يحيى هركي
المقدمة:
إلى متى سنظل نغضّ الطرف عن الحقائق المرة؟ إلى متى سيبقى بعض القادة الكرد أسرى لعواطف مذهبية خانقة، بينما يُذبح شعبهم كل مرة بسكاكين “الحلفاء”؟!
لقد شربنا كؤوس الغدر مرارًا، وفتحنا صدورنا لأشقاء في الدين والطائفة، فكانت النتيجة خرابًا ودمًا وتهجيرًا ووعودًا كاذبة!
من الذي قصف حلبجة؟ من الذي باع شنكال؟ من الذي وقف ضد رواتب الإقليم في بغداد؟ ومن الذي هرع لنجدتنا حين أوشكت أربيل على السقوط؟
هذه الأسئلة ليست رجع صدى للتاريخ، بل نداء للوعي الكردي بأن يصحو من غفلته، ويكف عن مجاملة قاتليه باسم الأخوة الدينية أو الشعارات القومية الرنانة.
آن الأوان أن نكفّ عن جلد ذواتنا، ونحاسب التاريخ بمقاييس الكرامة لا المذهبية. فالشعب الكردي ليس تابعًا لأحد، ولا يمد يده إلا لمن يثبت في الميدان أنه جدير بالتحالف، لا من يملأ الخطابات بالنفاق ويطعننا كل مرة من الخلف.
في هذا المقال سنعرض تحليلاً تاريخيًا، اقتصاديًا، واجتماعيًا للعلاقات بين الأكراد والعرب السنة والشيعة، مع تسليط الضوء على المواقف الإيجابية والسلبية، لنصل إلى توصيات عملية تساهم في بناء مستقبل أكثر استقرارًا ومصلحة لشعب كردستان.
من الذي طعن الكرد في الخاصرة لنعد قليلاً إلى الوراء تاريخياً”:
في عهد صدام حسين، النظام البعثي – الذي كان مدعومًا من أغلب القوى السنية – نفّذ عمليات الأنفال، وضرب حلبجة بالسلاح الكيمياوي، وشرّد مئات الآلاف من الكرد.
خلال حرب العراق، كانت معظم الميليشيات السنية المتطرفة هي من ارتكبت أبشع المجازر بحق الكرد، خاصة الإيزيديين، عبر تنظيمات مثل القاعدة وداعش، التي كانت تغذّى فكريًا من السلفية المتشددة
أما في سوريا، فقد وقفت الفصائل السنية المسلحة ضد مشروع الإدارة الذاتية الكردية، وخاضت تحالفات مع تركيا لغزو عفرين ورأس العين وغيرها.
في المقابل، لا يمكن إنكار أن المراجع الشيعية أبدت – في مواقف عديدة – تعاطفًا أو احترامًا تجاه القضية الكردية:
المرجع السيد محسن الحكيم أصدر فتوى تحرّم دماء الأكراد أثناء صدامات منتصف القرن الماضي.
الزعيم عبد الكريم قاسم – رغم كونه عربيًا شيعيًا – نصَّ في الدستور على أن “الكرد والعرب شركاء في هذا الوطن”، في سابقة سياسية لم تتكرر.
مأساة شنكال: الجرح الذي لا يُنسى
حين اجتاح تنظيم داعش قضاء شنكال،لم تقتصر الخيانة على القوى الخارجية، بل شارك فيها للأسف بعض من الجوار العربي السني”.
اختُطفت آلاف النساء الإيزيديات. وقُتل الآلاف من الرجال والأطفال بدم بارد.وأُحرقت القرى الكردية، وسُبيت العائلات.
ومن المخجل أن نقول: لم تكن هناك خيانة من خارج الحدود فقط، بل من الجوار المباشر، من “الجيران السنة”.
وفي لحظة الانهيار تلك، لم تتحرك تركيا رغم مصالحها مع الإقليم، ولم تفتح الدول السنية باب الدعم. بل كانت إيران، عبر الجنرال قاسم سليماني، أول من أرسل المساعدة العسكرية الفعلية لحماية أربيل وكردستان، بالتنسيق مع البيشمركة.
واليوم، لا تزال بعض فصائل الحشد الشعبي الشيعية تدافع عن شنكال، رغم كل التعقيدات السياسية.
لماذا يكره السنة الأكراد الشيعة؟ ومتى ينضج الوعي السياسي الكردي؟
من المفارقات المؤلمة أن الأكراد السنة أنفسهم لم يتقبلوا إخوتهم الفيليين الشيعة، رغم أنهم أكراد بالأصل، فقط لاختلاف المذهب.
تم تهميشهم. وشُكك في ولائهم.وأحيانًا حُرموا من أبسط حقوقهم في التمثيل السياسي والوظائف.
وهل ننسى أن كثيرًا من النواب السنة اليوم يرفضون التنسيق مع نظرائهم الشيعة لمجرد أنهم “تابعون لإيران”، بينما لا يجدون مشكلة في التعامل مع السعودية أو تركيا أو قطر؟!
من يخدم الشعب الكردي فعلاً:
عندما نضع العواطف جانبًا ونسأل سؤالًا مباشرًا: من يقدّم للكرد مصالح حقيقية,
هل هم النواب السنة الذين كثيرًا ما وقفوا ضد تمرير الميزانية المخصصة للإقليم؟
وضده تنفيذ الماده 140 من الدستور حول المناطق المتنازعه؟
أم هم بعض الحلفاء الشيعة الذين يدفعون باتجاه التهدئة وإيصال الرواتب؟
من الذي تعامل بنديّة مع الكرد في بغداد؟ ومن الذي استخدمهم كورقة في صراعه مع إيران أو تركيا؟
أليس من مصلحة الكرد – اليوم – أن يبتعدوا عن محور “التوازنات الهشة” ويتجهوا نحو من أثبت بالموقف لا بالكلام أنه حليف لا طعنة في الظهر؟
الخلاصة:
لقد آن الأوان ليتحرر القرار الكردي من أسر العواطف والمجاملات الطائفية!
كفانا دفنًا لرؤوسنا في رمال المذاهب، بينما الأرض تُسرق من تحت أقدامنا، ودماؤنا تُباع في أسواق الصفقات السياسية.
يا من تقودون الإقليم، التاريخ لا يرحم. إنه يُسجل من غدر ومن وقف، من باع شنكال، ومن دفن شهداءنا بكرامة.
لقد خُدعنا كثيرًا بالشعارات، وتورطنا كثيرًا في رهانات لا تعود علينا إلا بالخسارة.
ليس كل من يحمل نفس المذهب صديقًا، وليس كل من يختلف معنا عدوًا. المعيار الحقيقي هو الموقف، والوفاء، والشراكة في المصير.
الشيعة لم يكونوا جميعًا خصومًا، بل منهم من صرخ دفاعًا عن كرامتنا حين صمت الجميع. والسنة ليسوا كتلة واحدة، ففيهم من قاتل معنا، ومن غدر بنا.
فلنعد قراءة المشهد بعيون مفتوحة…
ولنقلها بصراحة:
نحن شعب يستحق الاحترام، ولن نقبل بعد اليوم أن نُختزل في دور التابع أو الضحية.
إما أن تُبنى التحالفات على المصالح المتبادلة والاحترام الحقيقي…
أو فليُترك لنا خيار الاعتماد على أنفسنا، مهما كان الثمن!