالحهِم أَو أَموالهِم أَو أَيَّ شيءٍ آخر، المُهم إِنَّهُم خائفُونَ إِذا عارضَ أَحدٌ السُّلطة أَو فضحَ فسادها وفشلَها.
والغريبُ أَنَّ هذا الصِّنف من النَّاس لم يستفِد شيئاً من السُّلطةِ عادةً لكنَّهُ خائفٌ وكفى.
ولأَنَّهُم خائفُونَ فهُم لا يتحرَّكُونَ ولا يُحرِّكُونَ ساكِناً وفي نفسِ الوقتِ لا يُريدُونَ أَن يتحرَّكَ أَحدٌ.
أَي أَنَّهُم يخافُونَ فلا يأمرُونَ بالمعرُوفِ ولا ينهَونَ عن المُنكرِ، وخائِفُونَ إِذا أَمرَ أَحدٌ بالمعرُوفِ ونهى عن المُنكرِ!.
وهم الشَّريحة التي تتحدَّث عنها الآية الكريمة التي صدَّرنا بها المقال.
كذلكَ تُحدِّثنا عنها الآية الكريمة {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا}.
هذهِ الأَنواع الثَّلاثة التي تذكُرها الآية الكريمة دَورهُم يتلخَّص في نشرِ الطَّاقةِ السَّلبيَّةِ في المُجتمعِ حتَّى قالَ بعضهُم بأَنَّ الفَوضى في المُجتمعِ أَخطرُ عليهِ من الفسادِ والفشلِ ليُشرعِنَ بذلكَ السُّكُوتَ والخُنُوعَ والإِستسلامِ بإِزاءِ الظُّلمِ والقهرِ الذي يُمارسهُ الحاكِم ضدَّ الشَّعب!.
كذلكَ الآية الكريمة {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}.
٣/ السُّلطة نفسها والحاكِمُ نفسهُ فهُو أَوَّلُ مَن يُواجه الآمر بالمعرُوف والنَّاهي عن المُنكرِ، بالمُطاردةِ والإِعتقالِ والتَّعذيبِ والإِغتيالِ والتَّسقيطِ وفي كُلِّ ما لم يخطُر على بالِ بشرٍ.
يقُولُ تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّفِي مِلَّتِنَا ۖ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ}.
بُعدٌ آخرَ مُهمٌّ يرتبِط بالأَمرِ والنَّهي كذلكَ أَلا وهو؛ فلسفةُ الإِستبدال التي يُحدِّثنا عنها القُرآن الكريم فهي الأُخرى قائمةٌ على أَساسِ قاعدةِ الأَمرِ والنَّهي كونهُما {والأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعَوَامِّ والنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ رَدْعاً لِلسُّفَهَاءِ} كما يصفهُما أَميرُ المُؤمنِينَ (ع).
قالَ تعالى {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} باعتبارِ أَنَّ الأَمرَ والنَّهي تُعيدُ الأُمُورَ في المُجتمعِ إِلى نِصابِها، ولَو تُرِكت لعادَ المُجتمعُ إِلى نُقطةِ الصِّفرِ وإِلى المُربَّعِ الأَوَّل مرَّةً أُخرى!.
كما أَنَّ فلسفة الجَماعة المُنسجِمة والنَّاجِحة قائمةٌ كذلكَ على الأَمرِ والنَّهي كما في قولهِ تعالى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
وعكسُهُم مَن تُحدِّثُنا عنهُم الآية الكريمة {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِوَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗإِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
أَو كما يصفهُم أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بقَولهِ {ولَا عِنْدَهُمْ أَنْكَرُ مِنَ الْمَعْرُوفِ ولَا أَعْرَفُ مِنَ الْمُنْكَرِ!}.
فهذا النَّوع من النَّاس يُصنِّفُونَ المعروفَ والمُنكر حسبَ مصالحهِم ورغباتهِم وأَهوائهِم وليسَ حسبَ الحقائقِ والوقائعِ كما يقُولُ (ع) {الْمَعْرُوفُ فِيهِمْ مَا عَرَفُوا والْمُنْكَرُ عِنْدَهُمْ مَا أَنْكَرُوا} فإِذا خدمهُم فسادُ السُّلطة بادرُوا لتبريرهِ وتبييضهِ وإِذا أَضرَّهُم نشاط المُعارضة إِجتهدُوا لتسقيطِها بإِشاعةِ الفاحِشةِ مثلاً!.
ويصفُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) هذه القاعِدة الأَساسيَّة وحجرِ الزَّاوية في بناءِ الجماعةِ السَّليم بقولهِ (ع) {وإِنَّ عِنْدَكُمُ الأَمْثَالَ مِنْ بَأْسِ اللَّه وقَوَارِعِه وأَيَّامِهِ ووَقَائِعِهِ فَلَا تَسْتَبْطِئُوا وَعِيدَه جَهْلًا بِأَخْذِه وتَهَاوُناً بِبَطْشِه ويَأْساً مِنْ بَأْسِه فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانَه لَمْ يَلْعَنِ الْقَرْنَ الْمَاضِيَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ إِلَّا لِتَرْكِهِمُ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَلَعَنَ اللَّه السُّفَهَاءَ لِرُكُوبِ الْمَعَاصِي والْحُلَمَاءَ لِتَرْكِ التَّنَاهِي!}.
٢٠٢٥/٣/١٣