سلمان رشيد الهلالي
يعد الدكتور سيار الجميل احد اهم الاساتذة الذين تبنوا المنهج الليبرالي في دراسة التاريخ الحديث والمعاصر , متساميا عن الايديولوجيات اليسارية النضالية – حسب تعبير محمد اركون – وناقدا للخطابات الثورية والقومية . وهو امتداد للمدرسة التاريخية العراقية التي تبلورت بعد تاسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 التي اعتمدت المنهج الليبرالي في العرض والتقييم , وبرزت بعد تاسيس دار المعلمين العالية عام 1923 (كلية التربية ابن رشد حاليا) والتي من اهمها الكتاب والمؤرخين مجيد خدوري ومتى عقراوي وفاضل الجمالي ويعقوب سركيس وعباس العزاوي وزكي صالح وعبد الرزاق الحسني وعلي الوردي وطه باقر وجواد علي وفاضل حسين وغيرهم .
اختص الدكتور الجميل بدراسة النخبة المثقفة العصرية في العراق المعروفة بالانتلجنسيا (Intelligentsia) وكتب بهذا الصدد العديد من الدراسات والمؤلفات اهمها (انتلجنسيا العراق نخب المثقفين في القرن العشرين ) و(نظرية الاجيال المجايلة التاريخية فلسفة التكوين التاريخي) , بل يمكن اعتباره من اوائل الاساتذة الذين درسوا النخبة المثقفة في العراق بعد الدكتور علي الوردي الذي درسها اجتماعيا واطلق عليها تسمية (الافندية) , باعتبارها اول فئة مثقفة في العراق الحديث والمعاصر , فيما درسها الدكتور الجميل سياسيا بمقاله في مجلة (المستقبل العربي) عام 1990 بعنوان (الانتلجنسيا العراقية – التكوين – الاستنارة – السلطة) , واعاد نشرها في مجلة (افاق عربية) عام 1991 بعنوان (انتلجنسا العراق – التكوين والاستنارة القومية) التي اختصرها وحذف منها التصورات الليبرالية من قبيل مدح العهد الملكي والملك فيصل الاول . وطورها فيما بعد الى كتاب باسم (الانتلجنسيا العراقية – التكوين – الاستنارة – السلطة) عام 2002 ب(35) صفحة فقط , ونشر عن مركز دراسات الوحدة العربية الذي يراسه ابن مدينته خير الدين حسيب الموصلي .
وتبلورت مواقف الدكتور الليبرالية في الكثير من المواقف لايمكن حصرها بهذا المقال منها
1 – الموقف من الديكتاتورية البعثية وصدام : يعد الدكتور الجميل من الشخصيات العراقية السنية النادرة التي انتقدت وهاجمت نظام البعث وصدام حسين بعد السقوط عام 2003 , بل وهاجم صدام حسين شخصيا وارجع اصله ونسبه لمنغوليا .
2 – الموقف من النظام الملكي : فقد متدح النظام الملكي كثيرا وخاصة الملك فيصل الاول شخصيا لان اعتبره (قد نجح بتجسير الهوة بين السياسي والمثقف) .
3 – الموقف من العملية السياسية والتغيير : ايد الجميل اسقاط النظام البعثي الديكتاتوري والعملية السياسية وتأسيس النظام الديمقراطي في العراق .
4 – الموقف من المعارضة لصدام : امتدح الجميل المعارضة العراقية ونشر مقالا في موقع (الحوار المتمدن) في مدح السيد الشهيد محمد باقر الحكيم بعنوان (ما الذي عرفته في الامام الراحل محمد باقر الحكيم؟)
5 – نشر العديد من الدراسات الليبرالية اهمها في كتاب (الليبراليون الجدد جدل فكري) الذي اشرف عليه الكاتب الاردني شاكر النابلسي بعنوان (الليبرالية العربية الجديدة مفاهيم عصر راهن) و(الليبرالية الجديدة الماضي والحاضر والمستقبل) . وكل تلك المواقف الايجابية والحيادية جعلني اجمع المعلومات وكتابة مسودة دراسة مفصلة بعنوان (سيار الجميل ليبراليا) عرضت فيه مشروعه المعرفي والثقافي والسياسي , الا ان تحوله الاخير نحو الطافية السياسية جعلني الغي موضوع الدراسة .
وهناك من اعتبر مواقف الجميل هى رسائل للنظام السياسي الجديد , والرغبة بالحصول على منصب في العهد الجديد , الا انه ولما يأس من ذلك , بعد ان ذهبت للمقربين والاصهار من الاحزاب , اخذ بالهجوم عليه والانتقام منه .
الا اننا وجدنا في السنوات الاخيرة – وبوضوح لايمكن انكاره – تحولا في الخطاب الليبرالي المعرفي عند الدكتور سيار الجميل الى الخطاب الطائفي المقيت . وهذا التحول لم يحصل من فراغ , وانما جاء ضمن سياق اعلامي اشرفت عليه المؤسسات الخليجية , تبلور بقوة بعد الازمة السورية وظهور تنظيم داعش الارهابي في العراق واسقاطه المحافظات السنية الثلاث عام 2014 , وامكانية اسقاط كلا النظامين العراقي والسوري في وقت واحد . فقد عبر الدكتور الجميل بهيستريا واضحة عن هذا الجانب في خطابه الطائفي , حتى انه شعر بهذا التوجه عندما انتقده بعض المعلقين والكتاب الشجعان ممن تخلص من شعور الدونية والاستلاب والخصاء امام الاب , فكتب منشورا خطابيا عام 2019 بعنوان (سجل انا عراقي لاطائفي) قال فيه (يصفني بعض الاخوة العراقيين بالطائفية سامحهم الله وهم ممن يدعون انفسهم بمثقفين) . وبالطبع لم يرد الجميل تلك الاتهامات او يرد عليها بمقال علمي , وانما اكتفى بالرد الانشائي بصيغة اقرب الى النثر والادب , والسبب واضح لانه لايستطيع انكار تلك الاتهامات او حتى مجرد ذكرها ودفاعه عنها , لانها ستبين حقيقته الطائفية المقيتة .
وفي عام 2020 نشر مقالا بعنوان (العراق وسلالات الخيانة) عرض فيه الاتهامات التي وجهت للافعال والاحداث السياسية التي حصلت في تاريخ العراق الحديث والمعاصر , والتي اتهم فيها اتباعها بالخيانة وبحيادية منقطعة النظير , والسبب لانهم جميعا من طائفته واهله , والمفروض من الجميل ان يستمر بنفس المنهج بالحياد والعرض فقط , الا انه تجاوز ذلك بالقول (ونحن ازاء من سلم العراق علي طبق من ذهب الى حثالات من الخونة الحقيقيين ليحكموا البلد بعد 2003 … بلد يحكمه الخونة والجواسيس والميليشيات الايرانية) . وانا بصراحة لم اسمع طوال عمري الذي تجاوز الخمسين ان هناك خونة حقيقيين وهناك خونة غير حقيقيين , وبالطبع هو يقصد ان السنة خونة غير حقيقيين والشيعة خونة حقيقيين . (يتبع)