أبريل 13, 2025
8f6df7fd-142a-40db-af63-2bac680839ec

عزيز الخزرجي

حقيقة السياسة في بلادنا :

معظم رؤساء الوزراء (ألسختجية) و معهم الوزراء و المرتزقة, جاءوا كشخصيات توافقية أو تحاصصية لا إنتخابية في نطاق الشرع الكوني .. فحتى لو كانت منتخبة و تكنوقراطية ؛ فأنها لا تصلح لرئاسة البلاد و العباد  لبناء المجتمع بشكل صحيح و متكامل .. فهناك شروط كونية لا بد أن نرتقي لها لتتحقق العدالة التي يفترض أن تكون غاية الحاكم و الحكومة.

ربما يحمل عنوان المقال نبرة تهكم على التعريف العام للسياسة بأنها “فن الممكن”، و ربما أيضا يحاكي عنوان المرجع الأهم في علم السياسة لعالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر في كتابه “العلم والسياسة بوصفهما حرفة”. وبما أن السياسة في العراق بعيده عن المفهوم والممارسة العلمية، فهي قريبة من المهاترات والثرثرة وال

خطابات الحماسية الأيديولوجية.

وفي شهر رمضان كما في كل مناسبة و فرصة؛ يتحول قادة الأحزاب والشخصيات الحكومية والسياسية إلى نجوم شاشة و ثائرين، إذ يكونون ضيوفا على البرامج الحوارية السياسية التي تبدأ بها السهرات الرمضانية في بعض القنوات الفضائية. وكالعادة تتحول اللقاءات إلى استعراضات بالمواقف التي تتحدث عن الإنجازات الكبرى التي حققها هؤلاء، وعن المؤامرات الكبرى التي يحيكها أعداء العراق والمذهب والقومية، وعن تحديد معايير جديدة لما هو وطني ومن هو عميل للأجنبي. وعن المعارك التي تتم التهيئة لها بين الأصدقاء-الأعداء إستعدادا للانتخابات القادمة.

وبالعودة إلى المقاربات النظرية في علم السياسة؛ نجد أن (فيبر)في كتابه “العلم والسياسة بوصفهما حرفة” يُميز بين طريقتين يمكن بهما جعل السياسة حرفة: 

الأولى؛ إما أن يعيش المرء “لأجل” السياسة. 

والثانية؛ أن يعيش “من” السياسة ليغتني كمرتزق. 

والفرق يتعلق بالجانب الاقتصادي، فمن يعتبر السياسة وظيفة يعتاش منها هو الذي يسعى إلى أن يجعل منها مصدر دخل دائم له. 

أما من يحيا من “أجل” السياسة فهو يجعل منها، بالمعنى الأعمق للكلمة؛ “هدف حياته”، فهو إما يلتذ بالسلطة التي يمارسها بمجرد امتلاكه لها، أو لأنها تؤمّن له توازنه الداخلي أو تعبر عن قيمة شخصية، إذ يعني أنه قد جعل نفسه في خدمة قضية تعطي لحياته معنى.

نموذج رجل السياسة في العراق يجمع بين الطريقتين:

فهو يعتقد أن أقصر الطرق نحو الثروة وحياة الرفاهية هي العمل السياسي، وكذلك تعاظم الثروة المالية والحفاظ عليها يتم من خلال النفوذ السياسي. وأيضا؛

الطريق نحو الشعور بالسطوة والمكانة الاجتماعية و تعظيم الذات يتم من خلال المكانة السياسية. 

ولذلك يقدّم السياسيون العراقيون أنفسهم باعتبارهم حاملي لواء الدفاع عن المكون المذهبي أو القومي، و نجدهم عندما يتحدثون بخطاب يوحي بأنهم يمثلون الطائفة و غيرهم لا، و  أنهم يمثلون العراق، وغيرهم لا!

من يصل إلى المنصب السياسي يتوهم في نفسه أنه “رجل دولة”، وفي كثير من الأحيان تصل شخصيات إلى المناصب العليا بطريق الصدفة!

لذلك، يمكن وصف نظامنا السياسي بأنه نظام الحكم “البلوتوقراطي” أو “الكيبتوقراطي : وهو النظام السياسي الذي تكون فيه الطبقات السياسية المسيطرة والماسكة بزمام السلطة طبقة الأغنياء وأصحاب الثروات. 

هذا مع الاختلاف حول أنه في الأعم الأغلب من ساسة العراق أصبحوا من طبقة الأغنياء وأصحاب الثروات بعد عملهم بالسياسة وليس قبل دخولهم العمل السياسي. ومن هنا يكون الوضع أكثر تعقيدا في هذا النظام، إذ تصبح وظيفة الطبقة الحاكمة المحافظة على منظومة الحكم لضمان إدامة نفوذها السياسي الذي يضمن حصتها من الاقتصاد الريعي والسيطرة على النشاط الاقتصادي في الدولة. وعليه، يكون الوصف الأكثر دقة لنظام الحكم في العراق هو نظام “حكم اللصوص” (الكليبتوقراطية- Kleptocracy) وتعرفه الأدبيات السياسية بأنه النظام الذي يسمح بالفساد وسرقة المال العام والخاص من خلال تسهيل استغلال المناصب الإدارية والسياسية من قبل القائمين على مرافق الدولة، ويعبر عن نظام حكم جوهره الفساد واللصوصية أو نهب الثروات العامة.

الغرور السياسي :

لدينا الكثير من العناوين السياسية التي يروج لها الحاشية أو الأتباع لقيادات الطبقة الحاكمة، فتارة يكون “دولة الرئيس”، وأخرى “المعالي”، ومرة “الزعيم”. ومع تكرار هذه الأوصاف، باتت الشخصيات السياسية لا تتقبل أن تسمع أسماءها من دون هذه الألقاب!

وهناك مفارقة مهمة؛ أن من يصل إلى المنصب السياسي يتوهم في نفسه أنه “رجل دولة”، وفي كثير من الأحيان تصل شخصيات إلى المناصب العليا بطريق الواسطة و الخداع و العمالية للقوى العظمى و حتى الصدفة، أو ربما كل مؤهلاتها أنها قريبة من “الزعيم” أو “القائد” أو رئيس الحزب أو القوى المحتلة لبلده و كما حدث في 2003/! 

وفيما بعد يتم التغافل عن حقيقة الوصول إلى المنصب، و يبدأ الحديث بالخطط والاستراتيجيات والمنجزات. 

ومن ثم، يبدأ سقف الطموح السياسي يرتفع حتى يطرح نفسه “قائدا سياسيا” للمرحلة القادمة!

معظم رؤساء الحكومات السابقة وصلوا إلى المنصب في لحظة الدخول في التوقيت الحرج لاستحقاق حسم منصب رئيس الوزراء، واحتدام الجدل بشأن الشخصيات المرشحة للمنصب، ليقع الاختيار على شخصية توافقية لم تكن مطروحة في النقاشات، ولا علاقة لها بالخبرة والحنكة السياسية ولا حتى الإدارية.

وربما يتم فرضه بإرادة خارجية قبل أن يكون هناك توافق داخلي، ويتم القبول به بعد أن يقدم فروض الطاعة لجميع “الزعامات” السياسية، ويتعهد بإدامة مكاسبها من غنائم السلطة والموافقة على اشتراطاتها بتوزيع الوزارات والمناصب العليا.

لا يوجد معيار يمكن أن تحاكم به الطبقة السياسية وزعماءها على مواقفهم، فتارة يتحدثون عن مبادئ عقائدية أو أيديولوجية، وتارة أخرى يتحدثون عن مبدأ المصلحة العامة

وطوال فترة وجوده في المنصب، لا يجيد غير التشكي والتذمر من هيمنة قادة الكتل على القرار السياسي، ومن عرقلة خطط الحكومة بغرض التسقيط السياسي! وبعد خروجه من المنصب يبدأ في سرد المؤامرات التي تعرضت لها حكومته، وعن المشاريع التي شرعت الحكومة في تنفيذها، لكن القوى السياسية عرقلت تنفيذها وإنجازها!

عندما تسمع أحاديث السياسيين عن تقييم الأزمات السياسية، وعن احتمالية تطورها وحديثهم بلغة توحي إلى المتلقي بأن الأفق السياسي الذي يتحدثون به يمكن أن يحقق التنمية والإعمار ويمكن أن يرسم خارطة طريق لتجاوز الأزمات. ولكنهم في الحقيقة عندما كانوا في موقع اتخاذ القرار، لم ينفذوا أي شيء من هذه الخطط والمشاريع التي صدعوا رؤوسنا بها في كل لقاء تلفزيوني. أو إذا كانت المشاريع والمنجزات التي يتحدثون عنها موجودة فعلا، فلماذا الفوضى والخراب الذي يحيط بجميع تفاصيل حياتنا اليومية؟

إذن، يبدو أن هناك حالة من الانفصام عن الواقع، أو العيش في خيال سياسي يتوقعون فيه أنهم قدموا منجزات. ولولا وجودهم في المنصب لأصبح العراق في خبر كان، أو أن نار الحرب الأهلية لا تبقي ولا تذر. وأن المال العام كان 

عرضه للنهب والسلب، لولا حمايتهم لأموال العراقيين!

المشكلة الحقيقية أن الطبقة الحاكمة باتت تعتقد أن وجودها في السلطة هو استحقاق سياسي لها، وجميعهم يتحدثون عن مصلحة العراق و الدين، والدفاع عن الدولة. وفي الوقت ذاته، لا يريدون مغادرة خطابهم الطائفي والقومي، ودفاعهم عن وجود سلاحهم الموازي لسلاح الدولة. أو الذي تحولت وظيفته إلى إلغاء الدولة ومؤسساتها وكيانها! 

ويختزل ساستنا فهمهم للسياسة باعتبارها فن تبرير أفعالهم المتناقضة مع شعاراتهم و”مبادئهم” التي يصدحون بها في اللقاءات التلفزيونية وتصريحاتهم الإعلامية وخطاباتهم مع قرب مواسم الانتخابات. 

لذلك تجدهم يتحولون من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ويتناقضون في مواقفهم من الرفض والتخوين والاتهام بالعمالة للأجنبي وتنفيذ إراداتهم، إلى ممارسة نفس أفعال خصومهم الذين يتهمونهم بالخيانة!

لا يوجد معيار يمكن أن تحاكم به الطبقة السياسية وزعماءها على مواقفهم، فتارة يتحدثون عن مبادئ عقائدية أو أيديولوجية، وتارة أخرى يتحدثون عن مبدأ المصلحة العامة. 

ولكنهم لا يتحرجون في أن تخالف أفعالهم ادعاءهم العقائدي أو مبدأ المصالح العامة التي هي في الحقيقة مصلحتهم الخاصة. 

ويستند خطاب التبرير السياسي لتقلبات مواقفهم إلى إجبار الواقع على الدخول في قوالب تجارب تاريخية وإسقاط معطياتها ونتائجها لتبرير الفعل أو الموقف السياسي. 

العلاقة مع الأميركيين

لحد الآن لا يوجد تصور أو موقف واضح للتعاطي مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ماذا يمكن أن تكون سياسة العراق تجاه استراتيجية “الضغط الأقصى” تجاه إيران، وكيفية إبعاد العراق عن آثارها؟ 

و رغم أن الصورة لا تزال ضبابية بشأن الخطوات الأميركية التي سوف تضغط فيها على العراق لفك ارتباطه عن المحور الإيراني. فإن جميع القوى السياسية تشعر بوجود تهديد في المرحلة القادمة. 

وقد لا يتم الحديث حاليا عن أدوات تنفيذ الاستراتيجية الأميركية في العراق في المرحلة القادمة. ولكن قراءة التغيرات في المنطقة والتوجه نحو إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد بعيدا عن النفوذ الإقليمي الإيراني، أصبح واقعا لا يمكن تجاهل خطواته. 

حكومة محمد شياع السوداني ومن خلال مستشاريه الذين وصلوا لمائة و ثلاثون مستشاراً أثقفهم بدوي أو معيدي لا يعرف تعريفا صحيحاً للثقافة أو حتى لحزبه الذي أوصله للحكم بآلمحاصصة؛ تؤكد أن العلاقة مع الأميركيين هادئة و مستقرة ولا توجد تهديدات، كما تروج لها أطراف سياسية شريكة لهذه الحكومة أو معارضة لها من خارج العراق. 

ولكن حديث وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو في اتصاله مع رئيس الوزراء العراقي كان محوره الأساسي “سبل الحد من النفوذ الإيراني الخبيث” حسب بيان السفارة الأميركية في بغداد. 

وهي إشارة واضحة إلى أن صناع القرار السياسي الأميركي لا يزالون ينظرون إلى أن الضغط على العراق هو أحد أهم أدواتها في الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة. 

وفي الاتصال بين رئيس الوزراء ومستشار الأمن القومي الأميركي مايكل والتز، كانت الإشارة واضحة بشأن إنهاء استثناء الكهرباء المجهزة من إيران حيث يرتبط بسياسة الضغط الأقصى التي تتبعها الولايات المتحدة تجاه إيران والذي يعني أن سياسة العراق الخارجية لم تنجح في إقناع الأميركيين بفك الارتباط بين تعاملها مع العراق بعيدا عن علاقتها المتوترة مع إيران. 

ولذلك تبقى كل التصريحات السياسية التي تحاول أن تستخف بالضغط الأميركي تجاه العراق في المرحلة القادمة، أو تحاول أن تقلل من تأثيرها على العملية السياسية في العراق؛

يمكن أن تكون نوعا من الغرور السياسي أو أنها تتعامل مع السياسة باعتبارها ثرثرة وفن المهاترات الهدف الأول و الاخير منها هو الثراء , بيد أن الحكمة الكونية تقول :

[ لا يغتني من وراء السياسة إلّا فاسد ].

منقول بتصرف و تحليلات إضافية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *