download

رياض سعد

 من الخطير الخلط بين مبادئ الإنسانية والشعارات والانفعالات الشعبوية والعواطف الشخصية  وواقعية السياسة  وضرورات الحكم التي تحكم مصائر الشعوب والاوطان … ؛  فبينما تُبنى العلاقات الشخصية والاجتماعية على العواطف والتضامن الإنساني ، فإن سياسات الدولة يجب أن تُرسَّخ على أسس عقلانية وبرجماتية  تحمي مصالح الوطن العليا وتُوازن بين إمكانياته المحدودة ومتطلبات شعبه الأساسية… ؛ ولكن للأسف، يروج البعض لخطابٍ عاطفيٍ سطحيٍ يدعو إلى فتح الحدود أمام كل من هبَّ ودبَّ تحت شعارات رنَّانة مثل “التضامن مع المظلومين والاخوة في المذهب والدين ” أو “مساعدة الفقراء او الاشقاء “، متناسين أن الدول ليست جمعيات خيرية، وأن مواردها محدودة ليست بلا نهاية ؛ وهي حق لمواطنيها وليست للغرباء والاجانب والدخلاء .   

حتى وصل الامر ببعض السذج والمنكوسين ؛ المطالبة بدمج الأجانب  والغرباء في النسيج المجتمعي دون ضوابط , بذرائع دينية او انسانية او قومية او بحجة العمالة والاقامة الطويلة ، أو منح الجنسيات بشكل عشوائي  واعتباطي ولا يعود للوطن بأي منفعة بل يجر على المواطن الاصيل الويلات والتداعيات السلبية ، أو تحميل المواطن عبء إيواء الغرباء والاجانب وتقديم الخدمات والمساعدات لهم – رغم النوايا الحسنة الظاهرة  – هي وصفة منكوسة تتسبب بعدة كوارث اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية … ؛  فكيف لبلدٍ يعاني أزماتٍ في البنى التحتية والبطالة والتعايش السلمي بين مكوناته ؛ أن يتحمل تدفقًا بشريًا  غريبا غير منظم ولا مفيد ؟!

وكيف لشعبٍ يناضل لتأمين لقمة عيشه أن يُطالب بإطعام الآخرين على حسابه؟!

 هذه الشعارات العاطفية، وإن بدت “أخلاقية” في الخطاب العام، فإنها تهدد الهوية الديموغرافية، وتستنزف الثروات الوطنية ، وتُعمق انقسامات المجتمع ، بل قد تُحوِّل الوطن إلى ساحة صراع مصالح خارجية وجاليات اجنبية .   

ليس هذا رفضًا للتعاطف الإنساني، بل رفضٌ لاختزال السياسة في عواطف فردية ورؤى فئوية وشعارات شعبوية وأيديولوجيات منكوسة ومشبوهة ؛  فالحكومات مسؤولة أولًا عن أمن مواطنيها واستقرارهم، وعليها أن تضع حدودًا صارمة بين التعامل الاستراتيجي مع القضايا الدولية والشؤون الخارجية وبين الانسياق وراء شعاراتٍ عاطفيةٍ ودينية وقومية  تُدمر البلاد تحت ذرائع زائفة.

التاريخ يُثبت أن الدول التي ضحَّت بمصالح شعبها الواقعية على مذبح “المثالية” واجهت الانهيار… ؛  فالوطن ليس حقلا  لتجارب الأفكارٍ البالية  او الدعوات الطوباوية او الشعارات العاطفية ؛ إنه كيانٌ يحتاج إلى حمايةٍ بقوانين صارمة، وحكمةٍ تُقدِّم مصلحة الأجيال القادمة على كل اعتبارٍ آخر.

من العجيب أن تُختزل مصالح الوطن والمواطن في شعاراتٍ عاطفيةٍ تُرفع تحت مظلة مناسبات دينية أو أحداث سياسية خارجية، وكأنَّ الوطنية مسرحية عابرة  للحدود تُقاس بمدى سخائنا في توزيع موارد البلاد على الغرباء!

فالبعض – إما بسذاجةٍ مفرطة أو بخيانةٍ مُتعمَّدة – يصرُّ على تعليق قرارات البلاد المصيرية بأزمات إقليمية أو شعارات قومية ودينية، فيُعفون الأجانب من رسوم الدخول، ويُغدقون عليهم بالخدمات المجانية من أموال الشعب، بل ويجرون البلاد إلى صراعاتٍ دولية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وكأنَّ الوطن بقرة حلوب تُساق إلى ذبحها باسم “المبادئ”! 

الأكثر إثارةً للسخرية أنَّ هؤلاء، حين تُطالبهم بواجب المنطق – كأن تطلب من الأجنبي والغريب أن يعاملك بالمثل إذا منحته الجنسية أو الثروة  او الخدمة او قدمت له التسهيلات والامتيازات –  ؛ يلوذون بخطابٍ دينيٍ وقومي وانساني مُزيَّف , من قبيل : “نحن أمة العطاء! لا ننتظر جزاءً من البشر!”، وللأشقاء حق في مواردنا الوطنية , ونحن اصحاب ثروات بينما الاخرون محرمون منها لذلك يجب علينا البذل والعطاء …!!

بينما جيرانهم المقربين واقاربهم المساكين  وأبناء جلدتهم الاصليين  يئنُّون تحت وطأة الفقر والمرض والبطالة والعوز …؟!

 فكيف تُبرر إنفاق المليارات على من لا ينتمي للوطن، بينما المواطن المصاب بالسرطان ينتظر طويلا من اجل العلاج في مستشفى حكومي مكتظ ؟!

وكيف تُشعل حروبًا بالنيابة عن آخرين , هم امنون ، بينما شبابنا  يُقتلون على حدودٍ لا تعنيهم؟ 

هذا التناقض ليس سذاجةً بل جريمة!

فإما أن يكون هؤلاء مخدوعين بخطابٍ شعبويٍ يلبس ثوب الدين أو القومية او الانسانية ، أو أنهم عملاء يُفقرون الوطن والمواطن لصالح أجندات خارجية… ؛  فالعاقل لا يُفضِّل غريبًا على أهله، ولا يبيع أرضه تحت ذريعة “الكرم”، خاصةً إذا كان كرمه بمال الشعب وجوع أبنائه.

التاريخ لن يرحم من خانوا الوطن والمواطن  باسم العواطف والمبادئ ، ولن يذكر إلا من دافع عن حدود وثروات وحقوق بلاده  – بشراسةٍ وعقلانيةٍ – حتى لو اضطر إلى أن يقول “لا” في وجه كل الشعارات الزائفة.

فالوطن ليس شعارًا أخلاقيًا يُتاجر به، ولا أيديولوجيا تُستبدل وفق مزاج القوى السياسية المتسلطة ؛ إنه أرض الآباء والأجداد، ووعاء الهوية الوجودية لأبنائه الذين يحملون تاريخه  في عروقهم.

لكن يُحاول بعض المُنقلبين على منطق التاريخ أن يختزلوا هذا الكيان العظيم في شعاراتٍ ملوثةٍ تُرفع باسم الدين، أو القومية، أو حتى الإنسانية، بينما جوهرها الحقيقي هو تمكين الغرباء والاجانب والدخلاء من نهب ثروات البلاد، وتهميش أبنائها الأصليين الذين دافعوا عن ترابها عبر القرون. 

لا يغرنكم هؤلاء الذين يتغنون بـ”العالمية”  والامة الاسلامية والعربية و”التضامن” كذبًا ودجلا ؛ فوراء خطابهم البراق أجنداتٌ مريبة تهدف إلى تسليم مقدرات الوطن للدخلاء والاجانب ، وإلى تحويل المواطن الأصيل إلى غريبٍ في أرض أجداده.

 كيف يُفسر عاقلٌ أن تُمنح الامتيازات للوافدين – تحت ذرائع دينية أو سياسية او قومية – بينما يُطرد أبناء البلد من وظائفهم ويحاربون في ارزاقهم ؟!

كيف تُقبل حجة “مساعدة المضطهدين والمظلومين والاشقاء … الخ ” حين تُستخدم لتبرير استيلاء عوائل أجنبية ودخيلة وشخصيات مشبوهة على ثروات ومقدرات الوطن ، بينما الشباب العراقي يُدفع إلى معارك وهمية أو يُترك ليعيش في العشوائيات؟! 

هذه ليست سذاجة، بل خيانةٌ مُكتملة الأركان… ؛  فالمشبوهون الذين يفتحون الأبواب أمام العناصر الخارجية – تحت أي غطاءٍ كان – يعلمون جيدًا أنهم يُحضرون لعهدٍ جديدٍ من الاستعمار المُقنَّع… ؛  إنهم يُحولون الوطن إلى ساحةٍ لتصفية الحسابات الدولية، ويُحكمون قبضة الأجنبي والغريب على مفاصل الدولة، بينما يُحاصرون المواطن بالفقر والبطالة والمخدرات والمشاكل  والازمات والصراعات السياسية الممنهجة. 

الوطن ليس مزرعةً لتربية الخونة والمرتزقة ، ولا سوقًا لبيع الهوية وتجنيس الاجانب والغرباء … ؛ و حماية أرض الأسلاف ليست خيارًا، بل يمينُ الولاء الذي لا يُنقض… ؛  فليُدرك كل من خان الوطن أن التاريخ سيطويه في سلة النسيان، ولن يبقي إلا من وقف كالسد المنيع في وجه كل من أراد أن يمس كرامة التراب ودماء الأجداد.

2 thoughts on “الوطن ليس عقيدة اخلاقية ولا سلعة تجارية ولا ايديولوجية

  1. اخطر ما يهدد العراق هو التلاعب الديمغرافي…وكل ما جرى ويجر ضمن هذا الساق منذ عقود قبل وبعد ٢٠٠٣
    واخطر الأخطار ما يهدد تركية البلد السكانية
    ..عبر تمرير قوانين غير مشروعة للتجنيس…
    الدكتاتورية الفساد القوى مررت عبرها كتل بشرية اجنبية غريبة عن المجتمع العراقي عبر عناوين شمولية قومية ودينية وطائفية..
    الدكتور علي الوردي اكد بان عدم تجنس المدنية بالعراق لان المدن كلما تتمدن تزحف عليها البداوة..واقول انا اليوم كلما نريد تقارب بين الاطياف العراقية المعروفة بالعراق نجد تعرض العراق لطوفان بشري اجنبي من المحيط الاقليمي بمخططات مشبوهة..تنسف اي تجانس عراقي ديمغرافي..
    المادة ١٨ المازومة ببالدستور وفقراتها تشريع علني للتلاعب الديمغرافي والتوطين الغير مشروع للغرباء بالعراق..توجب تعديل الدستور لحماية تركيبة العراق السكانية…بتعديل هذه المادة بفعلها العراقي هوكل من ولد من ابويين عراقيين بالجنسية والاصل والولادة او من اب عراقي الجنسية والاصل والولادة وتطبق باثر رجعي منذ ١٩٥٧..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *