اللغة واللهجة هما الوعاء الذي يحفظ هوية الإنسان

ريسان الفهد

اللغة واللهجة هما الوعاء الذي يحفظ هوية الإنسان ويعكس جذوره الثقافية والتاريخية.

واللهجة العراقية، بثرائها وتميزها، ليست مجرد وسيلة تواصل، بل هي امتداد لإرث حضاري ضارب في عمق التاريخ.

ومع ذلك، يلاحظ أحيانًا أن بعض العراقيين يعمدون إلى تعديل لهجتهم عند الحديث مع غير العراقيين، إما لتسهيل الفهم أو بدافع التكيف او خجلاً بسبب عقدة نقص كون الحكومات القومية عمدت للتقليل من قيمتها و وصفها اللغة المحلية بال(جلفيه) و تمجيد لهجات الجيران، وهو أمر قد يكون مقبولًا في بعض الحالات، لكنه يصبح مستغربًا حين يُبالغ فيه على حساب الهوية اللغوية الأصيلة.

1. اللهجة العراقية:

عمق حضاري وأصالة لغوية

تعتبر اللهجة العراقية واحدة من أكثر اللهجات العربية ثراءً وتأثيرًا، حيث تمتد جذورها إلى أصول أكدية وآرامية محلية وعربية فصيحة.

ويمكن تلمّس هذا العمق في المفردات المستخدمة يوميًا، والتي تحمل بصمات تاريخية تعود إلى أقدم الحضارات.

ومن المثير للاهتمام أن العراقي يستطيع نطق العربية الفصحى إلى جانب أحرف من لغات أخرى بوضوح وسلامة لغوية أكثر من غيره.

2. التكيف اللغوي: ضرورة أم تفريط؟

لا شك أن التواصل مع الآخرين يتطلب أحيانًا تعديل بعض المفردات أو التخفيف من الخصوصية اللهجوية لتسهيل الفهم (المؤقت). وهذا أمر طبيعي في كل اللغات، لكنه لا يعني التخلي عن الهوية اللغوية أو تبديل اللهجة بالكامل لكسب ود الآخرين او التشبه بهم في حين أن الغير يفتخر بلهجته و لا يغيرها كي يفهمه العراقيين!!

الفرق واضح بين استخدام مفردات مبسطة ليفهمها الآخرون، وبين محاولة تغيير اللهجة بشكل متكلف يطمس الأصالة اللغوية ويجعل المتحدث يفقد جزءًا من هويته.

3. بين الفصحى والعامية:

العراقي وإتقان العربية

من المزايا التي يتمتع بها العراقيون أنهم قادرون على الانتقال بسهولة بين لهجتهم المحلية والفصحى، بل إن نطقهم للفصحى غالبًا ما يكون أكثر دقة وسلامة من غيرهم. هذا يعود إلى تأثرهم بالقراءة والنصوص التراثية، فضلًا عن طبيعة اللهجة العراقية التي تحافظ على الكثير من مخارج الحروف السليمة.

وهذا يمنح العراقي ميزة إضافية عند الحديث مع غيره، إذ يمكنه إيصال أفكاره بلغة سليمة دون الحاجة إلى “تشويه” لهجته.

4. دعوة للفخر والاعتزاز

باللهجة العراقية

بدلًا من تغيير اللهجة مجاملة للآخرين، لماذا لا نتركهم يستمتعون بسماعها والتعرف عليها؟

فاللهجات تمثل جزءًا من هوية الشعوب، وهي ثروة ثقافية لا تقل أهمية عن الفنون والتقاليد.

العراقي عندما يتحدث بلهجته، فإنه ينقل جزءًا من تاريخه وثقافته، ولا ينبغي أن يشعر بأي حرج أو ضرورة للتكيف المفرط.

الخاتمة :

اللهجة العراقية ليست مجرد وسيلة تواصل، بل هي تراث ثقافي ولغوي يعكس عمق الحضارة العراقية.

التكيف في اللغة لأجل التفاهم لا بأس به، لكنه يجب ألا يتحول إلى ذوبان يفقد العراقي أصالته .

 بل على العكس، ليكن الحديث باللهجة العراقية على اختلاف ألوانها فرصة لتعريف الآخرين بجمالياتها، ولندعهم يستمتعون بسماعها كما هي، فهي لهجة عربية مشرقية أصيلة تعكس تاريخ بلاد الرافدين و تستحق أن تبقى واضحة وفخورة بنفسها .

الدكتور ريسان الفهد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *