اسم الكاتب : مصطفى العبيدي
في صورة للفوضى في إدارة الملف الاقتصادي العراقي، تتزايد أعداد العمالة الأجنبية في البلد هذه الأيام مقابل تصاعد حجم البطالة وخاصة بين الشباب المتعلم، وسط تحذيرات ومطالبات بالحد من العمالة الأجنبية وتأثيرها السلبي على الاقتصاد وسوق العمالة المحلية.
وأزاء تصاعد الدعوات لتقنين حجم العمالة الأجنبية في العراق والسيطرة عليها وتقليل آثارها السلبية، تحدث بعض النواب عن وجود تحرك في البرلمان بهذا الصدد. حيث كشف عضو مجلس النواب أحمد الربيعي في حديث عن تحرك نيابي لتقنين العمالة الأجنبية في العراق، مبينا أن نسبة عالية منها دخلت بصورة غير شرعية ومخالفة للقانون.
وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي، أقر في ندوة حول «البطالة والعدالة الاجتماعية» في مجلس الأمناء العراقي (مؤسسة حكومية) انه «يوجد مليون عامل أجنبي غير مرخص في العراق».
وكان المتحدث الرسمي باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية نجم العقابي، أعلن ان أعداد العمالة الأجنبية المرخصة من قبل وزارة العمل، بلغت نحو 160 ألفا، كاشفا أن عدد غير المرخصة تصل أضعاف المعلنة، إلا أنه لم يحددها برقم معين. وقال العقابي، إن «العمالة الأجنبية غير الشرعية لا تستطيع أي جهة إحصاءها، لأن أغلبهم قادمون إلى البلاد بصفة زيارة أو سياحة، أو من خلال إقليم كردستان وثم دخلوا في سوق العمل».
وأينما توجهت في بغداد، يلاحظ العراقيون بوضوح، انتشار أعداد كبيرة من العمالة الأجنبية (عربية وآسيوية) في قطاعات الخدمات مثل الأسواق الكبيرة (ماركتات) ومحلات بيع الفواكه والخضروات والمطاعم ومحلات الحلويات وغيرها. كما تنتشر في شوارع بغداد والمحافظات الكثير من الإعلانات عن توفر الخادمات الأجنبيات.
وخلال زيارة «القدس العربي» إلى أحد مكاتب تشغيل العمالة الأجنبية في بغداد، أعلن المكتب عن استعداده لتوفير نساء آسيويات وأفريقيات للعمل في البيوت بصفة خادمات ومربيات أطفال وممرضات لكبار السن، مقابل أجور تتراوح من 200 إلى 500 دولار شهريا، على أن يتم توفير السكن لهن في بيوت المستخدمين. وذكر العاملون في المكتب أن جلب العمالة الأجنبية إلى العراق، أصبح صعبا مؤخرا، بعد أن شددت وزارتا العمل والداخلية الإجراءات بحق الذين يتواجدون في العاصمة ممن لا يملكون إقامات أو عقود عمل مصدقة بشكل رسمي.
وفي هذا السياق أعلن مؤخرا مدير قسم الإبعاد والإخراج في مديرية شؤون الإقامة التابعة لوزارة الداخلية العميد أحمد جمعة رسن عن منح سمة المغادرة لـ 43 ألفا من العمالة الأجنبية لمخالفتهم قانون الإقامة رقم 76 لعام 2017 فيما أعلنت وزارة الداخلية العراقية، القبض على 24 أجنبياً مختبئين داخل صهريج في كركوك في محاولة للوصول إلى بغداد.
وضمن محاولات احتواء المشكلة وضعف السيطرة عليها، أصدر مجلس الوزراء، القرار المرقم 23119 الخاص بتكييف وضع العمالة الأجنبية في العراق. وقال معاون مدير عام العمل والتدريب المهني في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عباس فاضل عباس، إنه «استناداً لقرار مجلس الوزراء، عملت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية على إطلاق منصة لتكييف وضع العمالة الأجنبية العاملة» مبينا، أن «أصحاب العمل باشروا بالتقديم على هذه المنصة من أجل تكييف الوضع القانوني للعمال الأجانب، حيث تم تقديم أكثر من 10 آلاف و400 عامل حتى الآن» وهو عدد قليل مقارنة بالواقع.
ويذكر أن قانون الاستثمار العراقي يتيح للشركات الاستثمارية إدخال العمالة الأجنبية للبلاد بنسبة بين 40- 60 في المئة من العدد الكلي للعاملين في المشروع.
أما عن التبعات الاقتصادية للعمالة الأجنبية، فإن مستشار رئيس مجلس الوزراء للشؤون المالية مظهر محمد صالح، أعلن «أن العمال الأجانب يحولون 600 مليون دولار سنويا خارج العراق ويعملون في قطاعات محدودة الإنتاجية» إلا أن الباحث منار العبيدي رئيس مؤسسة «عراق المستقبل» للدراسات الاقتصادية (مستقلة) يقدر أن «أكثر من 2.4 مليار دولار تخرج سنويا من العراق لدول العمالة الأجنبية».
حجم البطالة
وعلى الرغم من تعهد حكومة محمد السوداني بالعمل على الحد من البطالة والفقر في العراق، إلا أن نسبة البطالة ما زالت تصل إلى نحو ربع القوى العاملة. وتشهد مدن العراق منذ سنوات تظاهرات متواصلة لخريجي الجامعات والعاطلين الذين لم يتمكّنوا من الحصول على وظائف بسبب عدم وجود رؤية حقيقية لدى الحكومة وعدم توفير بيئة عمل أو استثمارات مناسبة، فضلاً عن عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي.
وكانت وزارة التخطيط العراقية أعلنت عن ارتفاع نسبة البطالة بين العراقيين إلى 16.5 في المئة في عام 2021 فيما كانت 14 في المئة في عام 2020 إلا أن الخبراء يؤكدون أن الأرقام الحقيقية للعاطلين أكبر بكثير. وأوضح المتحدث باسم الوزارة عبد الزهراء الهنداوي في لقاء متلفز «يمثل الشباب الفئة الأكبر في المجتمع العراقي، إذ ارتفعت نسبة البطالة للفئة العمرية من 15-40 عاما إلى 23 في المئة، في حين بلغت نسب البطالة بين النساء 30 في المئة للعام 2021».
وتتعارض الإحصاءات الرسمية العراقية عن العاطلين مع الإحصائيات الدولية. إذ ذكرت الشركة الألمانية «ستاتيستا» المختصة في الإحصائيات الدولية، في تقرير لها، عن معدل البطالة في العراق من 2002 إلى نهاية 2021 «أنه في عام 2021 ظل معدل بطالة الشباب في العراق دون تغيير تقريباً عند حوالي 27.2 في المئة».
الجانب السياسي للعمالة الأجنبية
ويبدو أن مشكلة العمالة الأجنبية تتجاوز الإطار الاقتصادي إلى الجوانب السياسية، حيث يؤكد المطلعون أن تزايد حجم العمالة الأجنبية في العراق مؤخرا، يرتبط برغبة بعض القوى السياسية العراقية المتنفذة لتقديم المساعدة الاقتصادية للأنظمة الحليفة لها في بعض دول الجوار.
وكشف (ص العامري) صاحب فندق في كربلاء جنوب بغداد لـ«القدس العربي» أن «بعض القوى السياسية المهيمنة على السلطة في العراق وضمن سعيها لتقديم العون إلى حلفائها من دول الجوار (إيران وسوريا ولبنان) وإنقاذها من أزماتها الاقتصادية الخانقة، فإنها تقدم التسهيلات إلى الكثير من عمال تلك البلدان، للقدوم والعمل في العراق». وذكر العامري، أنه من خلال استغلال التسهيلات المقدمة للأجانب خلال المناسبات الدينية وزيارة المراقد المقدسة (الشيعية) يتم جلب أعداد كبيرة من العمال من دول الجوار وتوفير المأوى وأماكن العمل لهم في العراق، بالاستعانة بقوى سياسية متنفذة توفر الحماية لهم من الملاحقات القانونية.
وفي لقاء لـ«القدس العربي» مع الشاب علي الكعبي، أكد استغناء شركة النظافة في حي السلام (حي صدام) غربي بغداد عن العمال العراقيين في شركة خدمات النظافة في الحي، بعد الاستعانة بعمال سوريين ولبنانيين. ونفس السيناريو تكرر في العديد من أماكن العمل.
مشاكل العمالة الأجنبية
محمد حسين محلل اقتصادي وعضو «شبكة الاقتصاديين العراقيين» تحدث لـ«القدس العربي» عن جملة مشاكل تتعلق بالعمالة الأجنبية في العراق، وأولها انه «ليست هناك أية بيانات رسمية عن حجم العمال الأجانب، حيث أن المؤسسات الحكومية المعنية، لا تقوم بدورها في تنظيم سوق العمل ولا تستطيع تنظيم حقوق وواجبات العمالة الأجنبية».
وقال حسين «في السوق العراقية نحتاج بعض الأيدي العاملة الماهرة في قطاعات مثل النفط والغاز، ولكن العمالة الأجنبية الحالية أغلبهم من العمال والعاملات غير الماهرين، ووجودهم في العراق ليس مبنيا على أساس الحاجة لهم في السوق العراقية». وأشار إلى أن المشكلة الأخرى هي «أن أغلب العمال الأجانب يدخلون العراق بفيزة زيارة المراقد المقدسة ثم يبقون في البلد، وبعضهم يدخلون بدون فيزا عن طريق التهريب من دول الجوار».
واعتبر حسين «أن التعامل مع الأيدي العاملة الأجنبية، يعتبر مشكلة جدية، حيث أن أغلب العمال يأتون من الدول الفقيرة ويعملون في ظروف عمل غير مناسبة، ويواجهون الاستغلال والاضطهاد ويتلقون معاملة غير إنسانية. إذ يتم استغلالهم بشكل كبير، ولكنهم لا يستطيعون ان يشكوا صاحب العمل لأن أغلبهم بدون موافقات أصولية، رغم انهم يعملون بأجور رخيصة أقل مما يرضى به العمال العراقيون، كما يتحملون الأعمال الشاقة لذا يفضلونهم أصحاب العمل». وأكد المحلل «أن أغلبية العمال الأجانب لا يمثلون دورا مهما في الاقتصاد العراقي لأنه أساسا لا يوجد احتياج للأيدي العاملة الأجنبية غير الماهرة في البلاد، ونحن لدينا حجم البطالة نحو 16 في المئة، لذا فإن مشكلة البطالة تتفاقم بتزايد الوافدين من العمال الأجانب».
ويؤكد الخبراء الاقتصاديون أن أعداد العاملين الأجانب في العراق حاليا يتجاوز الأرقام الرسمية بكثير. وأن توافد العمال عبر المنافذ الحدودية بصورة رسمية أو عبر التهريب متواصل وخاصة عبر الحدود مع إيران وسوريا وإقليم كردستان. كاشفين ان تصاعد أعدادها وحجمها رغم وجود بطالة كبيرة بين العراقيين يعود لأسباب عديدة أبرزها استغلالهم من قبل مافيات الفساد التي تستفيد من الرخيصة منها لتحقيق أرباح كبيرة، فيما تعمد بعض القوى السياسية إلى جعل الاستعانة بالعمالة الأجنبية نوعا من الدعم الاقتصادي لحلفائها الإقليميين.